بدأت اليوم الأحد 23 فبراير/شباط 2025، في الساعة الثامنة صباحاً، الانتخابات البرلمانية الألمانية المبكرة، والتي سيتم بموجبها اختيار أعضاء البرلمان والمستشار الجديد، الذي سيختار بدوره أعضاء الحكومة الجديدة.
وستُفرز الانتخابات الألمانية المبكرة 630 مقعداً في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) الجديد، يتنافس عليها 4506 مرشحين من 29 حزباً، ويشارك فيها 60 مليون ناخب من أصل 84 مليون نسمة في عموم ألمانيا الاتحادية.
وتُجرى الانتخابات الألمانية المبكرة بسبب انهيار ما سُمي بحكومة "إشارة الضوء"، التي نتجت عن انتخابات 2021، حيث تحالف فيها حزب المستشار الحالي مع حزبي الديمقراطي الحر (الليبرالي) والخضر.
صعود اليمين
لعل من أبرز المخاوف التي يعيشها العرب والمسلمون في ألمانيا هو نهاية اليوم الأحد، مع تحقيق اليمين المتطرف واليمين الوسط نتائج متقدمة، وهو ما ينذر بالخطر على ألمانيا في الداخل وعلى باقي أوروبا.
وكشفت استطلاعات الرأي عن تقدم أحزاب اليمين المتطرف بشكل ملحوظ، مقابل تراجع الأحزاب الأخرى التي لم تستطع تخطي نسبة 5% من الأصوات، وهي نسبة الحسم المطلوبة.
وتقول استطلاعات الرأي إن حزب الديمقراطيين المسيحيين يتقدم على حساب تراجع يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي)، الذي يتزعمه المستشار الحالي شولتز.
وحسب النتائج الأولية التي ظهرت حتى عصر الأحد 23 فبراير/شباط 2025، فإن الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، وهو حزب يميني وسط، محافظ، يتصدّر الانتخابات بحصوله على حوالي 29.5% من الأصوات، متفوقاً على نتائجه في الانتخابات السابقة.
ورغم أن المستشارة الألمانية الأسبق أنغيلا ميركل، التي كانت تتزعم حزب الاتحاد الديمقراطي، تعاملت مع أزمة المهاجرين عام 2015 بحكمة، واستقبلت ألمانيا في عهدها أكبر عدد من اللاجئين، إلا أن الحزب اليوم بات يدعم سياسات أكثر تقييداً بشأن الهجرة.
وفي حالة فوز الاتحاد الديمقراطي المسيحي، من المتوقع أن يتخذ الحزب سياسات أكثر تشدداً فيما يتعلق باستقبال اللاجئين والمهاجرين من دول غير أوروبية، وقد يركز على تعزيز عمليات الفحص والتدقيق للتأكد من توافق المهاجرين مع المعايير الألمانية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق في بعض الأوساط من أن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى تشديد الرقابة على المهاجرين المسلمين وتضييق الفرص أمامهم للاندماج، لا سيما في ظل مخاوف الحزب من تأثيرات التطرف الديني.
وخلال فترة أنغيلا ميركل، كانت هناك محاولات لدمج المسلمين في المجتمع الألماني من خلال برامج تعليمية واجتماعية، ولكن هناك أيضاً قوى داخل الحزب تعارض إدماج الإسلام في الهوية الوطنية الألمانية، الأمر الذي يثير مخاوف العرب والمسلمين في ألمانيا.
وقال فريدريش ميرتس، الرئيس الحالي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إنه من الضروري ضبط الهجرة بشكل أكبر في ألمانيا، ووضع شروط واضحة للمهاجرين للحصول على إقامة دائمة في البلاد، أبرزها الالتزام التام بالأسس التي تقوم عليها دولة ألمانيا.
ومن بين تصريحاته المثيرة للجدل كان قوله إن المهاجرين المسلمين يجب أن يتكيفوا مع القيم الألمانية، بدلاً من أن يُسمح لهم بتشكيل مجتمعات موازية، وهو تصريح فجّر ردود فعل متنوعة بين مؤيدين ومعارضين.
الصراع على المستشارية
أما داخلياً، فيتنافس على منصب المستشار كل من المستشار الحالي، أولاف شولتز، من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، ومرشح يمين الوسط في تحالف "الديمقراطي المسيحي" (بين الاتحادين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي)، فريدريش ميرتس.
وحسب النتائج التي تم إعلانها حتى عصر الأحد، فقد تصدّر حزب فريدريش ميرتس نتائج الانتخابات غير النهائية، في حين حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) تقدماً ملحوظاً بحصوله على حوالي 20% من الأصوات، مما يجعله ثاني أكبر حزب في البرلمان، بينما تراجع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) إلى المرتبة الثالثة.
وليس المسلمون والعرب فقط هم من يواجهون "خطر" اليمين الألماني، بل حتى الألمان، وخصوصاً الشباب، بدأوا في صدّ تمدد الأحزاب اليمينية عبر تأسيس أحزاب يسارية جديدة، أبرزها الحزب اليساري "دي لينكه"، الذي تأسس سنة 2007.
واستطاع حزب "دي لينكه" أن يستقطب عدداً كبيراً من المنخرطين، خصوصاً الشباب منهم، وارتفعت شعبيته، حيث تراوحت نسبة التأييد بين 6% و7%، بعد أن كانت حوالي 4% في يناير/كانون الثاني 2025، حسب استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة "يوغوف".
دعم إدارة ترامب لليمين الألماني
طغت على الحملة الانتخابية في ألمانيا مظاهر تضامن قوي غير معتاد لحزب البديل، من جانب أعضاء في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثل نائبه جيه. دي. فانس والملياردير إيلون ماسك.
وقبل فتح مراكز الاقتراع بقليل، أعلن ماسك مجدداً تأييده لحزب البديل من أجل ألمانيا، ونشر مقطع فيديو لزعيم الحزب بيورن هوكه، وهو يلقي كلمة قال فيها: "ألمانيا بلدنا، أرضنا، أمتنا… فلنسترد بلدنا!". وتم تغريم هوكه مرتين لاستخدامه شعاراً يعود إلى الحقبة النازية، ويُعتبر متطرفاً للغاية لدرجة أن محكمة قالت إنه يمكن وصفه بالفاشي.
وقالت لودميلا بالهورن (76 عاماً)، وهي محاسبة متقاعدة في برلين تعتزم التصويت لحزب البديل من أجل ألمانيا: "أشعر بخيبة أمل شديدة حيال السياسة، لذا ربما يكون (حزب) البديل أفضل"، مضيفة أنها تكافح ليكفيها معاشها التقاعدي، الذي يبلغ 800 يورو.
لكن من غير المرجح أن يحكم حزب البديل في الوقت الحالي، إذ استبعدت جميع الأحزاب الرئيسية العمل معه.
وقال الموظف الحكومي مايك تسيلر (26 عاماً): "سيصوت الكثير من أصدقائي على الأرجح للمحافظين، لأن هذه الحكومة لم تعمل بشكل جيد، والموقف الدولي لميرتس جيد للغاية". وأضاف: "آمل فقط أن يتفق عدد كافٍ من الأحزاب على تشكيل حكومة، حتى يتمكنوا من استبعاد حزب البديل من أجل ألمانيا".