قالت صحيفة the New York Times الأمريكية، إنه لا يمكن أن يكون التدخل الروسي في فنزويلا مشابهاً للوجود في سوريا، وأضافت أنه رغم أن الاضطراب الذي تعيشه فنزويلا والذي يوافق "معايير" موسكو، فإن هناك فوارق كبيرة بين نظام الأسد نيكولاس مادورو .
توضح الصحيفة الأمريكية أنه لطالما جعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دعم الرؤساء المحاصَرين أحد أعمدة سياسته الخارجية -وكان الأنجح في ذلك عندما نشر الجيش بسوريا- لإرسال رسالة بأنَّ القوى الخارجية لا ينبغي لها أن تعبث بالشؤون الداخلية للدول الأخرى.
في ظاهر الأمر، قد يبدو الاضطراب في فنزويلا موافقاً لمعاييره كلها. ومع ذلك، ففنزويلا ليست سوريا؛ إذ يفصلها عن روسيا آلاف الأميال من مياه المحيط.
وليس ثمة قوة إقليمية حليفة مثل إيران بإمكان موسكو الاعتماد عليها للقيام بالأعمال القذرة على الأرض، ومع معاناة الاقتصاد الروسي الضَّعف منذ وقت طويل، فليس لدى الكرملين حقاً الوسائل أو الدعم الداخلي للقيام بمغامرة خارجية مكلفة أخرى.
ومع ذلك، تقول الصحيفة، فالسؤال: "ما الذي ينبغي أن تفعله روسيا؟"، يطرحه كُتاب الصحف ونقاد التلفاز يومياً.
هل تكتفي موسكو بالشجب والتنديد خلال الأزمة في فنزويلا؟
وحتى الآن، يبدو الجواب القادم من الكرملين أنَّه سوف يشجب من الخطوط الجانبية، وكما هو الحال مع كل أزمة خارجية أو داخلية، سوف يلقي باللائمة على الولايات المتحدة.
إذ قال وزير الخارجية الروسي، سيرغيو لافروف، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء 29 يناير/كانون الثاني 2019: "إننا نفهم أنَّ الولايات المتحدة، بعبارة بسيطة، قد حسمت أمرها واتخذت علناً مسار الإطاحة بالنظام".
وقال لافروف إنَّ أعضاء من المعارضة "أمرتهم واشنطن بعدم تقديم أية تنازلات حتى تسليم النظام سلطته بطريقة أو بأخرى".
ولما كان قد عرض مراراً الوساطة لحل هذا النزاع، فقد قال إنَّ الأمر متروك لروسيا ودول أخرى لمواجهة هذه الجهود.
وقال لافروف، متجاهلاً حقيقة أنَّ الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو فاز بإعادة انتخابه العام الماضي (2018)، بسبب ما يُعتبر، على نطاق واسع، تزويراً انتخابياً هائلاً: "نحن وأعضاء مسؤولون آخرون من المجتمع الدولي سوف نفعل كل شيء بمقدورنا لدعم الحكومة الشرعية".
ومن الدول الأخرى أيضاً في معسكر مادورو، الصين وتركيا وإيران وسوريا. وإحدى السمات البارزة التي تتشارك فيها هذه الدول هي الخوف من الانتفاضات الشعبية.
خاصةً أنها تعودت مكافحة "الثورات الملونة"
وقال أليكساندر موروزوف، المحلل السياسي وأحد المنتقدين الدائمين للكرملين: "سياسياً، يريد الكرملين الإصرار على أنَّ أي نظام سياسي، حتى ولو كان هذا النظام غير فعال بشكل كارثي، لا يمكن أبداً عزله من قِبل مواطنيه".
وكرر المحلل العسكري، أليكساندر غولتز، هذا الرأي، مشيراً إلى أنَّ العلاقة مع فنزويلا تعكس السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي السابق، حين كان الكرملين يغدق بالأسلحة والأموال على أي بلد يصرخ في وجه واشنطن.
وقال غولتز: "بالنسبة لبوتين، فإنَّ مكافحة الثورات الملونة مسألة أساسية. ليس المهم مكان وقوعها، سواء كان سوريا أو فنزويلا. فالقيادة الروسية تعتبر أي محاولة من السكان المحليين للتخلص من زعيم سلطوي، مؤامرة تدبرها المخابرات الأجنبية".
تُذكِّر هذه الأزمة بمواجهات الحرب الباردة عندما كانت موسكو القديمة تُقدِّر تحالفها مع كاراكاس، كما وصفه غولتز بأنه "قنفذ بسروال أمريكا".
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، أرسلت موسكو إلى فنزويلا قاذفتين طويلتي المدى قادرتين على حمل أسلحة نووية، لإظهار تضامنها.
ولها مصالح اقتصادية وسياسية في فنزويلا
واقترح فلاديمير زيرينوفسكي، وهو أحد الشعبويين والقوميين المتشديين، أنَّ روسيا ينبغي لها أن ترسل الآن أسطولاً كاملاً من هذه القاذفات، لمنع التدخل الخارجي. وسوف يكون هذا الأمر، في جوهره، تكراراً لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، عندما بدا أنَّ الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على شفا حرب نووية، بسبب تنصيب صواريخ سوفييتية في كوبا.
وكانت شركة النفط الحكومية العملاقة، "روسنفت"، قد حازت، في السنوات الأخيرة، حصة ضخمة في صناعة النفط بفنزويلا، وقدم الكرملين كمية ضخمة من الأسلحة بالدَّين. ولما كانت فنزويلا قد استدانت ما قيمته أكثر من 10 مليارات دولار خلال السنوات القليلة الماضية، فإنَّ موسكو ترغب بشدة في سداد هذا الدَّين.
ونفى المتحدث الرئاسي، ديمتري بيسكوف، أن تكون روسيا تتدخل بطرق سرية، مثل التزويد بمرتزقة لحماية نيكولاس مادورو ، أو ربما الأصول الحكومية المهمة. وبطبيعة الحال، نفى مسؤولون أن يكون متعاقدون عسكريون روس خصوصيون يعملون لمصلحة حكومة السودان، وذلك قبل أن يغيروا موقفهم وتؤكد وزارة الخارجية هذه التقارير الأسبوع الماضي.
وأشار مُحلِّلون آخرون إلى عدم وجود حاجة للجنود المتعاقدين، لأنَّ الجيش الفنزويلي ما يزال مؤيداً لمادورو. وكان المسؤولون الروس قد قالوا مراراً وتكراراً، إنهم لم يتلقوا أي طلبات رسمية للمساعدة من طرف كاراكاس.
أم أن تكرار سيناريو سوريا لا يمكن أن يحدث؟
فإلى جانب المسافة الجغرافية والتكلفة، ثمة الكثير من الأسباب الرئيسة التي تجعل التدخل الروسي غير مرجح.
إذ يمكن أن تقاتل روسيا في سوريا من مسافة بعيدة، فتنشر قواتها الجوية أو تطلق الصواريخ من طراز كروز من بحر قزوين. كما أنَّ إيران قدمت القوات البرية اللازمة لهزيمة الميليشيات المناهضة للحكومة.
وأشار المعلقون الروس إلى أنَّ فنزويلا لم تصل بعدُ إلى نقطة الحرب، ولن تساعد القاذفات الاستراتيجية في التعامل مع المتظاهرين، مشددين على أنَّ الكرملين لن ينشر جنوداً للقتال في معارك شوارع ضد متظاهري المعارضة بكاراكاس أو أي مدن أخرى.
وتحظى روسيا، بالشرق الأوسط، بأصدقاء آخرين إلى جانب سوريا. أما في أمريكا اللاتينية، فباستثناء كوبا ونيكاراغوا، لا تدعم حكومة واحدة نيكولاس مادورو .
وكذا، فإنَّ أي تدخل روسي يخاطر باستعداء جميع الحكومات في القارة، فضلاً عن استفزاز مزيد من العقوبات الأمريكية.
حتى بين الروس المتشددين، ثمة إعجاب حسود بحقيقة أنَّ الولايات المتحدة من المرجح أن تضرب كل من يتدخل بشكل شديد العلنية في باحتها الخلفية، مستشهدين بشكل متكرر بمبدأ مونرو.
لكن، من يدري، فقد يتخلى بوتين عن نيكولاس مادورو
وقال فلاديمير فرولوف، محلل السياسة الخارجية، في تعليق على موقع Republic.ru، إنَّ المصلحة الأساسية لروسيا تتمثل بالمقام الأول في رؤية استمرار هذه المواجهة دون حل. وكتب فرولوف: "سوف يُظهر هذا الأمر فشل الاستراتيجية الأمريكية في التغيير غير الشرعي للأنظمة، ونجاح النهج الروسي بدعم السلطة الشرعية".
ومع ذلك، فقد أشار معلقون آخرون إلى أنه في حال سقط نيكولاس مادورو ، وعلى الرغم من إغراء تحويل هذه الأزمة إلى مواجهة أخرى مع الولايات المتحدة، فسوف يكون من الأفضل -على الأرجح- التخلي عنه.
وكتب أحد المعلقين في صحيفة Moskovsk Komsomolets اليومية: "لو كان من المقدَّر للزعيم السياسي الحالي في فنزويلا الغرق سياسياً، فليغرق وحده، دون أن يجرَّنا معه".
ومع ذلك، وكما هو الحال مع بشار الأسد في سوريا، فقد طُرحت فكرة تقول إنه ربما يكون بإمكان روسيا نزع فتيل الأزمة، من خلال عرض اللجوء على مادورو، حتى لو بدت هذه الاحتمالية بعيدة.
وكتب أحد المعلقين الآخرين في الصحيفة ذاتها، قائلاً: "بالنسبة نيكولاس مادورو الذي اعتاد أشجار النخيل"، فضلاً عن البحر ومتوسط درجات حرارة بمقدار 77 درجة على مدار العام، فإنَّ "شتاء موسكو البارد ليس خياراً مثالياً، لكنه أفضل بكثير من زنزانة دافئة في كاراكاس".