يواجه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مهمة خارجية قد تكون كما وصفها أحد المحللين بـ"المهمة المستحيلة"؛ وهي المساعدة في تسليح إسرائيل قبل هجوم متوقع على غزة، مع حثها على ضبط النفس، وإقناع حلفائها الخليجيين بكبح "الحركات الإسلامية"، التي سترد حتماً بغضب، بحسب ما أفادت صحيفة The Financial Times البريطانية.
حيث قال ديفيد ماكوفسكي، خبير شؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "تبدو الأوضاع على مستوى معين وكأنها مهمة مستحيلة".
كانت الأهداف المتداخلة -وربما المتضاربة- لمهمة بلينكن واضحة تماماً خلال محطته الأولى، الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول، في تل أبيب، حيث أعطى تأييداً كاملاً لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها رغم تحذيره رئيس وزراء إسرائيل، في الوقت نفسه، بالتصرف وفق قوانين الحرب.
وقال بلينكن في مؤتمر صحفي، وهو يقف بجوار بنيامين نتنياهو: "الطريقة التي ستتعامل بها إسرائيل مهمة؛ لهذا من المهم جداً اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتجنب إيذاء المدنيين".
انتقادات حقوقية لحصار غزة
إنَّ نجاح هذا الجهد صار موضع تساؤل بالفعل، إذ انتقدت جماعات حقوق الإنسان قرار نتنياهو بقطع إمدادات الغذاء والمياه والكهرباء عن قطاع غزة المكتظ بالسكان، وهي خطوة وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها "حصار غير قانوني"، إذ توقفت محطة الكهرباء الوحيدة في غزة عن العمل بعد نفاد الوقود، يوم الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول.
وحاولت الولايات المتحدة أيضاً إقناع إسرائيل ومصر بتوفير ممر إنساني للمدنيين لمغادرة غزة عبر مصر، وهو ما قال محللون إنه قد يساعد في مواجهة وجهات النظر السلبية تجاه إسرائيل مع استمرار حملتها، لكن حتى الآن قوبلت هذه الجهود بالمقاومة.
وعلى الرغم من صعوبة مهمة بلينكن في إسرائيل، إلا أنها قد تزداد صعوبة، الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول، عندما يبدأ جولة مع حلفاء الولايات المتحدة العرب، بما في ذلك الأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
ومهّد الرئيس جو بايدن الطريق في هذه البلدان، التي كان على اتصال هاتفي مع قادتها العرب لعدة أيام ويعمل مع الحلفاء الإقليميين، على أمل منع امتداد الصراع عبر الحدود.
لكن هذا قد يكون شبه مستحيل بالنسبة للحلفاء العرب، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي أصرت منذ أشهر على أنها لم تتخلَّ عن القضية الفلسطينية حتى مع اقترابها من إسرائيل لمواجهة عدوهم المشترك، إيران.
تاريخياً، كانت المملكة العربية السعودية واحدة من أهم الداعمين الماليين للسلطة الفلسطينية، لكن ليست لها صلات بحركة حماس، التي تعتبرها فصيلاً متحالفاً مع إيران. وتشعر المملكة بقلق عميق بشأن اندلاع صراع أوسع نطاقاً، وفق الصحيفة.
"جزّ العشب"
وقبل هجوم يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، على جنوب إسرائيل، أظهرت إدارة بايدن مقاومة محدودة في دعم جهود نتنياهو لمواجهة الهجمات الفلسطينية بالقوة العسكرية.
وخلال الصراع الأخير بين إسرائيل وحماس في عام 2021، حثّ الرئيس وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين نتنياهو على إنهاء الصراع بعد أكثر من أسبوع بقليل.
لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنَّ الظروف المحيطة بهجوم حماس مختلفة هذه المرة، ويستعد البيت الأبيض لدعم إسرائيل في حرب طويلة تشهد توجيه ضربة حاسمة للحركة، على عكس النهج الذي اتبعته في السنوات الأخيرة والذي يُلقِّبه المسؤولون الإسرائيليون بـ"جزّ العشب".
وقال ويليام ويشسلر، مدير مركز رفيق الحريري التابع للمجلس الأطلسي، إنَّ القادة العرب سيُظهِرون المزيد من الصبر أمام رد إسرائيل على حماس بسبب الطبيعة الشنيعة للفظائع، لكنه حذر من أنَّ الحلفاء الخليجيين سيواجهون صعوبة في الاستجابة لمناشدات الولايات المتحدة لضبط النفس، مع استمرار الحرب.
أضاف ويشسلر: "سوف تتضاءل قدرتهم على ضبط النفس بمرور الوقت مع ظهور صور ومقاطع فيديو لمعاناة الأبرياء".
توسيع دائرة الصراع
ويشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق، تحديداً إزاء محاولات إيران الاستفادة من الصراع، إما عن طريق دعم فتح جبهة ثانية في إسرائيل من خلال إطلاق العنان للجماعات الشيعية المسلحة؛ مثل حزب الله في لبنان، أو استخدام وكلائها لمهاجمة عرب الخليج.
وسعى بايدن إلى طمأنة خصوم إيران من العرب بإرسال مجموعتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة، قائلاً إنَّ الهدف منهما هو إرسال رسالة واضحة إلى الإيرانيين: "احذروا".
وقد أبدت طهران حتى الآن علامات ضبط النفس، فيما قال مسؤولون أمريكيون إنه لا توجد مؤشرات على تورط إيران تورطاً مباشراً في هجوم حماس، السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، وإنَّ حزب الله لم يدخل المعركة جدياً بعد.
كما أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتصالاً هاتفياً نادراً مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول.
وأثناء وجود بلينكن في إسرائيل، كان نظيره الإيراني وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في بيروت؛ حيث حذّر من أنَّ الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين ستلقى رداً من "بقية المحاور، وسيكون الكيان الصهيوني" هو المسؤول.