لم يخطر على بال ايناس الشابة التي تنتمي لمحافظة بورسعيد أن عشقها لكرة القدم وسعيها للسفر إلى الكاميرون لتشجيع المنتخب الوطني في بطولة كأس الأمم الإفريقية سيدخلها في رحلة علاج لن تقل عن سنة بعد أن اكتشفت أنها أصيبت هناك بالملاريا.
تقول الفتاة لـ"عربي بوست" إنها شعرت بأن قلبها خُلع من مكانه عندما كانت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ووقعت عيناها على منشور للناقد الرياضي المصري وليد الحديدي على صفحته بالفيسبوك يقول فيه: "ابن عمي تامر الحديدي توفاه الله، شهيد حب بلاده ذهب إلى الكاميرون لتشجيع المنتخب في نهائي إفريقيا، ليصاب بعدوى الملاريا التي تسببت في وفاته".
تشير العشرينية إلى أنها كانت تعاني من رشح وصداع وارتفاع درجة الحرارة واعتقدت أنها نزلة برد عادية، لكنها بعد رؤية المنشور توجهت على الفور لمستشفى الحميات وقامت بعمل التحاليل ثم انتظرت ليلة عصيبة قبل أن يهاتفها المستشفى في اليوم التالي ليخبرها أن النتيجة إيجابية وعليها التوجه إليهم لاحتجازها للخضوع لعلاج مكثف، خاصة أن درجة حرارتها تعدت الـ39 ولم تنخفض.
تذكر الفتاة أنها اتخذت قرار السفر في عُجالة وكان هناك تيسير وسرعة في إنهاء إجراءات السفر وكذا الحجر الصحي الذي أعطاهم تطعيم الحمى الصفراء فقط، دون تسليم العقار الوقائي من الإصابة بالملاريا، ولم يبلغها أحد هي وأصدقاءها أية إرشادات صحية للوقاية من المرض، وكذلك لم يخبرها أحد في المطار خلال عودتها بضرورة الحصول على العقار الوقائي والاستمرار عليه لمدة أربعة أسابيع وإلا كانت اتبعت التعليمات.
تشير الفتاة إلى أنها ليست الوحيدة الحاملة للمرض؛ حيث فوجئت أنه يوجد بمستشفى الحميات في محافظة بورسعيد عدد من المصابين المحتجزين بسبب هذا المرض، وجميعهم من المشجعين الذين سافروا الكاميرون، إضافة إلى توافد أعداد أخرى، أظهرت تحاليلها إيجابية العينة وغيرهم جاؤوا لعمل التحليل.
وتتعجب من أنهم علموا بانتشار المرض من صفحات التواصل الاجتماعي بسبب التحذيرات التي أطلقها البعض ولم تتحرك وزارة الصحة بالمحافظة إلا عندما وقعت الكارثة فتقوم بالتواصل مع العائدين تطالبهم بالتوجه إلى المستشفى لإجراء الفحوصات والتأكد من سلامتهم.
مرض بلا أعراض
أما عبد الرحمن السيسي فقد دخل مستشفى الحميات بالمنصورة وكتب قائلاً: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. بعد عمل التحاليل اللازمة ظهر عندي نسبة من مرض الملاريا وتم حجزي في مستشفى الحميات لأخذ الجرعات الخاصة بمرض الملاريا، رجاء من كل الناس اللي كانت مسافرة الكاميرون تروح تطمئن على نفسها".
ولم يشعر المهندس أحمد عبد السلام بأعراض الإصابة بالملاريا، لكنه تفاجأ بعد إجراء فحوصات طبية هو ومجموعة من أصدقائه شاركوا في تشجيع المنتخب بأمم إفريقيا، بأنهم إيجابي ملاريا، لتقرر إدارة مستشفى حميات الإسكندرية احتجازهم لتلقي البرتوكول العلاجي الخاص بالمرض.
وعلم "عربي بوست" من موظف بالمستشفى أن هناك حالة من الفزع انتابت العائدين من الكاميرون؛ حيث توافد عدد كبير على مستشفى الحميات بالمحافظة حاملاً بطاقته كشرط لإجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة وبالفعل هناك عشرات الحالات الإيجابية.
وصرح أيمن حليم، مدير الشؤون الصحية بمحافظة الإسكندرية، بأنه تم حصر أعداد العائدين من الكاميرون وسافروا لغرض كروي وغير ذلك، والمحتمل إصابتهم بالمرض، وبلغ عددهم 202 شخص، مشدداً على إجراء المكاتب والوحدات الصحية في كل منطقة بتحاليل طبية للتأكيد على سلامتهم.
يقول المشجع "محسن.ع" ويعمل محاسباً، في حديثه إلى "عربي بوست" إن مكتب الصحة بالمطار أعطى له حقناً ومحلولاً ورشاً وبعض التعليمات. وأعطوه الكراسة الصفراء التي تفيد بتطعيمه؛ ولكنه لم يحصل على أي تطعيم أثناء عودته من الكاميرون وعلم أنه كان عليه أخذ أقراص أخرى.
ومنذ أيام أعلن مستشفى الحميات في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، عن استقبال الصحفي محمد غنيم البالغ من العمر 37 سنة مصاباً بمرض الملاريا، حيث تدهورت حالته بعد عودته من "ياوندي"، وانتشرت أخبار تفيد بأنه لم يتلقَّ اللقاح الخاص بالملاريا وبعدها تكفلت أسرة اللاعب المصري محمد صلاح بعلاج غنيم وتوفير أي علاجات له بالتنسيق مع وزارة الصحة.
البعض ذهب للكاميرون "كمالة عدد" بدون تطعيمات أو إرشادات وقائية
عضو بنقابة الأطباء أوضح لـ"عربي بوست" أن هناك حالة من التعتيم على الحالات المصابة بالملاريا، وخاصة أنها تتشابه في أعراضها مع فيروس كورونا مرجحاً إصابة ما يقرب من 90% من المشجعين الذين سافروا لحضور نهائي بطولة كأس أمم إفريقيا، لمؤازرة منتخب مصر أمام السنغال.
وكانت شركة بريزنتيشن، راعي الكرة المصرية، وحزب مستقبل وطن الحائز على الأغلبية في البرلمان، نظما رحلات لحضور مباريات المنتخب المصري في بطولة الأمم الإفريقية بالكاميرون في الفترة بين 9 يناير/كانون الثاني و6 فبراير/شباط الماضيين، من دون اتخاذ أي إجراءات صحية أو وقائية.
ويشير المصدر إلى أن الوجهاء وأبناء وذوي نواب البرلمان، وأعضاء أمانات الحزب، ومجموعة من الصحفيين والإعلاميين المقربين منه، سافروا في رحلات اليوم الواحد لشركة "مصر للطيران" من أجل مؤازرة المنتخب، لكن تم تحصينهم بالأدوية والإرشادات الوقائية، أما من ذهب كـ"كمالة عدد" فلم يهتم بهم أحد وهذا يفسر وجود تحاليل إيجابية للبعض وسلبية لآخرين.
وحسب تصريحات متلفزة للسفير مدحت المليجي على قناة أون تايم سبورت، فإنه تم تخصيص 10 طائرات بأحجام مختلفة، لنقل الجماهير المصرية من القاهرة إلى الكاميرون، لدعم المنتخب في المباراة النهائية وبذلك سيرتفع عدد الجماهير المصرية التي ستتواجد في ملعب مباراة مصر والسنغال، إلى 3000 مشجع على الأقل.
ويرجع المصدر الطبي التعتيم الحاصل على حالات الملاريا حتى كشفت عنه وسائل التواصل الاجتماعي إلى اللقاء الذي جرى في 24 فبراير/شباط بين خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والقائم بعمل وزير الصحة والسكان، والدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق المتوسط، حيث لفت الوزير إلى التعاون مع منظمة الصحة العالمية، خلال الفترات المقبلة، لإعلان عام 2022، عاماً لخلو مصر من أمراض (الملاريا، البلهارسيا، الحصبة، الحصبة الألمانية).
وظهر ذلك جلياً في تصريح مدير الشؤون الصحية بالإسكندرية، بالتزام المحافظة بتنفيذ تعليمات وخطة الوزارة للحصول على شهادة منظمة الصحة العالمية بأن مصر خالية من الملاريا.
هذا التعتيم ظهر أيضاً في حالة وفاة الدكتور يوسف شعبان الذي وافته المنية في الثامن والعشرين من فبراير/شباط الماضي حيث يعلق أحمد عدلي على منشور بصفحة "Travel Secrets Club" بأن صديقه الدكتور يوسف شعبان، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وعضو وحدة المتابعة بوزارة الشباب والرياضة وكان ضمن البعثة المصرية في الكاميرون توفي، واعتقد في البداية أنه مصاب بكورونا وبعد التحليل اكتشفوا أنها ملاريا، الموضوع أخذ ثلاثة أيام من بداية التعب إلى الوفاة.
وحتى كتابة التقرير لم يصدر عن الوزارة أو التنسيقية بيان ينفي أو يؤكد تلك المعلومة.
تجاهل البروتوكول الصحي للسفر للكاميرون ينذر بتحول الملاريا لوباء
سامح علي أستاذ الطب الوقائي أوضح لـ"عربي بوست" قال إن الملاريا مرض معروف وقديم وأشهر الأمراض في إفريقيا؛ نظراً لانتشار المستنقعات وبرك المياه الدائمة في إفريقيا الوسطى التي يعيش عليها البعوض فيمتص دم المصاب وينقله إلى إنسان آخر، وتتراوح فترة حضانتها بين 7 و30 يوماً وهذا يفسر ظهور الحالات هذه الأيام.
ووصف العجلة في حشد أكبر عدد للسفر دون تطعيم وإجراءات وقائية هو استخفاف بأرواح المواطنين، خاصة أن الكثيرين لا يعلمون أن السفر لأي دولة إفريقية بعد الخرطوم يتطلب عدداً من التطعيمات أهمها الملاريا ويتم تناول الجرعة الوقائية (أقراص) قبل السفر بأسبوع على الأقل ويمكن الحصول عليها من الإدارة العامة لمكافحة الملاريا بالوزارة بموجب مستندات السفر الرسمي، وعلى المسافرين إلى البلاد الموبوءة بالحمى الصفراء كالكاميرون التطعيم قبل السفر بعشرة أيام (حيث تبدأ صلاحيتها بعد عشرة أيام من تاريخ التطعيم وتسري لمدة عشر سنوات) بمراكز التطعيم، ويفضل التطعيم ضد الكوليرا ولا يتطلب الأمر شهادة تطعيم دولية من المسافرين إلى الدول الموبوءة بالكوليرا.
يستكمل الطبيب أن القائمين على تلك الرحلات كان لا بد لهم من توعية المسافرين بالإجراءات الوقائية، ومنها استعمال وسائل الحماية الشخصية من لدغ البعوض وتتلخص في: الالتزام بارتداء الملابس ذات الأكمام والأرجل الطويلة، وتجنب التواجد في الأماكن المفتوحة بعد غروب الشمس، ودهان المناطق الظاهرة بالجسم بالدهانات الطاردة للبعوض، ورش أماكن المعيشة بالمبيد الحشري المناسب، وعدم وضع المواد المعطرة؛ لأنها جاذبة للبعوض والحشرات الطائرة، والنوم داخل أماكن ذات نوافذ مغطاة بسلك شبكي مانع للبعوض، والنوم داخل ناموسية في المناطق التي يتواجد بها البعوض بكثافة عالية، وتجنب الأماكن المزدحمة سيئة التهوية، وأخيراً تناول المأكولات والمشروبات الآمنة صحياً والتي لا يشك في سلامتها.
ويستكمل الطبيب أن كل بلد موبوء بالملاريا له أنواع معينة من أدوية الوقاية وتختلف من شخص لآخر من حيث السن والتاريخ المرضي له، كاشفاً أن هناك سيدة مصابة جاءت إليه حاملة للمرض بعد عودتها من الكاميرون، وعندما سألها كيف سافرت بدون تطعيم؟ قالت إن الوقت كان ضيقاً والسلطات الصحية بالمطار تركت الأمر للمسافر فضلاً عن أنه لم ينبههم أحد لخطورة الأمر أو تداعياته، وكان على المشجعين الحصول على أقراص مادة الكلوروكين طوال مدة السفر يومياً؛ للوقاية من المرض وتنشيط المناعة ضده.
كذلك فإن المفروض أن ركاب الطائرات العائدة من إفريقيا يخضعون للحجر الصحي؛ حيث يتم تسجيل بياناتهم وتوجيههم للمتابعة عن طريق أقرب وحدة صحية لعنوان الراكب العائد، وفي حالة انشغال الحجر الصحي بمتابعة المصابين بكورونا فيجب على المشجعين العائدين من الكاميرون أن يبادروا بالتواصل مع الحجر الصحى وعدم الاستهتار في التعامل مع الأمر؛ لأن هناك أنواعاً للملاريا تختلف باختلاف المكان وبالتالي يختلف العلاج، وهي معلومات ليست متوافرة في الغالب للأطباء في المستشفيات الخاصة.
وأكد ضرورة التعامل مع الأمر بجدية حتى لا يتحول إلى وباء، لأن المرض ينتقل عن طريق البعوض، وبالتالي يصعب التحكم في العامل الناقل للعدوى.
يحذر أستاذ الطب الوقائي من أنه في حال سلبية الإصابة بالمرض، يجب على الشخص تلقي علاج وقائي، لأنه لا يزال حاملاً للعدوى ولأن الفيروس له فترة حضانة على الكبد لمدة سنة.
وأشار إلى أن الأعراض الشائعة هي الحمى وارتفاع شديد في درجة الحرارة بجانب الرعشة والعرق الغزير، وتظهر هذه الأعراض عن طريق نوبات كل ثلاثة أيام بشكل عنيف جداً، مؤكداً خطورة المرض؛ لأنه يؤثر على المخ بخلاف محاربة خلايا الدم الحمراء؛ ما قد يتسبب في فقر دم شديد.
وطمأن الطبيب أهالي المرضى بأن المرض لا ينتقل من إنسان إلى آخر، فإذا أصيب أحد المشجعين فلا يُذعر من احتمالية نقل العدوى لأفراد أسرته؛ حيث لا ينتقل إلا عن طريق نوع معين من البعوض.
وفي وقت سابق، تلقت وزارة الصحة والسكان بلاغات بمصابين بمرض الملاريا، لتوجه مديريات الشؤون الصحية بمختلف المحافظات بتنشيط رصد المرض.
وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة، حسام عبد الغفار، أنّ مستشفيات الحميات استقبلت عدداً من المصابين بمرض الملاريا بعد عودتهم من الكاميرون.
وفي الثاني من مارس/آذار الجاري، أصدر قطاع الطب الوقائي تعليمات برصد مرض الملاريا حسب تعريف الحالة؛ خصوصاً للوافدين الأجانب أو العائدين من المصريين بعد القيام بمهام في أية دولة من الدول التي يتوطن بها المرض، وأكد ضرورة تحويلهم إلى مستشفيات الحميات في كل محافظة.