"أعيننا على السماء ونخشى ألا نجد في المستقبل مياه الشرب"، بهذه الكلمات يصف الفلاح المغربي مصطفى بلحرشة لـ"عربي بوست" مخاوفه بسبب موسم الجفاف في المغرب، والذي تعيشه البلاد بعد انحباس المطر هذا الموسم.
حال الفلاح الذي قابله "عربي بوست" لم يكن وحيداً، إذ لم تنقطع أعين كل الفلاحين عن النظر إلى السماء طيلة الشهور الماضية على أمل هطول أمطار تروي الأرض وتنقذ الموسم الفلاحي.
وأدى المغاربة منذ أسبوعين صلاة الاستسقاء في جميع مساجد المملكة بأمر من الملك محمد السادس، وهي السنة التي دأبوا عليها، تضرعاً لله لنزول المطر وإنقاذ البشر والشجر والماشية.
وبحسب المديرية العامة للأرصاد الجوية، فإن متوسط التساقطات المسجل على المستوى الوطني منذ فاتح سبتمبر/أيلول 2021 إلى 31 يناير/كانون الثاني 2022 بلغ 38.8 ملم، وسجل المغرب عجزاً بـ53% مقارنة بالموسم السابق 2020-2021.
مخاوف من أزمة عطش
تعيش منطقة السهول ضواحي مدينة سلا شمال العاصمة الرباط في المغرب آثار الجفاف في المغرب شأنها شأن باقي المناطق الفلاحية بالبلاد، التي انتظرت المطر لكنه لم يأت.
يقول مصطفى بلحرشة لـ"عربي بوست" إن "تأخر الأمطار دفع الفلاحين بالمنطقة إلى استعمال المياه الجوفية بكثافة للسقي ما أدى إلى استنزاف المخزون المائي".
ويرى بلحرشة وهو فاعل مدني في المجال الفلاحي أنه أمام توالي مواسم الجفاف في المغرب باتت الحاجة ماسة لتدريب الفلاحين على ممارسات زراعية جديدة تتناسب مع مناخ المغرب الذي يصنف ضمن الدول شبه الجافة.
"أخشى أن نصل إلى وضع يفتح فيه المواطن الصنابير ولا يجد الماء"، يقول بلحرشة محذراً من التداعيات الخطيرة للجفاف والاستنزاف المكثف للمياه الجوفية.
واعتبر بلحرشة أن بعض الممارسات تزيد من استنزاف المياه في المغرب مثل تشجيع زراعات تستلزم الكثير من المياه، كزراعة البطيخ في الجنوب الشرقي والأفوكادو في جهة الغرب، معتبراً أن هذه الزراعات ستجعل المغرب يعاني مستقبلاً من أزمة عطش حادة.
وانعكست تداعيات الجفاف في المغرب على عدة قطاعات؛ إذ ارتفعت أسعار الخضراوات والفواكه وعلف المواشي، إلى جانب تأثيرها على زراعات الحبوب والقطاني ومخزون مياه السدود.
وتراجعت نسبة ملء السدود في المغرب لتصل إلى 33.7‰ الشهر الجاري مقارنة مع 46.9% في نفس الفترة من السنة الماضية، مسجلة تراجعاً بأكثر من 2 مليار متر مكعب، وهو ما سيؤثر على المناطق التي تعتمد على مياه السدود لسقي المزروعات أو لتوفير المياه.
ويتوفر المغرب على 149 سداً كبيراً بسعة إجمالية تفوق 19 مليار متر مكعب، و133 سداً صغيراً في طور الاستغلال.
تجنب السيناريوهات الأسوأ
يصف محمد بنعبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، الوضع في البلاد قائلاً: "نعيش زمن ندرة المياه"، داعياً إلى رسم خريطة جديدة لتجاوز أزمة العطش المرتقبة خاصة في فصل الصيف.
وقال بنعبو لـ"عربي بوست" إن المغرب يتوفر على 18 مليار متر مكعب من المياه السطحية مقابل 4 مليار من المياه الجوفية، وكلاهما تعرض للاستنزاف في السنوات الماضية.
وبسبب موسم الجفاف في المغرب هذا الموسم، يوضح بنعبو لـ"عربي بوست" أن الفرشة المائية استنزفت في عمق 60 متراً في العديد من المدن والجهات.
ونبه إلى أن بعض الفلاحين الكبار وصلوا إلى الفرشة الثانية التي تعتبر الاحتياطي الوطني للمغاربة، وخالفوا الرخص المسلمة لهم بعدم تجاوز العمق المسموح الوصول إليه في الحفر لاستخراج الماء.
"الوضعية تثير القلق"، يقول عبو، منبهاً إلى أن عشر مدن مغربية منها برشيد ومكناس وسيدي قاسم ستشهد صيفاً حارقاً، وأزمة عطش حادة ستنتج عنها حراكات اجتماعية.
ودعا المتحدث الفاعلين والمسؤولين إلى التحرك لتجنب ما سماه "أسوأ السيناريوهات" والتعامل بجدية مع موضوع ندرة المياه وتوعية المواطنين والمقاولات والفلاحين لترشيد استعمال المياه.
وقال المتحدث: "حسب التقارير الدولية، فالمغرب ضمن اللائحة الحمراء للدول التي ستعرف ندرة مائية حادة في أفق 2040، لذلك يجب إطلاق برامج لنتجنب السيناريوهات الأسوأ، ويجب التركيز على تحسيس المواطن، وعلى الحكامة الجيدة والتدبير الأمثل للموارد المائية".
تداعيات اجتماعية واقتصادية
ويرى الخبير الاقتصادي المهدي لحلو أن سنة الجفاف في المغرب سيكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية.
وأوضح لحلو في حديث مع "عربي بوست" أن الجفاف سيؤثر بالدرجة الأولى على حوالي 45‰ من سكان المغرب الذين يقطنون في العالم القروي، إذ سيعانون من ارتفاع معدلات البطالة والفقر خصوصاً في الأراضي البورية التي تعتمد كلياً على هطول الأمطار".
وتمثل الأراضي البورية ما بين 70 و80% من الأراضي الفلاحية المنتجة للحبوب في المغرب.
وأشار المتحدث إلى أن هذا الموسم يُعد من أقسى سنوات الجفاف في المغرب في الخمسين سنة الماضية، لافتاً إلى أن إنتاج الحبوب سينخفض بشكل كبير وسيصل إلى حوالي 30 مليون قنطار في حال هطول الأمطار نهاية فبراير/شباط الجاري، أما إذا لم يحدث ذلك فسيكون مستوى الإنتاج أضعف بكثير.
وأوضح لحلو أن "الإنتاج الفلاحي في المغرب يساهم بنسبة 14% من الناتج الداخلي الخام. وكانت الحكومة قد بنت توقع نمو الناتج الداخلي الخام بنسبة 3.2% على فرضية إنتاج 70 مليون قنطار من الحبوب كمعدل لسنة عادية. الآن بما أن الإنتاج الفلاحي سيعرف تراجعاً فذلك سيؤثر على معدل نمو الناتج الداخلي الخام الذي سيتراوح ما بين 1.5 و2.2%".
هل هذا الوضع يدفع إلى مراجعة موازنة 2022؟ يجيب لحلو على هذا السؤال بالقول: "لا أعتقد أن الوضع يستدعي مراجعة الموازنة؛ لأن المغرب شهد توالي سنوات جفاف وتعود على التعامل معها".
غير أنه يلفت إلى ضرورة وضع سياسة جديدة تجاه العالم القروي لمساعدة العائلات التي فقدت عملها، وحماية مربي الماشية بتوفير الأعلاف لماشيتهم بأسعار تناسب قدرتهم الشرائية.
وأكد المتحدث على ضرورة الاستمرار في نهج سياسة اجتماعية كما وقع خلال أزمة كوفيد لحماية القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والهشة في العالم القروي والوسط الحضري أمام الارتفاع المتزايد للأسعار.
أزمة كورونا والجفاف في المغرب
بينما كان الاقتصاد المغربي يتجه نحو التعافي جراء ما تكبده من خسائر بسبب تداعيات كورونا، تتعمق الأزمة بسبب موسم الجفاف في المغرب.
ووجهت فرق الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب استدعاء لوزراء الداخلية، والتجهيز والماء، والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والاقتصاد والمالية، والإدماج الاقتصادي والمقاولة والصغرى والشغل والكفاءات لحضور اجتماعات اللجان الدائمة لمناقشة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجفاف وبحث السبل الكفيلة للتخفيف من وطأته.
ودعا حزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الحكومة الأغلبية الحكومية إلى اجتماع طارئ لمناقشة تدهور الأوضاع في العالم القروي نتيجة التأخر الملحوظ في التساقطات وانهيار أسعار الإنتاج الفلاحي.
من جانبه، طالب حزب الحركة الشعبية المعارض بتعديل موازنة 2022 وبلورة برنامج وطني استعجالي للحد من تداعيات الجفاف في المغرب.