يتنافس كل من الرئيس التركي المنتهية مدة ولايته، رجب طيب أردوغان، والمرشح الرئاسي كليجدار أوغلو، للحصول على أكثر من نصف الأصوات في السباق الرئاسي لتجنب جولة إعادة غير مسبوقة.
وفي حين أن استطلاعات الرأي كانت تاريخياً غير منتظمة أو حاسمة للاعتماد على نتائجها، إلا أن محللين يشيرون إلى أن هذه بالفعل هي أصعب منافسة لأردوغان ومنافسه على الإطلاق، وذلك لعدة أسباب.
منافسة شرسة وتوقعات غير حاسمة
تأتي الانتخابات في وقت تكافح فيه العديد من العائلات التركية التضخم الحاد وغير المسبوق الذي تشهده البلاد، في حين تتزايد الانتقادات بشأن موقف الحكومة من حريات الرأي والتعبير.
وبعد أن وحّد كليجدار أوغلو 6 أحزاب ذات أيديولوجيات مختلفة لشن حملة ضد أردوغان، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الرجلين سيكافحان للحصول على 50% من الأصوات؛ لأن العديد من المرشحين الآخرين يتنافسون أيضاً على الرئاسة.
وبالتالي فإن هناك العديد من العوامل التي ستلعب دوراً في حسم المعادلة، وعلى رأسها المدن "المتأرجحة"، إضافة لما بات يُعرف بـ"خزّانات الأصوات الانتخابية" التي من شأن نتائجها أن تؤثر بشكل جذري في كشف من سيكون الرئيس المقبل للجمهورية التركية.
أما إذا لم يحصل أي مرشح على نصف الأصوات بنهاية الجولة الأولى، فسيتم إجراء جولة الإعادة في 28 مايو/أيار الجاري. وستكون هذه هي المرة الأولى التي تذهب فيها تركيا إلى جولة ثانية منذ عام 2017.
مدينة مرسين التركية
في انتخابات 2018، حصل أردوغان والمرشح الرئاسي السابق محرم إنجه على الحصة نفسها تقريباً من الأصوات في مقاطعة مرسين الواسعة، ما يسلط الضوء على أهمية المنطقة في الانتخابات الجارية.
وقد شهدت مدينة مرسين الساحلية سباقاً محتدماً بين المرشحين المتنافسين من أجل كسب أصوات الناخبين فيها، لكونها من المناطق المتأرجحة نسبياً التي تضم أعداداً ضخمة من المصوّتين، خاصة بعدما أصبحت ملاذاً لمنكوبي الزلزال المدمّر الأخير الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير/شباط 2023.
وكغيرها من المدن الساحلية، تضم مرسين نسبة كبيرة من المعارضة التركية، على الرغم من أنها في انتخابات الرئاسة في 2018، صوتت بنسب تكاد تتطابق لأردوغان وإنجه، بإجمالي 37.9% و37.4% بالترتيب، ما يشير إلى أن نتيجة التصويت فيها قد تكون حاسمة في ترجيح كفة الرئيس التركي القادم.
إزمير.. معقل المعارضة التركية
مقاطعة إزمير في بحر إيجه، ثالث أكبر مدينة في تركيا لطالما كانت تُعد معقلاً للمعارضة التركية وحزب الشعب الجمهوري، بعد أن صوتت باستمرار للحزب لأكثر من عقد من الزمان.
في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية 2018 الماضية، اجتذب مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة بعضاً من أكبر الحشود في تاريخ الحزب، وحصل على 54% من الأصوات، يليه أردوغان الذي حصل على 32.9% آنذاك.
إلا أن اللقاء الجماهيري الذي نظمه الرئيس رجب طيب أردوغان في مدينة إزمير، ضمن جولاته الانتخابية مؤخراً، جدد تكهنات حول مدى إمكانية تحقيق تقدم لصالح الحكومة الحالية في هذه الولاية المعارضة من عدد المصوتين الضخم في المدينة البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين و444 ألف، بحسب صحيفة يني شفق التركية.
إسطنبول
إسطنبول هي أكبر مدينة في الجمهورية التركية، إذ يبلغ عدد سكانها أكثر من 15 مليون نسمة، وقد انقسم حزب العدالة والتنمية إلى 3 دوائر انتخابية في انتخابات رئاسة 2018 الماضية، وحصل على أكبر عدد من الأصوات في كل منها.
وعلى الرغم من أن رجب طيب أردوغان من حزب العدالة والتنمية هو المرشح الرئاسي الأكثر شعبية بحصوله على 50% من الأصوات، بينما احتل محرم إنجه من حزب الشعب الجمهوري المرتبة الثانية بنسبة 36.9% من الأصوات، إلا أن حزب العدالة خسر خلال انتخابات البلديات عام 2019 لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض، بعد 25 عاماً من فوز المحافظين بالمدينة.
وتتحدث تقارير تركية عن فشل المعارضة بإدارة ولاية إسطنبول خلال السنوات الـ4 الماضية، ما قد يحدّ من فرصها الحالية في تحقيق أي حسم على الأرض.
وبحسب بيانات المجلس الأعلى للانتخابات (YSK)، فإن عدد الناخبين في إسطنبول يصل إلى أكثر من 11 مليون شخص، ويمثلون 17% من العدد الكلي للناخبين الأتراك البالغ عددهم 64.1 مليون ناخب إجمالاً.
المدن المتأثرة بالزلزال المدّمر
ضرب الزلزال المدمر، في فبراير/شباط الماضي، 10 مدن تركية بشكل كلي أو جزئي، ما تسبب في فقدان عدد كبير من السكان لأوراقهم الثبوتية، إلى جانب اضطرارهم لتغيير عناوين سكنهم، الأمر الذي يزيد من مصاعب إدلائهم بأصواتهم.
إذ يمنع قانون الانتخابات التركية كل ناخب قام بتغيير عنوانه، قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، من التصويت في مكان إقامته الجديد، وبالتالي قد يجد المتضررون من الزلزال، والذين يقدرون بالملايين، مصاعب في المشاركة من الأساس.
على سبيل المثال، في مدينة أنطاكيا التي ضربها الزلزال، عاصمة مقاطعة هاتاي الجنوبية، أعداد ضخمة من المتضررين من الكارثة، ما يؤثر على حساب قيمتها الانتخابية في حصد الأصوات.
فمع ما يقرب من سدس الناخبين الذين يعيشون في منطقة الزلزال، وفقاً لتحليل فايننشال تايمز للبيانات الرسمية، نزح عدد كبير من منازلهم، بأعداد بلغت حوالي 3 ملايين وفقاً للتصريحات الحكومية، بينما لا يزال بعضهم بعيدين عن المواقع التي سجلوا فيها لدى السلطات الانتخابية.
ويوجد معظم هؤلاء الأشخاص في مدن من الحاويات أو مهاجع مؤقتة، ولديهم تفويض خاص للتصويت في المكان الذي يعيشون فيه الآن، لكن مع ما يقرب من مليون شخص ما زالوا من الناحية النظرية بحاجة إلى العودة إلى أماكنهم الأصلية؛ فإن هناك شريحة كبيرة من الناخبين في المنطقة لا تزال أصواتهم غير محسومة.
وقد سلط المراقبون، وفقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز"، الضوء على احتمال حرمان الناس من أصواتهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وفي تقرير لها، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير لها، إن السفر لمدن معينة للتصويت من شأنه أن يكون تحدياً لملايين الأتراك الذين نزحوا بسبب "أسوأ كارثة طبيعية تضرب المنطقة منذ قرن".
وبحسب التقرير، الذي نشرته الصحيفة في 5 مايو/أيار الجاري، فإن "ضحايا زلزال تركيا قد يحسمون الانتخابات المقبلة".