عودوا إلى فيسبوكّكم!.. لا كراهية على الشبكات الاجتماعية بعد “#IAmHere”

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/12 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/12 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لفيسبوك/ istock

تحارب شبكة من عشرات الآلاف من المتطوعين عبر الإنترنت خطاب الكراهية على فيسبوك. ينظمون جهودهم تحت شعار "#IAmHere"، هدفهم الإساسي عودة فيسبوك إلى دوره الأساسي، وهو تجميع الناس لا تفريقهم.

موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC رصد في تقرير كيف يمارس أعضاء هذه الشبكة أعمالهم اليومية، وكيف نجحوا في تقليل المشاحنات بين رواد الشبكات الاجتماعية.

وبحسب الموقع البريطاني ففي الساعة السابعة والنصف في برلين، يدق منبه نينا. قبل النهوض وإعداد الإفطار لابنتها البالغة من العمر 13 شهراً، النائمة في الغرفة المجاورة، تطالع هاتفها.

على عكس معظمنا، لا تتحقق نينا من رسائل البريد الإلكتروني أو الأخبار أو تبحث في مواقع النميمة أو نشر الصور. بدلاً من ذلك، تفتح نينا فيسبوك وتتوجه مباشرة إلى المجموعة المغلقة #IAmHere أو (أنا هنا).

نينا هي جزء من حركة دولية تعمل على اكتشاف ومكافحة خطاب الكراهية على الموقع. تقضي هي وزملاؤها في #IAmHere وقت فراغهم في مسح فيسبوك، بحثاً عن النقاشات التي تحدث على الصفحات الكبيرة، التي تديرها غالباً المؤسسات الإعلامية الرئيسية، وتحوي عادة تعليقات عنصرية أو احتقاراً للنساء أو رهاب المثلية.

إنهم لا يحاولون تغيير رأي ناشري الكراهية ولا يتجادلون مباشرة مع المتطرفين. بدلاً من ذلك، يقومون بشكل جماعي بعرض آراء مدعمة بالحقائق والمنطق، تتمثل الفكرة في توفير التوازن، بحيث يرى مستخدمو المواقع الاجتماعية الآخرون أن هناك وجهات نظر أخرى غير تلك التي يقدمها المتنمرون.

ويقول نشطاء #IAmHere -هناك عشرات الآلاف منهم في مجموعات في جميع أنحاء أوروبا وحول العالم- إنهم لا يستهدفون الآراء المحافظة أو أي آراء سائدة أخرى، وإنما بدلاً من ذلك يسعون لتغيير اللهجة العامة للجدالات عبر الإنترنت، والتصدي لعواصف الكراهية وجعل فيسبوك مكاناً أجمل بشكل عام.

عملاق التواصل الاجتماعي التقط هذه الظاهرة، فزوَّد فيسبوك مجموعات #IAmHere بائتمانات إعلانات مجانية، وساعدهم في تنظيم لقاءات، كجزء من مبادرة الشجاعة المدنية عبر الإنترنت.

لماذا يفعلون ذلك؟

تقول نينا، البالغة من العمر 39 عاماً، إنها تقضي حوالي ثلاث ساعات يومياً في نشر التعليقات بجانب عملها بدوام كامل كمديرة لمنظمة غير حكومية، لكن لديها أسباب شخصية للغاية لتخصيص جزء كبير من جدول أعمالها المزدحم للحملة.

زوجها من أوغندا، وتقول إنهما يشعران بالغضب والخوف مما يعتقدان أنه تصاعد في الخطاب العنصري المعادي للهجرة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات القليلة الماضية.

وتقول: "باعتبارنا زوجين في ألمانيا، التي ما زال معظم سكانها بيضاً للغاية، فإننا معرضون لذلك بطريقة ما"، "أعتقد أن شعورنا بأن علينا تغيير شيء أصبح أقوى".

"لا أستطيع أن أتخيل ابنتي تكبر وتقرأ كل هذه الأشياء، لا أريد هذه الثقافة".

نشرت نينا أول تعليق لها باسم المجموعة في فبراير/شباط 2017، بعد أن حظيت حركة #IAmHere بتأييد من قبل مذيع تلفزيوني ألماني شهير. "كان قلبي ينبض بشدة في المرة الأولى التي استخدمت فيها الهاشتاغ… لقد كان من المدهش أخيراً أن تكون هناك مجموعة ورائي".

تقول نينا إن المقالات حول طالبي اللجوء أو احتجاجات تغير المناخ في ألمانيا عادة ما تجذب الكثير من الغضب. تتضمَّن تعليقات المستخدمين إساءة عنصرية أو عرقية، أو تتضمن صوراً عنيفة لبنادق أو مقصلة، بعض التعليقات والصور يمكن أن تكون أسوأ بكثير.

من أين بدأت؟

تأسست #IAmHere في السويد، حيث يطلق عليها #JaGarHar، من قبل الصحفية المولودة في إيران مينا دينيرت. قبل حوالي ثلاث سنوات، قالت إنها لاحظت أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت، كما تصفها "مغمورة بالكراهية"، لذا بدأت تحاول التصدي للتعليقات العنصرية والكراهية "بطريقة هادئة وغير عدوانية".

وتضيف: "لقد عانيت من العنصرية كثيراً طوال حياتي، ولم أكن خائفة من القيام بذلك".

بعد فترة من العمل بمفردها عادة، فكرت دينيرت أنها يمكن أن تحدث تأثيراً أوسع بوجود مجموعة وراءها: "سعيت لإشراك أشخاص آخرين، كان رد فعل كثيرين منهم "هذا رائع لقد شعرت أنني وحدي في هذا"".

سرعان ما تبع ذلك اهتمام إعلامي، ونمت المجموعة السويدية إلى 75,000 عضو. مع انتشار الفكرة بدأت مجموعات مماثلة في الظهور في بلدان أخرى مثل إيطاليا وفرنسا وسلوفاكيا وبولندا والمملكة المتحدة. اليوم، هناك 14 مجموعة مختلفة من #IAmHere يعملون على تحقيق نفس الأهداف بلغاتهم.

تلتزم المجموعات بمكافحة خطاب الكراهية، الذي يعرفه فيسبوك على أنه "هجوم مباشر على الأشخاص على أساس السمات المحمية، وتشمل العرق والسلالة والأصل القومي والانتماء الديني والتوجه الجنسي والطبقة الاجتماعية والجنس والنوع والهوية الجنسية والأمراض أو الإعاقات الخطيرة".

تأسست المجموعة الألمانية #IchBinHier، على يد مستشار التسويق هانز لي. وتضم حالياً 45000 عضوا.

يقول لي: "كان هناك بعض الأصدقاء السويديين الذين أقاموا عندي في ديسمبر/كانون الأول 2016″، ويضيف: "دخلت المطبخ صباح أحد الأيام وكان أحدهم ينشر تعليقات على فيسبوك، فسألته ماذا كان يفعل".

يتابع لي قائلاً إنه أحس بـ "شعور إيجابي حقاً" في اللحظة التي شرح فيها صديقه الفكرة "كنت أقرأ التعليقات لسنوات عديدة وشعرت بالعجز بسبب كمية الكلام الذي يحض على الكراهية. فكرت، حسناً، يمكننا أن نجمع أغلبية أخرى لمواجهة حشد خطاب الكراهية".

يقول لي إن المجموعة ترحب بوجهات نظر سياسية متنوعة، يقول: "غالبية أعضائنا يساريون وليبراليون، ولدينا بعض الأعضاء المحافظين"، "علينا أن نتقبل الآراء المختلفة في الديمقراطية، لكن إذا غدت هذه الآراء عدوانية وعنيفة، فهذا هو المكان الذي تتدخل فيه #IchBinHier".

مع نمو المجموعة الألمانية، أصبح بعض الأعضاء فضوليين بشأن المعلقين الذين يواجهونهم. يقول فيليب كريسل، وهو طالب علوم سياسية يبلغ من العمر 23 عاماً، ومتطوع في #IchBinHier: "لقد دهشت كثيراً من عدد الإعجابات التي حصلت عليها بعض التعليقات، تلك التي تشوه صورة المهاجرين".

مدفوعاً بالرغبة في معرفة ما إذا كان بإمكانه إيجاد نوع منظم من النشاط، بدأ في إجراء تحليل للبيانات.

"لقد وجدت أن بعض هذه الحسابات كانت بالفعل نشطة للغاية، وكانت تضغط "أعجبني" طوال اليوم، وهذا خلق تحيزاً في مواقع التواصل الاجتماعي".

التعامل مع رد الفعل

أوضح المزيد من البحث أن العديد من الحسابات التي تكتب وتعجب بتعليقات الكراهية كانت منظمة وموجهة مثل #IAmHere. يقول الباحث جاكوب ديفي، وهو خبير في اليمين المتطرف بمعهد الحوار الاستراتيجي (ISD) ومقره لندن: "جيوش التنمر تجمع نفسها في تسلسل هرمي شبه عسكري".

"يمكنك رؤية هذه المجموعات تتجمع وتشترك في الإيذاء على فيسبوك، لتسكت الأصوات المعتدلة وتهيمن على النقاش في نقاط معينة".

مواجهة جيوش التنمر هذه لا تأتي دون مخاطر، تقول دينيرت: "كان عام 2018 عام انتخابات في السويد، وبدأوا في اختلاق أشياء شديدة الجنون عنا؛ أننا تجار أسلحة أو ندعم الإرهابيين".

أعضاء المجموعة السويدية تعرَّضوا لكشف معلوماتهم الشخصية على الإنترنت. طلبت دينيرت وزوجها وطفلاها حماية الشرطة، بعد أن أصبحت التهديدات وحشية بشكل خاص.

في برلين، تعرَّضت نينا أيضاً للترهيب "ذكر أحد المتنمرين طفلي، لأنه رأى على موقع عملي أنني كنت في إجازة رعاية طفل، لقد أفزعني ذلك حقاً، وفكرت للحظة هل يجب أن أواصل فعل هذا؟".

تعترف نينا بأن التعرض لتعليقات الكراهية على أساس يومي يمكن أن يؤثر سلباً على الصحة العقلية للأعضاء، تقول: "هذا يعتمد على مزاجي اليومي"، "في بعض الأيام يمكن أن أواجه كما كبيراً يجعلني أندهش من قدراتي، وفي أيام أخرى أشعر أنني هشة للغاية".

هل ينبغي على فيسبوك أن يفعل المزيد؟

قدم فيسبوك للمتطوعين أرصدة إعلان مجانية، ودعماً في تنظيم لقاءات. على الرغم من امتنانِهم للمساعدة، يعتقد الكثير من أعضاء #IAmHere أن الموقع يجب أن يفعل المزيد لمكافحة خطاب الكراهية. يقول لي إن على فيسبوك أن "يرقى إلى مستوى معايير المجتمع التي وضعها" وأن يكون أسرع في حذف التعليقات.

وقال فيسبوك في بيان إنه يستخدم مزيجاً من التكنولوجيا الاستباقية والإشراف البشري، وإن جهوده لمواجهة خطاب الكراهية قد تحسّنت. على سبيل المثال، تقول الشركة إنها حظرت أكثر من 200 منظمة تدعم أيديولوجيا تفوق الجنس الأبيض.

بدءاً من عام 2018، طلب قانون NetzDG في ألمانيا من مواقع التواصل الاجتماعي إزالة خطاب الكراهية خلال يوم واحد من الإبلاغ عنه، ويظهر التحليل أن المشاركات العنصرية بشكل واضح قد انخفضت على فيسبوك منذ ذلك الحين. وجدت دراسة لنشاط #IchBinHier قام بها باحثون في جامعة دوسلدورف أيضاً أن المعلقين غالباً ما ينجحون في تغيير نبرة النقاشات على الإنترنت.

من ناحية أخرى، وجدت الأبحاث التي أجراها الطالب فيليب كريسل ومعهد ISD أن حملات الكراهية اليمينية المتطرفة المنسقة عبر الإنترنت قد زادت ثلاثة أضعاف، منذ ديسمبر/كانون الأول 2017.

تقول نينا: "لا أرى أن الوضع يتحسن، بل أرى أنه يزداد سوءاً"، تقول إنها غالباً ما تشعر بأنه "ميؤوس منه" حينما تواجه وابلاً يومياً من الكراهية، وتعتقد أن "ما نقوله عبر الإنترنت سيؤثر على تصرفاتنا غير المتصلة بالإنترنت في نهاية المطاف".

لكن هذا سبب إضافي لاستمرارها، تقول: "أعتقد أنه جعلني أكثر شجاعة في المواقف خارج الإنترنت"، "مؤخراً كان هناك رجلان يتنازعان فيما بينهما في المترو، وقد تدخلت بينهما وقلت ماذا تفعلان؟".

"إن هذا يجهزني كي أكون مع ابنتي في هذا العالم، إذا أدلى شخص ما بتعليق على شكلها، فأنا سريعة الرد".

"إن هذا أنا… وهذا جزء من حياتي".

علامات:
تحميل المزيد