زادت صادرات تركيا من الفحم بنسب ملحوظة في الشهور الأخيرة، مصحوبة بحالة من "الارتباك" في قطاع كان قد أوشك على التلاشي في تركيا، إثر ارتفاع الإقبال الأوروبي على شراء كميات كبيرة من الفحم من الخارج، بعدما حظر استيراد النفط والفحم الروسيين على حد سواء، بحسب موقع Middle East Eye البريطاني.
إذ زادت صادرات الفحم في تركيا نحو 7 مرات في شهر مايو/أيار الماضي، بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي حظره على استيراد الفحم الروسي، وزادت نحو 12 مرة في أغسطس/آب، بعد أن قطعت روسيا صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط "نورد ستريم 1".
جاءت هذه الزيادة في مبيعات الفحم، وتأثيراتها غير المباشرة، فأحدثت اضطراباً في قطاع كان قد أوشك على التلاشي في تركيا، ما أدى إلى حدوث أزمة بين الطلب المتزايد والعرض المنكمش.
في السياق، قال إرهان ألتاي، من قسم المبيعات بشركة الفحم التركية المملوكة للدولة، إن إنتاج الشركة كان يتقلص خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد "استنفدنا جميع مخزوناتنا".
وبدأت تركيا تواجه مشكلة في تلبية الطلب المتزايد على الفحم، فعلى الرغم من انخفاض إنتاج الفحم خلال السنوات الماضية، فإنه أصبح منذ عام 2018 مصدر الطاقة الرئيسي في البلاد، وهو المصدر الذي يُعتمد عليه في توليد أكثر من ثلث إجمالي احتياجات البلاد من الكهرباء، بعد أن كانت نسبة الاعتماد عليه نحو 23% قبل عقد من الزمن.
سد الفجوة
وتحكمت تركيا في هذه الزيادة بالاستعاضة عن الفحم المحلي باستيراد الفحم النظيف، الذي يحترق عند درجات حرارة أعلى، وتُستخرج منه كميات أكبر من الطاقة. لكن الطلب الأوروبي المتزايد تسبب في مضاعفة أسعار الفحم، وأخرج البلدان ذات الدخل المنخفض من المنافسة في سوق الشراء.
لكن تركيا تكبدت انخفاضاً سريعاً في قيمة العملة المحلية هذا العام، ومن ثم فقد أصبح الفحم المستورد خياراً غير وارد ضمن خيارات الطاقة الرخيصة، والفحم المتوافر محلياً أصبح أكثر تكلفة.
بدوره، قال محمود كايهان، مساعد سكرتير غرفة التجارة والصناعة بولاية زنغولداك التي تضم جميع احتياطيات الفحم الصلب في تركيا، إن الطلب على الفحم ارتفع في بعض مدن البلاد بنسبة تصل إلى 200%، و"في ظل ارتفاع الطلب، قد نزيد الإنتاج بتسريع عمليات الصيانة، وزيادة نوبات العمل من واحدة إلى 3 نوبات".
ولما كانت مشروعات الفحم التركية تخدم القطاع العام فقط، فقد شرعت الدولة في الاعتماد على شركات التعدين الخاصة لسد العجز.
ومع ذلك، يرى كايهان أن الطفرة التي حدثت هذا العام في الطلب على الفحم قد تجعل الاستثمار فيه أكثر جاذبية. فعلى الرغم من تزايد تكلفة الإنتاج بسبب التضخم، فإن العائدات تزداد بوتيرة أسرع، لأن طن الفحم الذي كان يبلغ ثمنه 2000 ليرة تركية (107 دولارات) العام الماضي، يُباع الآن بسعر 4 آلاف إلى 7 آلاف ليرة، بحسب الجودة.
وأشار كايهان إلى أن تعدين الفحم الصلب يتطلب معدات ثقيلة وعدداً كبيراً من العاملين، ما ضاعف تكاليف الإنتاج هذا العام، ومع ذلك فإن الشركات لا تزال تكسب أرباحاً أكبر من أرباح العام الماضي، وكان تعدين فحم اللجنيت (البني) "مربحاً للغاية".
في ظل ارتفاع الأرباح من الوقود الأحفوري وعدم التزام أنقرة بالتخلي عن الفحم ضمن مصادر الطاقة، فقد يكون العمل بحسابات الاستثمار قصيرة الأجل هو أقرب الحلول. ومع ذلك، فإن استمرار الاعتماد على الفحم المحلي الأقل نظافة قد يرفع من تكلفة الأضرار البيئية والصحية.
أوروبا تعود للطاقة البديلة
يشار إلى أن سريان الحظر الأوروبي على استيراد النفط الروسي بدأ مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتوافق ذلك مع حلول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة في جميع أنحاء أوروبا، ما اضطر القارة العجوز إلى اللجوء لمصادر طاقة تقليدية كانت قد تعهدت بالتخلي عنها تماماً، وأبرزها الفحم.
وشرعت فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا واليونان في إعادة تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. وبدأت بولندا في إحياء مناجمها البائدة، وحتى فتح مناجم جديدة. وفي الوقت نفسه، فإن الأسر العاجزة عن تحمل تكاليف وسائل التدفئة الغالية أشعلت أفران الفحم لديها.
ومع ذلك، فإن القارة ليس لديها ما يكفي من الوقود الأحفوري لتلبية الطلب المتزايد، ومن ثم فقد لجأت إلى ما وراء حدودها لشراء الفحم بكميات كبيرة، واستدخال الاعتماد عليه في القطاع الصناعي ضمن المرحلة الانتقالية لهذا التحول.
على إثر ذلك، زادت مبيعات كبار منتجي الفحم، مثل إندونيسيا وجنوب إفريقيا وأستراليا، زيادة غير مسبوقة هذا العام. وشهدت تركيا، التي تحتل المرتبة رقم 11 بين كبار منتجي الفحم، الأمر نفسه.