أكد خبيران اقتصاديان تحدّث معهما "عربي بوست"، أن رفع الفائدة في أمريكا، إلى جانب سوء الإدارة في البنوك الثلاثة أسهم بشكل مباشر في إعلان إفلاسها، موضحَين أسباب ذلك، إلى جانب عوامل تُسهم بعدم تكرار الأزمة مجدداً داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
ليس أمراً مخفياً أن الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة قد أسهمت، خلال العام الماضي 2022، في إضعاف البنوك وتباطؤ النشاط الاقتصادي، رغم أنها جاءت بهدف كبح التضخم، وذلك بحسب ما أكدته الوكالات الاقتصادية العالمية، في مقدمتها "رويترز".
بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية الأمريكية، منذ إعلان إفلاس البنوك الثلاثة، فإن الأحداث الأخيرة تقنع مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإبطاء الإيقاع برفع أسعار الفائدة، في اجتماعهم المقبل، في 21 و22 مارس/آذار 2023، ما يُلقي الضوء على علاقة الفوائد بأزمة الإفلاس التي حصلت منذ مساء الأحد، 12 مارس/آذار 2023.
من جهته، أوضح الأستاذ في العلوم المالية والمصرفية، فراس شعبو، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن رفع الفائدة مرتبط بأسباب مهمة أدت إلى إفلاس البنوك الثلاثة، التي قامت باستثمار أموال المودعين بسندات طويلة الأمد، التي لديها علاقة عكسية مع رفع الفوائد.
عن تأثير رفع أسعار الفائدة تحديداً، ربطه شعبو بسوء الإدارة للسيولة النقدية ولعمليات الإقراض، وعدم القدرة على التعامل مع السحب، والدخول في الاستثمارات طويلة الأجل.
للتوضيح أكثر بهذا الخصوص قال إن البنوك الثلاثة قامت بشراء سندات عقارية وسندات دولارية وسندات تجزئة من أموال المودعين، وجميعها طويلة الأمد، في الوقت ذاته تقوم بإعطاء قروض دون الأخذ بالحسبان احتمالية رفع الفائدة.
هنا حدثت المشكلة، بحسب شعبو، فالبنوك كانت تأخذ الودائع وتعطي قروضاً دون الانتباه إلى وجود فجوة بينهما فيما يتعلق بآجال الاستحقاق، فإذا كانت آجال استحقاق الودائع أسرع من آجال استحقاق القروض يقع البنك بمشكلة كبيرة عند رفع الفائدة، حيث سيكون عائد القروض والسندات بناءً على سعر الفائدة وقت منحها، ما يُسبب خسائر للبنك.
ملخص ذلك أن استحقاق آجال القروض بشكل أسرع من استحقاق آجال الودائع تسبَّب في خسائر للبنوك الثلاثة، وسط رفع أسعار الفائدة، لا سيما بنك "سيليكون فالي".
صدمة ستنتهي و"لن تتكرر"
لذلك ذهب الخبير المصرفي إلى أن البنوك في أمريكا، وكذلك حول العالم، ستقوم بأخذ احتياطاتها لعدم تكرار ما حصل، بحيث ستقوم بمواءمة آجال استحقاق الودائع مع آجال استحقاق القروض.
وأكد أن التأثير الذي حصل عالمياً سببه مرتبط بمدى الثقة في القطاع المصرفي، الذي هوى حينها بعد إفلاس البنوك الثلاثة، ولكن بشكل محدود، إلا أنه قال: "في النهاية فإن اقتصاد أمريكا قوي، لا يمكن أن يتزعزع بإفلاس بنكين أو ثلاثة".
حول تداعيات ذلك على العالم بشكل عام، والدول العربية خصوصاً، قال إنه سيكون بشكل محدود، ويمكن معالجته، فالاقتصاد الأمريكي ليس بوضع سيئ، بل إن المؤشرات إيجابية مؤخراً.
وشدد كذلك على أن "العالم ليس أمام أزمة كما نتخيل، بل ما حصل مشكلة متعلقة بهذه المصارف، وليست مشكلة على الاقتصاد الأمريكي ككل، بل نتيجة سوء إدارة، أدى إلى صدمة وذعر تسبَّبا في خسائر لن تدوم، فجميع المصارف ستأخذ احتياطها لعدم تكرار الأمر مجدداً".
من جانبه، استبعد أيضاً الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، وجود تداعيات مباشرة على الدول العربية، ويعود ذلك لطبيعة الأسباب وراء إعلان البنوك الثلاثة إفلاسها.
بهذا الصدد أوضح لـ"عربي بوست"، أن "البنكين اللذين أفلسا قبل سيليكون فالي (سيغنتشر بنك، وسيلفرغيت كابيتال بنك)، هما بنكان صغيران، وسبب إفلاسهما مرتبط بالخسائر في سوق العملات المشفرة".
وأكد إسماعيل أن البنوك العربية غير مرتبطة بالعملات المشفرة، ولا مخاطر عليها من الانهيارات المتكررة لسوق العملة الرقمية، كما أنها غير مرتبطة بالقطاع التكنولوجي على عكس بنك "سيليكون فالي".
الفائدة وبنك سيليكون فالي
اتفق إسماعيل في تصريحاته مع ما ذهب إليه شعبو، مؤكداً أن السندات طويلة الأمد تشهد تنافساً مع مؤسسات تدفع فائدة على الودائع، لذلك فإنه في ظل رفع أسعار الفائدة بهدف مكافحة التضخم في الولايات المتحدة، تسبَّب ذلك بشكل غير مباشر في التأثير على السندات طويلة الأمد بتخفيض قيمتها.
وخصّ بذلك ما حصل مع بنك "سيليكون فالي"، الذي قال إنه استخدم 91 مليار دولار من أموال المودعين في استثمار السندات طويلة الأمد وقروض الرهن العقاري، ليجد نفسه أمام أزمة كبيرة بعد ارتفاع أسعار الفائدة.
خسر بنك "سيليكون فالي" إثر ذلك 15 مليار دولار، ما أدى إلى إحداث ضجة كبيرة، قام على إثرها بطرح أسهم جديدة بالسوق، بهدف جني 2.5 مليار دولار، ما سبَّب ذعرا لدى المودعين الذين انتبهوا إلى أن هناك مشكلة عميقة تحدث في البنك، ما دفعهم إلى سحب جماعي لودائعهم.
حالة واسعة من الذعر انتشرت في القطاع المصرفي، أدت إلى سقوط أسهم الشركات والبنوك، لكن أكبر خسارة كانت من نصيب "سيليكون فالي"، حيث خسر 60% من قيمته السوقية.
كرة الثلج تدحرجت، وبدأت الأزمة الحالية تتضح أكثر مع إفلاس بنك "سيليكون فالي"، إلا أن السلطات الأمريكية قامت بإيقاف النزيف، وتم ترتيب خطة إنقاذية، بحسب إسماعيل.
خطة إنقاذ
بدأت الخطة الإنقاذية التي تحدث عنها الخبير الاقتصادي، بأن قامت سلطات التنظيم المصرفي في أمريكا بالاستيلاء على الأصول والقروض للبنوك الثلاثة وعرضها للاستحواذ، بالتالي بات إفلاس هذه البنوك لا يعني أن أموال المودعين قد ذهبت، بل سيتم تنظيمها.
إلى جانب ذلك، تعتمد السلطات المصرفية تشريعات وقوانين وأنظمة لسلامة النظام المصرفي، تحول دون تكرار ما حصل، من بينها رفع عتبة القاعدة المالية للمصارف لتقليل خطورة الإفلاس.
يضاف إلى ذلك فتح الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خطاً جديداً للبنوك، التي تعاني من السيولة، وسمَّته (برنامج التمويل البنكي)، الذي يسمح للبنوك بالاقتراض المباشر من البنك الفيدرالي المركزي الأمريكي لتجنب خسائر في بيع الأصول مثل السندات.
الأمر ذاته بالنسبة لشعبو، الذي قال إن الفيدرالي الأمريكي قدم للسوق والمستثمرين تطمينات مناسبة، وتم الإعلان عن الاستحواذ على بنك "سيليكون فالي" من "إتش.إس.بي.سي"، أكبر بنك في أوروبا، وجرى استدراك ما حصل من أزمة بشكل ممنهج.
التطمينات التي صدرت تتلخص بحماية أموال المودعين في هذه البنوك، وإعادة هيكلة ديونها، والبدء بإعادة استثماراتها من جديد، بعد عمليات الاستحواذ.
أقر شعبو بوجود تأثير وصفه بالطفيف، على البورصة في أمريكا، بعد إعلان إفلاس بنك "سيليكون فالي"، لكنه أكد أن الأمور عادت إلى وضعها الطبيعي.
يعكس ذلك انتعاش الأسهم الأمريكية الثلاثاء 14 مارس/ آذار 2023، إذ هدّأت التوقعات بشأن معدل رفع سعر الفائدة في اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) الأسبوع المقبل بفضل بيانات تضخم جاءت وفق التكهنات إلى حد كبير، وانحسار التوتر بشأن توالي الأزمات في القطاع المصرفي، بحسب وكالة "رويترز".
وأغلقت جميع مؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسية الثلاثة على ارتفاع، إذ صعد المؤشران "ستاندرد آند بورز 500″ و"داو جونز الصناعي" بأكثر من 1%. فيما صعد المؤشر "ناسداك المجمع" بأكثر من 2% بعد اضطراب لجلسات عدة بفعل تداعيات انهيار بنك "سيليكون فالي".
كذلك هدأت المخاوف من توالي الأزمات في القطاع المصرفي، مع تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن وصناع القرار على مستوى العالم باحتواء الأزمة.
لكن الذعر في القطاع المصرفي زاد من احتمالات قيام الاحتياطي الاتحادي بفرض زيادة متواضعة، بمقدار 25 نقطة أساس على سعر الفائدة الرئيسي، في ختام اجتماع السياسة، الذي يبدأ في 22 مارس/آذار ويستمر ليومين.