واحة سيوة هي بقعة خضراء تقع في وسط الصحراء بمحافظة مطروح، غرب مصر، ونظراً لموقعها بالقرب من الحدود الليبية فهي تتمتع بتركيب سكاني مميز يختلف عن باقي سكان مصر، حيث تقطنها سلالات من البربر السودانيين والليبيين.
وبالرغم من شهرة واحة سيوة بالسياحة العلاجية، لما تتمتع به من أماكن طبيعية وعيون وآبار، ثبت أن لها العديد من الفوائد الصحية للجسم، فإنها تمتلك أيضاً تاريخاً ضارباً في القدم.
إذ كان لها ثِقَل وحضور فريد في حضارة مصر القديمة، كما كان لها دور في استضافة أحداث تاريخية مهمة.
أرض النخيل والخير الوفير
الاسم المصري القديم لواحة سيوة هو Sekht-am، والتي تعني "أرض النخيل". فقد اشتهرت تلك المنطقة بنخيلها الكثيف، وكونها بقعةً خضراء غنيَّة بالثِّمار والخيرات في وسط الصحراء.
وبحسب الموسوعة البريطانية للتاريخ، كانت الواحة مقر معبد وحي آمون، الذي اشتهر بالفعل في زمن المؤرخ هيرودوت، واستشار الإسكندر الأكبر الإله آمون عند اتخاذ الخطوات المهمة في حياته.
بُنيت الواحة في وقت ما بين القرنين السابع والثامن قبل الميلاد، وتم تسجيل آثار إضافية للثقافة المصرية القديمة في سيوة في القرون اللاحقة.
موطن المعبد الأهم في المنطقة بأسرها
عندما غزا الإسكندر الأكبر مصر كان بالفعل بطلاً معروفاً ومقاتلاً مخضرماً.
ومع ذلك، خلال الفترة القصيرة التي قضاها في مصر، واجه شيئاً يبدو أنه قد أثر عليه بعمق لبقية حياته.
حدث ذلك عندما زار الإسكندر الأكبر معبد وحي آمون في سيوة، أو ما يُعرف بمعبد أوراكل سيوة، في ذلك الوقت كان المعبد هو الأشهر والأهم من نوعه في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وبزيارته قرر الإسكندر الأكبر أن يتجاوز كونه مجرد إنسان ليصبح "إلهاً وابناً للآلهة".
في عام 334 قبل الميلاد تقريباً، عبر الإسكندر الأكبر مضيق الدردنيل والبسفور، مقابل مدينة سيستوس القديمة، وبدأ غزوه للإمبراطورية الفارسية العظيمة.
استيلاء الإسكندر الأكبر على واحة سيوة
بعد معركتين كبيرتين وعدة حصارات، استولى الإسكندر الأكبر على معظم أراضي بلاد فارس في الأناضول وسوريا والشام، لكنه وبدلاً من الدفع شرقاً إلى قلب الإمبراطورية الفارسية، سار بجيشه جنوباً وصولاً إلى مصر.
كان غزو مصر ضرورياً للإسكندر الأكبر، لتأمين خطوط اتصالاته، وفقاً لموقع The Collector التاريخي. في هذا الوقت كانت لا تزال بلاد فارس تمتلك أسطولاً بحرياً قوياً، يمكن أن يهدد اليونان ومقدونيا، لذلك احتاج الإسكندر لتدمير جميع قواعدها.
كانت مصر أيضاً أرضاً غنية، وكان الإسكندر بحاجة إلى المال، لذلك كان من الضروري أيضاً التأكد من أن الأعداء لن يستولوا على مصر، ليهاجموا أراضي الإسكندر من خلالها.
ونظراً إلى أنه لطالما استاء المصريون من الحكم الفارسي، فقد استقبلوا الإسكندر كمحرر لهم، ولم يبذلوا أي محاولات ملحوظة للمقاومة أو طرده من البلاد.
بدوره، خلال الفترة التي قضاها في مصر، سعى الإسكندر الأكبر في توثيق وتأسيس حكمه في نمط جديد عبر الشرق الأدنى القديم. فقام بإصلاح قانون الضرائب على طول الخطوط اليونانية، ونظم القوات العسكرية لاحتلال الأرض، وأسس مدينة الإسكندرية، وأعاد المعابد للآلهة المصرية، وكرس المعابد الجديدة، وقدم القرابين الفرعونية التقليدية للتقرُّب للشعب.
ومباشرة بعد تأسيس مدينة الإسكندرية، اختار الفاتح المقدوني الذهاب بنفسه وترك الساحل المصري دون سابق إنذار، متوجهاً إلى معبد آمون في عام 331 قبل الميلاد، ومن هنا بدأت قصة أخرى في تاريخ إمبراطوريته.
كانت سبباً في تحوّل الإسكندر من حاكم إلى إله
معبد وحي آمون، أو دير أوراكل في واحة سيوة، كان علامة فارقة في تاريخ مصر القديم في عهد الإسكندر الأكبر.
إذ يقع الدير في منخفض عميق يعرف بواحة سيوة، التي تقع في جزء منعزل من الصحراء باتجاه الحدود الشمالية الغربية مع ليبيا. وقد كانت الواحة معزولة جداً عن الاندماج الكامل مع مصر لموقعها في الصحراء.
تعود أولى علامات الوجود المصري في واحة سيوة وفقاً لموقع Livius.org للتاريخ، إلى الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية، عندما تم بناء حصن ومعبد ضخم في تلك الواحة.
وخلال الأسرة السادسة والعشرين، بنى الفرعون أماسيس (الذي حكم من 570 إلى 526 قبل الميلاد) مزاراً لآمون في الواحة، لتأكيد السيادة المصرية على الموقع، وكسب تأييد القبائل الليبية السودانية القاطنة هناك بشكل كامل.
كان آمون أحد أبرز وأهم الآلهة المصرية، وكان يُعبد باعتباره ملك الآلهة من ذلك المكان.
أول زوار يونانيين إلى معبد الوحي في سيوة كانوا مسافرين على طرق القوافل من برقة في أواخر القرن السادس. ويُعتقد أنهم أُعجبوا بما وجدوه هناك في التصميم، لذا سرعان ما انتشرت أخباره في جميع أنحاء الإمبراطورية اليونانية.
وقد وصل الأمر إلى أن ساوى الإغريق بين آمون وزيوس، وسمّوا الإله الذي يُعبد في سيوة باسم "عمون زيوس".
وقد قام الإغريق أيضاً بدمج معبد سيوة في أساطيرهم التي تزعم أن المعبد قد أُسس من قبل ديونيسوس، إله الخمر عند الإغريق القدماء ومُلهم طقوس الابتهاج.
اهتمام الإسكندر الأكبر بواحة سيوة له عدة أسباب
من بين دوافع الإسكندر الأكبر في البقاء بواحة سيوة، أنه أراد إضفاء الشرعية على حكمه في نظر المصريين من خلال التصرف مثل فرعون، لذلك قرر أن يعلن في سيوة أنه ينحدر من السلالة الفرعونية.
بينما تشير بعض المصادر إلى أن الدافع الإضافي لتواجده في الواحة كان الرغبة في محاكاة الغزاة العظماء وأبطال الماضي الذين زاروا المكان المقدس.
وبرفقة جزء من جيشه، انطلق الإسكندر الأكبر في رحلة إلى معبد الوحي في واحة سيوة.
كما تتفق المصادر على أن الإسكندر الأكبر قد صُدم بجمال الواحة وضريح الوحي في سيوة. وبحسب المؤرخ أريان (86-160م)، استشار الإسكندر الآلهة في معبد أوراكل، وتلقى رداً مرضياً بعد أداء الطقوس اللازمة.
ومع ذلك، لا يروي أريان ما تم طرحه أو الإجابة عنه من صلوات الإسكندر، بحسب موقع Oxford Bibliographies.
وفي رواية المؤرخ بلوتارخ، رحب الكاهن الأكبر في المعبد بالإسكندر الأكبر، باعتباره ابن زيوس آمون، وأبلغه أن إمبراطورية العالم تنتظر فتحه لها، ويُعتقد أنه في محاولاته لتملق الفرعون الجديد للبلاد بالتحدُّث باليونانية، أخطأ في التعبير وناداه بالإله بدلاً من نجل الآلهة تبجيلاً له، فزادت التسمية الجديدة من طموحاته الاستعمارية.
عندما أخذ الإسكندر الأكبر غزواته لمرحلة متطورة، رأى الكثيرون من أتباعه ومحيطيه علامات جنون العظمة والبارانويا عليه.
إلى أن تسبب سلوك الإسكندر الأكبر في توتر العلاقة بينه وبين رفاقه مؤدياً لنقطة الانهيار الأخيرة. وفي حين أن هذا قد لا يكون نتيجة مباشرة للتكريم الذي تلقاه في دير الوحي بواحة سيوة، فإن كل ما قيل هناك كان بلا شك عاملاً أساسياً في تشجيع الأفكار والسلوكيات التي كان الإسكندر الأكبر يميل لاعتقادها بالفعل.
سقوط تدريجي في النسيان وتراجع أهمية الواحة
رغم ارتباطها بالإسكندر الأكبر، لم يخبُ ازدهار معبد آمون بعد موته.
وظلت مهمة معبد الوحي الشهير خلال الفترة الهلنستية.
ومع ذلك، عندما زار الرحالة الروماني والجغرافي سترابو واحة سيوة في وقت ما، حوالي 23 قبل الميلاد، كانت سيوة في تدهور واضح.
على عكس الإغريق وثقافات الشرق الأدنى الأخرى، اعتمد الرومان على النذير وقراءة أحشاء الحيوانات ومراقبة النجوم لمعرفة رسائل الآلهة.
لكن لبعض الوقت، ظلّ أباطرة روما يكرمون الموقع لأهميته الثقافية بالنسبة لهم، حيث ظل آمون أو زيوس آمون يُعبد في واحة سيوة لعدة قرون.
ويُعتقد أن سكان واحة سيوة استمروا في ممارسة الطقوس الدينية التوفيقية بين العديد من المعتقدات القديمة لفترة طويلة، ولم يعتنقوا الإسلام إلا في عهد الفاطميين، في حوالي القرن الثاني عشر.
واحة سيوة خلال عهد حُكام مصر الأحدث
أول أوروبي زار واحة سيوة ووثق مشاهداته للمنطقة منذ العصر الروماني هو الرحالة الإنجليزي ويليام جورج براون، الذي جاء عام 1792 لرؤية معبد أوراكل القديم أو معبد الوحي الذي أسلفنا ذكره.
بحلول القرن التاسع عشر، وصف المؤرخون الأوروبيون الذين زاروها لأهميتها التاريخية، الواحةَ بأكملها بأنها خلية نحل شاسعة من المباني والمغارات والبيوت الطينية لسكان المنطقة من البربر الليبيين والسودانيين، بحسب Britannica.
في عام 1820، خضعت سيوة للحكم الخارجي لأول مرة عندما احتلتها قوات محمد علي باشا العثماني في مصر. وقد تم تأكيد السلطة المصرية عليها عندما أرسل محمد علي باشا قوات إلى سيوة كجزء من غزوه لليبيا والسودان.
وفي عام 1904، كان الخديوي عباس الثاني أول حاكم لمصر يزور سيوة منذ عهد الإسكندر الأكبر. وشرع الخديوي في توسيع إدارة المياه ومشاريع الري في الواحة، لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى أوقف هذه الخطط.
وخلال الصراع وقعت سيوة بين مختلف المصالح المتعارضة.
فمن ناحية، كان هناك البريطانيون الذين احتلوا مصر، ومن ناحية أخرى كان هناك الأتراك العثمانيون، الذين حموا النظام الديني السنوسي النافذ، والذي كان متمركزاً في ليبيا، وهيمن بشكل واسع في واحة سيوة، بحسب موقع Middle East Eye.
شارك السنوسيون في صراع طويل الأمد مع الإيطاليين، الذين غزوا ليبيا عام 1911، وبقيت القوات الموالية للنظام لفترة وجيزة في الواحة، حتى أن بعض أهالي سيوة انضموا إلى صفوفهم. في نهاية المطاف سيطر البريطانيون على الواحة عام 1917.
بعد انتهاء الحماية البريطانية والاستقلال الجزئي لمصر عام 1922، مارست الدولة سيطرة أكثر تصميماً على الواحة، مع الزيارة الرمزية للملك فؤاد إليها عام 1928. ومثل عباس الثاني، طبق فؤاد أيضاً أحدث التقنيات الزراعية لتحسين إنتاج المحاصيل في المنطقة المحيطة بالواحة.
بهطول عاصفة مطيرة عنيفة في عام 1926، تهدَّمت العديد من المنازل في الواحة، وجعلت منازل أخرى غير آمنة للسكن، ما أجبر الناس على المغادرة. فأصبحت المدينة القديمة الآن في حالة خراب تقريباً، رغم أن طبيعتها على شكل خلية العسل لا تزال واضحة المعالم.
كذلك نتيجة لتعرضها لهجمات القبائل البدوية الراحلة، غادر سكان واحة سيوة الموقع الأقدم لاستقرارهم في منطقة أغورمي، حيث يقع معبد أوراكل أو دير الوحي، لإنشاء مستوطنة جديدة بمنطقة سور، التي تُعرف حتى اليوم باسم مدينة شالي أو شيلا.
واحة سيوة بعد الحرب العالمية الثانية
عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية اكتسبت سيوة أهمية استراتيجية في حملة شمال إفريقيا. واحتلت قوات الحلفاء، بما في ذلك القوات البريطانية وقوات الأنزاك سيوة.
كما احتلت كل من قوات الحلفاء والمحور سيوة في نقاط مختلفة خلال الحرب العالمية الثانية، وتمركز ما يصل إلى 2000 إيطالي في واحة سيوة، وتبعتها القوات الألمانية بعد فترة وجيزة.
وبحسب موقع World Pilgrimage Site للتاريخ، اكتشف فريق من علماء الآثار اليونانيين بالقرب من واحة سيوة، في الأعوام الأخيرة، ثلاثة ألواح تشير إلى أن جثة الإسكندر الأكبر ربما قد تم نقلها إلى هناك لدفنها بعد وفاته في حملة عسكرية، لكن لا تزال هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث حول دقة تلك الروايات.
وتشمل المواقع التاريخية الأخرى ذات الأهمية في واحة سيوة بقايا معبد أوراكل؛ جبل الموتى، ومقبرة من العصر الروماني تضم عشرات المقابر المنحوتة في الصخر، و "حمام كليوباترا"، نبع طبيعي عتيق، ما يجعلها وجهة سياحية بامتياز.
وجهة سياحية بامتياز في العصر الحديث
لطالما كانت سيوة محطة شهيرة عبر التاريخ للمسافرين والبدو والباحثين عن التاريخ والحضارة، فقد وفّرت لهم إمدادات وفيرة من المياه والطعام والمأوى. وعاش البشر هنا منذ القرن التاسع والعشرين قبل الميلاد وفقاً للسجلات التاريخية.
إذ تشتهر هذه الواحة بإنتاج أنواع مختلفة من التمور والزيتون بسبب غناها بالقيمة الزراعية الوفيرة، ومع ذلك فإن هذا المكان مليء بالعجائب التي تتجاوز ذلك، وتختلف من العمارة والثقافة والتاريخ والطبيعة.
وتمتلك سيوة مزيجاً من الثقافات البدوية المصرية والشمالية الإفريقية، علاوة على ذلك رسخت المدينة هويتها الفريدة، بسبب عزلتها عن الحضارات المجاورة. ويتحدث سكانها المحليون لغة "سيوي"، المشتقة من اللغة المغربية البدوية "البربرية" أو "الأمازيغية"، والتي أعدتها اليونسكو ضمن اللغات التراثية المهددة بالاندثار، وأدرجتها في قوائم التراث العالمي غير المادي.
أما اليوم فيتحدث جميع السكان المحليين اللغة العربية، بسبب ارتباطهم بالثقافة المصرية والتجارة والسياحة المتنامية لتلك المناطق.
ومما تشتهر به واحة سيوة في التجارات السياحية المميزة للمنطقة بحيرات المياه المالحة، ومسابح المياه الجوفية الدافئة، التي تستقطب الناس من حول العالم للاستشفاء، وفقاً لموقع Egypt Today.
لكن أبرز وجهات واحة سيوة هو جبل الموتى، ويعود تاريخ هذه المقبرة إلى العصر الروماني، وتحديداً الأسرة السادسة والعشرين. إذ قام الحرفيون بنقشه في الجبل خلال العصر البطلمي، وتتميز المقابر بمجموعة من الغرف ذات المدرجات المزينة بفنون جدارية مميزة.