تتعمق أزمة الأردن المائية يوماً بعد يوم، في وقت تتعرض فيه سدود الأردن للجفاف واحداً بعد الآخر، حتى طال الجفاف 11 من أصل 14 سداً. ويعدّ تأخر هطول الأمطار وتراجع كمياتها خلال العام الماضي السبب الأبرز في الأزمة، مما جعل شبح الجفاف يطارد القطاعات الزراعية والصناعية في المملكة.
ويعد الأردن واحداً من أكثر الدول التي تعاني من شح في المياه نظراً لنقص الموارد المائية، الأمر الذي دفع الحكومات المتعاقبة في الأردن ممثلة في وزارة المياه والري للتوجه من أجل استغلال مياه الأمطار عبر بناء وإنشاء السدود، حيث يضم الأردن 14 سداً مائياً متوزعة على مناطق الأردن.
وعلى الرغم من أن نسبة هطول الأمطار خلال أول منخفض جوي تعرضت له الأردن في عام 2021، منح سدود الأردن نحو 4 ملايين متر مكعب من الأمطار، إلا أنّ حجم الأمطار الساقطة من بداية الموسم بلغت (2.2%) من المعدل السنوي العام. وبذلك تبقى نسبة الهطول المطري بالأردن في أقل معدلاتها قياساً مع الأعوام الماضية.
هذا إضافة إلى أنّ غالبية السدود تعاني من مشكلات وأزمات متراكمة بسبب سوء في الإدارة وعدم القدرة على إيجاد حلول جذرية من قبل وزارة المياه والري، على رأسها مشكلة زيادة الملوحة وزيادة تراكمات وترسبات الطمي في السدود، الأمر الذي يجعل من مياه السدود غير صالحة للري والزراعة.
السد الأكبر في الأردن.. وضع خطير
يأتي على رأس تلك السدود وأكبرها سعة وحجماً سد الملك طلال الذي يقع في محافظة جرش، والذي تبلغ سعته التخزينية 75 مليون متر مكعب.
هذا السد من النوع الركامي الصخري، ويستخدم لغايات الري وتوليد الكهرباء، فيما تبلغ مساحة المنـاطق المستفيـدة مــن الـسدّ حوالي 300 ألف دونم من أراضي منطقة الأغوار الوسطى والجنوبية "وادي الأردن"، بواقع 85 مليون متر مكعب سنوياً، وهذا بطبيعة الحال يعدّ أقل من معدل الاحتياج الطبيعي.
لكنّ السدّ في الوقت الحالي بحسب تأكيدات رئيس "اتحاد مزارعي وادي الأردن"، عدنان الخدام، في حديثه الخاص لـ"عربي بوست"، أوضح فيه أن هناك ارتفاعاً كبيراً في نسبة الملوحة بالسد.
وأشار إلى أن حجم الاستهلاك من ماء السدّ يبلغ يومياً 200 ألف متر مكعب، ولم يتبقّ سوى 18 مليون متر مكعب، نصفها تقريباً عبارة عن طمي لا يستفاد منه، فيتبقى 9 ملايين متر مكعب من مجمل حجم السد الذي يتسع إلى 75 مليون متر مكعب.
وشدد الخدام على أنّ هذا الأمر يعطي مؤشراً خطيراً، وينذر بكارثة حقيقية تهدد منطقة وادي الأردن الذي يستفيد منه المزارعون في ري مزروعاتهم، التي تبلغ 300 ألف دونم، منها ما يقارب 200 ألف دونم مزروعة بالخضراوات والحمضيات.
سد الكرامة.. مشكلة الملوحة
وهناك سد الكرامة الواقع في منطقة الأغوار، وتبلغ سعته التخزينية 55 مليون متر مكعب، وهو من النوع الترابي، ويستخدم لغايات الري.
ويعمل السد على على ري 40 ألف دونم من أراضي منطقة الأغوار الجنوبية، لكنّ مياه السدّ تعاني من مشكلة كبيرة تتمثل في زيادة نسبة الملوحة بنسبة كبيرة، الأمر الذي يجلعها غير صالحة للري والزراعة.
هذا إضافة إلى أن مياه السد تحتوي على كميات كبيرة من الطمي تصل إلى نصف حجمه، كل هذه المشكلات تجعل السدّ في وضع حرج للغاية ومن الصعوبة تقديم حلول حقيقية وجذرية لمعالجة ما يعانيه من مشكلات.
سد الوالة.. ومياه الصرف
ويعدّ سد الوالة الواقع في محافظة مأدبا، أحد أهم السدود في الأردن، ويقع على بعد 20 كم جنوب مدينة مأدبا، وتبلغ سعته التخزينية 9 ملايين متر مكعب، وهو من النوع الخرساني والترابي المتجانس.
يستخدم السد لغايات الري والتغذية الجوفية، فيما تبلغ مساحة المناطق المستفيدة من السدّ من المناطق الزراعية، وتحديداً في أسفل السد حيث تحتوي تلك المنطقة على مساحات مزروعة، 2500 دونم.
كما يستخدم السدّ في غايات الشرب ويغذي محافظة مأدبا ومحافظة العاصمة عن طريق آبار الوالة والهيدان.
وتؤكدّ مصادر رفضت الكشف عن اسمها لـ"عربي بوست"، أنّ تعلية السدّ التي تمت العام الماضي كانت أحد الأسباب في حدوث مشكلة. إذ كان من المفترض من جراء زيادة ارتفاع السدّ إلى 18 متراً أن يؤدي لزيادة السعة التخزينية للسدّ من 9 ملايين متر مكعب لتصل إلى 30 مليون متر مكعب، الأمر الذي أدى إلى تخوّف وزارة المياه من زيادة الضغط على السدّ وبالتالي يمكن أن ينهار.
لذلك عمدت الوزارة على التخلص من مياه السدّ، وجاء وزير المياه والري السابق معتصم سعيدان وأمر بتفريغ المياه الموجودة بالسدّ والتي بلغت 3 ملايين متر مكعب.
لكنّ مصادر أخرى كشف عن أنّ السبب الحقيقي، وراء التخلص من مياه السدّ يعود لسبب نسبة التبخر العالية، ولكون السدّ يحتوي على كميات عالية من الطمي واختلاطه أيضاً بمياه الصرف الصحي، مما أدى إلى إصدار قرار من وزارة المياه للتخلص من مياه السدّ المختلطة بمياه الصرف الصحي والتي تعدّ غير صالحة للاستخدام.
سد الموجب.. تغذية العاصمة
أما سد الموجب فهو سد مائي يقع في محافظة الكرك جنوبي الأردن، وتبلع السعة التخزينية للسد 30 مليون متر مكعب، وهو من النوع الخرساني والترابي المتجانس.
يستخدم لغايات الري والشرب والصناعة، وفيما يتعلق بالمنـاطق المستفيدة مـــــن السدّ، فهي العاصمة عمَّان، والمنتجعات السياحية على شاطئ البحر الميت، ومحمية الموجب الطبيعية والأراضي الزراعية أسفل وأعلى السد.
يذكر أنه تم إنشاء أول سد في الأردن وهو سد شرحبيل بن حسنة عام 1967، وتبلغ سعته التخزينية 4 ملايين متر مكعب، ويعمل السد على ري 8 آلاف دونم من أراضي منطقة الأغوار الشمالية.
نموذج لمعاناة المزارعين
ونتيجة للتراجع الكبير في نسبة ملء السدود في الفترة الأخيرة، فإنّ تلك الحالة انسحبت على المزارعين الأردنيين الذين يعتمدون بدرجة كبيرة على مياه السدود في ري مزارعهم.
إذ إنّ حالة جفاف السدود في فترة الثلاثة أشهر الأخيرة أدت إلى إهلاك مئات الدونمات من المحاصيل الزراعية ومئات الأطنان من الثروة السمكية، وحالت دون تمكن المزارعين في العديد من المناطق المحيطة بالسدود وعلى رأسها مناطق الأغوار الوسطى ووادي الموجب والوالة من ري أراضيهم، وفق ما أكده مزارعون ومستثمرون.
وأوضح المهندس ياسر الهقيش، أحد المستثمرين والعاملين في القطاع الزراعي بالأردن، في حديث لـ"عربي بوست"، أنّ جفاف سد الوالة أدى إلى الإضرار بمساحات كبيرة وواسعة من المزروعات التي تعتمد على السد في ريها.
وأشار إلى أنّ حجم تلك المساحات التي تضررت وصلت إلى 2500 دونم منها 400 دونم تختص بالمهندس الهقيش الذي يتشارك مع مجموعة من المزارعين في زراعة الخضراوات (طماطم، بطاطا، خيار، جزر)، بالإضافة إلى زراعة البطيخ والشمام والزيتون، إضافة إلى أن الثروة السمكية التي تعتمد على مياه السد أيضاً، قد جفت بشكل كامل، الأمر الذي أدى إلى خسائر مالية كبيرة.
ويؤكدّ الهقيش أنّ حالة الخسارة التي ألحقت بالمزارعين الذين يعتمدون على سدّ الوالة، تمثلت في تكلفة إيجار الأراضي، والبذور، ورواتب وإيجار العمال، وشبكات الري والرش، ومضخات الماء، منوهاً إلى أنّ خسارته بلغت 50 ألف دينار.
ويمتلك الهقيش 9 عمال تمّ استقدامهم من مصر وهو مطالب بدفع أجر شهري قدره 350 ديناراً، في ظل عدم وجود عائدات مالية يسمح بتوفير تلك المستحقات، بعد توقف الزراعة في المنطقة، مشدداً على أنّ حالة جفاف السد بدأت منذ ثلاثة أشهر وتحديداً منذ شهر سبتمبر/أيلول من هذا العام.
وفي سياق متصل يعزو رئيس "اتحاد مزارعي وادي الأردن"، عدنان الخدام، أسباب جفاف السدود وتراجع التدفق المائي فيها إلى تراجع نسبة سقوط الأمطار على الأردن كعامل رئيسي، لكنّ العامل الأهم يتمثل في سوء إدارة أزمة السدود من قبل الحكومة ووزارة المياه.
ويشير الخدام إلى أنّ الكمية الإجمالية للسدود الـ14 في الأردن تتسع إلى 350 مليون متر مكعب، لكنّ في حقيقية الأمر فإنّ حجم المياه في السدود مجتمعة لا تتجاوز حالياً 25 مليون متر مكعب، وهذا رقم ضئيل جداً مقارنة بسعتها الحقيقية، مشدداً على أنّ مجمل السدود تعاني من مشكلات الطمي وارتفاع نسبة الملوحة.
ويؤكدّ الخدام أنّ سد الملك طلال وهو من أكبر سدود الأردن، يواجه مشكلة كبيرة تصل به إلى مرحلة الخطورة، مشيراً إلى أنّ تأخر الموسم المطري أدى إلى الوضع المأساوي في منطقة وادي الأردن الذي يعتمد بشكل كبير على مياه السد في ري المزروعات.
تعرض 11 سداً للجفاف
تعتمد السدود الأردنية وتغذية المياه الجوفية بشكل كامل على مياه الأمطار، وخلال العقدين الماضيين مر الأردن بحالات مماثلة من الجفاف وشح الأمطار، لكنها لم تصل لحد جفاف السدود، وفق مختصين.
من جانبه يوضح وزير المياه الأسبق والخبير بالقطاع المائي حازم الناصر، أنّ غالبية سدود الأردن باتت شبه جافة، مشيراً إلى أنّ هناك 14 سداً منها 11 سداً جافاً، و3 سدود بها مخزون يقل عن 5%.
ويكشف الناصر في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنّ أزمة المياه في الأردن ليست على رأس أولويات الحكومة الحالية، كما أنّها لم تكن ضمن أولويات الحكومة السابقة (حكومة عمر الرزاز)، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مخزون المياه في السدود الأردنية الثلاثة نحو 20 مليون متر مكعب.
وفي الإطار نفسه يحذر الناصر من خطورة جفاف سد الملك طلال الذي يعدّ أكبر السدود بالأردن، لأنّ جفافه يمثل كارثة زراعية ستدمر سلة الخضار الأردنية في مناطق الأغوار المعتمدة بنسبة 75% على مياه السد، سواء الأشجار المثمرة أو المزروعات الحقلية أو النخيل أو مزارع الثروة السمكية هناك.
ويبدو أنّ الحكومة الأردنية لا تزال تشعر بالخطر المتعلق بأزمة المياه وتراجع كبير في توفير الاحتياجات المائية على كافة الأصعدة، إذ يصنف الأردن ثاني أفقر دولة في العالم بالمياه، وفق المؤشر العالمي للمياه.
وبهذا الصدد عمد إلى توقيع اتفاقية إعلان نوايا لمقايضة الطاقة بالمياه مع الجانب الإسرائيلي في دبي، وذلك للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، على أن تبدأ دراسات جدوى المشروع العام المقبل.
وستشارك الإمارات في تمويل التعاون، بينما رعت الولايات المتحدة توقيع الإعلان. وتنص الاتفاقية على أن يقوم الأردن بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل، التي ستعمل على تحلية المياه لصالح الأردن الذي يعاني من الجفاف.