استيقظ المصريون قبل أيام على خبر يتم تداوله على نطاق واسع يفيد بسعي رجل الأعمال أحمد عز للاستحواذ على النسبة التي يمتلكها رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في شركة حديد المصريين، والتي تبلغ 18%، وهو ما فسَّره كثيرون بأن نظام الرئيس السيسي يعطي أبو هشيمة بطاقة حمراء للخروج من المشهد العام في مصر، بعدما سبق أن حصل رجل الأعمال المشهور بزيجاته المثيرة للجدل من فنانات شهيرات على العديد من "البطاقات الصفراء" في السنوات الماضية.
علمت "عربي بوست" من مصادر خاصة أن عملية الاستحواذ سيتم الإعلان عنها بالفعل خلال ساعات، وقبل نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وتبلغ قيمتها 1.5 مليار جنيه.
يأتي هذا رغم ترجيح الكثير من الخبراء الماليين عدم اكتمالها بسبب صعوبة الوضع المالي لشركات حديد عز التي تصل ديونها الحالية للبنوك إلى أكثر من 34 مليار جنيه، وفقاً لقائمة المركز المالي للشركة في سبتمبر/أيلول الماضي.
وبصرف النظر عن التفاصيل، فإن الشائعات التي أثارها الإعلان عن الصفقة لم تخمد بعد، خصوصاً أن علاقة أبو هشيمة بنظام الرئيس السيسي يشوبها الكثير من الغموض، فلا يوجد أحد يعرف ما إذا كان هناك قبول لرجل الأعمال الشاب من النظام أم لا.
أبو هشيمة والاستثمار في مجال الرياضة
"عربي بوست" تواصلت مع إعلامي مصري مقرب من أبو هشيمة، فقال إن الكلام الرسمي الذي يصدر من المحيطين برجل الأعمال الشاب يشير إلى أنه يرغب في تحويل نشاطه من مجال الحديد إلى مجالات جديدة.
وأشار إلى أن السبب وراء ترويج الفكرة التي انتشرت مؤخراً في بعض وسائل الإعلام أن أبو هشيمة ينوي تحويل استثماراته إلى مجال كرة القدم، حيث يعتزم ترشيح نفسه رئيساً لاتحاد الكرة المصري في الانتخابات المقرر أن تجري في يناير/كانون الثاني المقبل، كما يدرس فكرة شراء نادٍ أو أكثر داخل وخارج مصر وإنشاء شركات لكرة القدم في الأندية التي يشتريها.
وذكر الإعلامي المقرب من أبو هشيمة أن هذا الكلام "ساذج"، لأن كل ملاك الأندية حول العالم لديهم مجالات استثمار أخرى غير الرياضة، سواء لتساعدهم في تمويل استثماراتهم الرياضية أو لتنويع محافظهم الاستثمارية.
لكن الحقيقة- والكلام لا يزال للإعلامي- أن أبو هشيمة غير مرضي عنه من بعض المسؤولين في الأجهزة السيادية التي تدير البلاد في السنوات الأخيرة، وهؤلاء كانوا وراء إجباره على التخلي عن ملكية مجموعة "إعلام المصريين" عام 2016، رغم أن مسؤولين في جهاز سيادي كانوا هم من أقنعوه سابقاً بتأسيس تلك المجموعة، لتكون نواة أعمالها شراء قنوات ON من مالكها السابق نجيب ساويرس.
بل إن الجهاز السيادي قام بدعم المجموعة بمبلغ نصف مليار جنيه في ذلك الوقت من عام 2014، وهو نصف رأسمال المجموعة التي تأسست وقتها بينما تكفل أبو هشيمة بالنصف الثاني.
وأضاف المصدر أن مسؤولي الجهاز السيادي أقدموا على تلك الخطوة بعدما نجح أبو هشيمة قبل ذلك الوقت بشهور قليلة في نيل استحسان الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه عندما قام بتمويل حملة إعلانية في نيويورك حملت عنوان "مصر الجديدة"، تزامناً مع وجود السيسي هناك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وساعدت تلك الحملة في تخفيف وقع مظاهرات الاحتجاج التي تم تنظيمها ضد الرئيس المصري بسبب دوره في إزاحة الراحل محمد مرسي الرئيس المنتخب بعد ثورة يناير 2011.
عدم رضا الأجهزة السيادية عن أبو هشيمة
في ذلك الوقت بدا أن النظام المصري منفتح على شراكة طويلة الأجل مع رجل الأعمال الشاب، خصوصاً بعدما ساعده الجهاز السيادي في الحصول على صفقتي استحواذ جديدتين لصالح مجموعة إعلام المصريين التي حصلت على اسمها من شركة الحديد التي يملكها، فاستحوذ على 51% من أسهم شركة "بريزنتيشن" مالكة حقوق دوري كرة القدم المصري، ثم استحوذ على 50% من أسهم شركة "مصر للسينما".
لكن شهر العسل لم يطل بين الجانبين، وفوجئ أبو هشيمة بعد أقل من عامين بمسؤولين آخرين في نفس الجهاز السيادي يطلبون منه بيع حصته في مجموعة "إعلام المصريين"، وتحويل ملكيتها إلى شركة "إيجل كابيتال" القابضة التابعة لجهاز المخابرات المصري، والتي كانت ترأس مجلس إدارتها آنذاك داليا خورشيد وزيرة الاقتصاد السابقة.
وأضاف المصدر أنه كون أبو هشيمة شخصاً يتسم بالذكاء الحاد في تعامله مع الأجهزة السيادية التي تدير العديد من الملفات في مصر، فإن غضبها منه لا يذهب إلى مدى بعيد يمكن أن يؤدي إلى الإطاحة به خارج المشهد نهائياً، خصوصاً مع "سخائه" الشديد مع مسؤولي تلك الأجهزة على غير عادته مع المقربين منه، على حد وصفه.
لهذا تم السماح له بالترشح لمجلس الشيوخ الحالي عن حزب "الشعب الجمهوري"، بل أسندت له رئاسة لجنة الشباب والرياضة في المجلس، كما طلب من وزير الرياضة المصري تعديل لائحة انتخابات اتحاد الكرة المصري، وحذف شرط ممارسة كرة القدم من شروط الترشح لعضوية أو رئاسة الاتحاد، من أجل السماح لأبو هشيمة بالترشح في تلك الانتخابات كما طلب، وكل ذلك حصل عليه أبو هشيمة من مسؤولين في الجهاز السيادي غير هؤلاء الغاضبين منه والذين يسعون للإطاحة به من سوق إنتاج الحديد عبر إجباره على بيع حصته في حديد المصريين إلى شركة حديد عز، التي يملكها رجل الأعمال أحمد عز، الذي طالته الاتهامات في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك.
تنافس عز وأبو هشيمة مجرد واجهة
لكن يظل السؤال عن سبب رغبة أبو هشيمة (إن صدق ذلك) في الخروج من سوق الحديد رغم نجاح شركة حديد المصريين في تحقيق مبيعات خلال عام 2020 بنحو 1.150 مليون طن، وملكية 4 مصانع لإنتاج حديد التسليح والبليت في بورسعيد والإسكندرية وبني سويف والعين السخنة، تنتج ما يقرب من 830 ألف طن سنوياً، تجعلها في المركز الرابع في سوق الحديد المصري خلف حديد عز وشركة السويس للصلب وحديد بشاي.
وإذا لم يكن الخروج من السوق برغبة أبو هشيمة، فلماذا تريد الدولة وأجهزتها السيادية إخراجه وتمكين أحمد عز صاحب السمعة السيئة في عهد مبارك.
مصدر أمني مطلع قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن ما يحدث أمام الناس مجرد مظاهر لا علاقة لها بما يحدث خلف الستار، مشبهاً الوضع في مصر حالياً بمسرح العرائس، حيث يرى المتفرِّجون فقط العرائس وهي تتحرك وتتكلم دون أن ينتبهوا إلى أنها لا تفعل أي شيء من تلقاء نفسها ولكن هناك من يحركها ويتكلم بلسانها، وهذا ما يحدث حالياً في سوق الحديد بين عز وأبو هشيمة.
وفسر المصدر كلامه بالقول إن ما يملكه من معلومات حتى الآن يؤكد أن جهازاً سيادياً طلب من أحمد عز شراء حصة أبو هشيمة في شركة حديد المصريين، لأن الأخير "مشاكله وقصصه كثيرة"، على حد وصف مسؤولي الجهاز السيادي، ربما في إشارة إلى علاقات أبو هشيمة المتعددة مع فنانات شهيرات سواء بالزواج أو الصداقة، بخلاف فضيحة الاتصال المسرب له وهو يتحدث بشكل غير لائق عن سيدات وفنانات.
وفي تفسيره لسر سماح الأجهزة السيادية بعودة أحمد عز إلى المشهد من جديد، رغم ارتباط اسمه بالعديد من المشاكل في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، واتهامه في العديد من القضايا وسجنه لفترة قبل الإفراج عنه، قال المصدر إن عز استطاع استيعاب فكر النظام الحالي بسرعة، لذلك لم يتأخر عقب الإفراج عنه في أغسطس/آب 2014 بكفالة مالية 100 مليون جنيه مصري، في اللعب على الوتر الذي يبهر السيسي وهو المال، فأعلن في العام التالي 2015، تبرعه بنصف ثروته لصندوق تحيا مصر الذي يشرف عليه السيسى بنفسه، ولا يعلم عن تفاصيله سوى عدد محدود جداً من المقربين من الرئيس.
أحمد عز كسب ثقة السيسي وأجهزته السيادية
وأضاف المصدر أنه بعد ذلك، تم السماح لعز بالعودة إلى شركته التي يملك 60.7% من أسهمها حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بينما يمتلك بنك "أوف نيويورك" 5.8%، ويملك جمال الجارحي صاحب شركة "عتاقة للصلب" 5.1%، بينما تعود باقي الملكية للتداول الحر في البورصة.
لكن عودة عز لشركته جاء من دون السماح له بالترشح في انتخابات البرلمان التي أجريت عام 2015، وتم إبلاغه بشكل واضح بعدم العودة إلى السياسة إذا "يريد أن يأكل خبزاً مع النظام الحالي"، وأن يوقف كذلك تحركاته واجتماعاته التي سبقت انتخابات 2015 البرلمانية مع قيادات الحزب الوطني المنحل في مختلف المحافظات المصرية من أجل تأسيس حزب جديد يخوض تلك الانتخابات على أمل استعادة مجد الحزب الوطني القديم.
وبهدوء شديد تمكَّن عز من استعادة ثقة النظام وأجهزته السيادية من خلال أمرين، أولهما التبرع المتكرر لكل المشروعات والصناديق التي يطلقها السيسي، وآخرها مبادرة حياة كريمة.
والأمر الثاني كان ذكاءه في توفير ما يبحث عنه النظام، إذ ساعد الحكومة في تمويل استيراد اللقاحات، والأهم من ذلك إنتاج أسطوانات الأوكسجين للمستشفيات في ذروة أزمة تلك الأسطوانات، وذلك بفضل توجه شركة حديد عز في بداية انتشار كورونا تقريباً إلى إنتاج الحديد المسطح والحديد المختزل اللذين يدخلان في العديد من الصناعات الحيوية ومنها أسطوانات الأوكسجين.
هنا أصبحت حديد عز اللاعب الأبرز في ذلك المجال بالسوق المحلية، وهذا تفكير يحسب لعز خصوصاً أن منافسيه لم يفكروا في تنويع إنتاجهم من الحديد واكتفوا بالحديد الصلب.
وجاءت ذروة التقارب بين عز ونظام السيسي- بحسب المصدر- في يوليو/تموز 2021، حين تم توجيه دعوة له لحضور احتفال تدشين مبادرة حياة كريمة في استاد القاهرة الدولي، ليظهر جنباً إلى جنب مع السيسي، وهو الظهور العام الأول لرجل الأعمال المقرب من جمال مبارك، منذ خروجه من السجن بكفالة قبل 7 سنوات.
جدير بالذكر أن صفقة استحواذ حديد عز على نسبة أحمد أبو هشيمة في حديد المصريين التي تبلغ 18%، والتي أثارت الكثير من الجدل قد أعلن عنها في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وسط توقعات متباينة بصعوبة إتمامها. فقد تعجب كثيرون من خروج أبو هشيمة من سوق الحديد في وقت تتصاعد فيه أهمية الاستثمار في صناعة الحديد في مصر، حيث تبني الدولة حالياً نحو 22 مدينة جديدة، مع مستهدف لبناء 45 أخرى؛ الأمر الذي يخلق طلباً كبيراً على حديد التسليح بجميع أصنافه وأحجامه.
وكانت شركة حديد عز قد أصدرت بياناً لم تنفِ فيه أو تؤكد نبأ الاستحواذ، فقالت إن لديها استراتيجية تقوم على السعي الدائم للنمو كسبيل أساس للاستمرار في المنافسة محلياً ودولياً، ودرء مخاطر الانكماش والتقزم وإضافة طاقات جديدة باستمرار من خلال الاستثمار الذاتي بمشروعاتها أو الاستثمار في شركات قائمة.
صعوبات إتمام الصفقة
لكن محللين أشاروا إلى أن "حديد عز" لن تستطيع القيام بعملية الاستحواذ إلا من خلال القيام بعملية مبادلة للأسهم، أو الحصول على قرض جديد، وهو خيار سيزيد عبء الديون على كاهلها، علماً بأن صافي محفظة ديون "حديد عز" المجمعة نحو 34.479 مليار جنيه، وفقاً لقائمة المركز المالي للشركة في سبتمبر/أيلول الماضي.
وأشار المحللون إلى أن حجم الديون لدى "حديد عز" يعد من بين الأعلى بين الشركات المقيدة في البورصة المصرية، وهو ما يعني صعوبة استيعابها ديوناً أكثر من ذلك، حيث يعد البنك الأهلي المصري والبنك العربي الإفريقي وبنك مصر وبنك قطر الوطني الأهلي من أكبر البنوك الدائنة لحديد عز، وتوقعوا أن تلجأ الشركة إلى سوق المال لطرح أسهم جديدة لقدامى المساهمين، إذا كانت قيمة الصفقة كبيرة.
لكن مصادر داخل البورصة المصرية كشفت أن إتمام عملية الاستحواذ سيكون يوم الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني، مرجعة التأخر في الإعلان عن الصفقة إلى أن المفاوضات استغرقت وقتاً أطول بسبب الخلاف حول تقييم الحصة بين 1.2 مليار جنيه و1.5 مليار جنيه، لكن خلصت في النهاية إلى القيمة الأخيرة، على أن تسدد في صورة نقدية دون أي مبادلة للأسهم.