قالت صحيفة The New York Times الأميركية إن الأرجنتين تنظر في التهم الجنائية المُوجَّهة إلى وليّ العهد السعودي في الوقت الذي يستعد محمد بن سلمان لحضور اجتماع قمة العشرين هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، حسبما قال مسؤولون شاركوا في التحقيق.
يعتبر التحقيق، , الذي يركز على ادعاءاتٍ بجرائم حربٍ خلال التدخُّل العسكري الذي تقوده السعودية على جارها اليمن، الاختبار الأهم لقدرة الأمير محمد على تجاوز الضجة الدولية التي أحاطت به منذ مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي، كاتب الأعمدة في صحيفة Washington Post الأميركية والذي كان مقيماً في فرجينيا. وفق تقرير صحيفة The New York Times الأميركية
من المُتوقَّع أيضاً أن تكون قضية خاشقجي جزءاً من التحقيق بجانب اتهاماتٍ بالتعذيب داخل المملكة العربية السعودية.
لا يزال التحقيق في الأرجنتين، الذي بدأ بشكوى مقدمة من منظمة هيومان رايتس ووتش، المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، في مراحله الأولى، وقد تحمي الدبلوماسية أو غيرها من أنواع الحصانة الأمير في النهاية من أي اتهاماتٍ مُحتَمَلةٍ. وقد وصف المسؤولون الأرجنتينيون الأمر بأنه من الصعب جداً أن يصل التحقيق إلى إصدار مذكرة اعتقال قبل اجتماع القمة، الذي من المُقرَّر أن يبدأ يوم الجمعة 30 نوفمبر/تشرين الثاني.
ولكن حتى الخطر الضئيل المتمثل لنشوبِ نزاعٍ فوضوي في المحاكم الأرجنتينية قد يطغى على رحلةٍ كان يُنظَر إليها في السابق على أنها فرصةٌ للأمير محمد لإظهار أنه ما زال مُرحَّباً به بين قادة العالم، حتى بعد استنتاج وكالات الاستخبارات الأميركية بأنه قد أمر بقتل خاشقجي.
قد يكون أيُّ تراجعٍ عن حضور اجتماع قمة مجموعة العشرين، الذي يحضره زعماء أكبر اقتصاداتٍ في العالم، إشارةً إلى أن الوصمة المستمرة بسبب قتل خاشقجي قد تعوق استمرار فاعلية ولي العهد البالغ من العمر 33 عاماً كزعيمٍ إقليميٍ -وهو الدور الذي أشار إليه مسؤولو إدارة ترمب كسببٍ رئيسي للوقوف بجانبه.
ولكن تحرُّك المدعين الأرجنتينيين يُهدِّد بإفساد انتصار محمد بن سلمان قبيل مراحله الأخيرة في اجتماع القمة، حيث كان من المُقرَّر أن يختلط مع ترامب والزعماء الغربيين الآخرين لما يُعرَف بمجموعة دول العشرين.
كانت منظمة هيومن رايتس ووتش طالبت الأرجنتين باستغلال بند في دستورها متعلق بجرائم الحرب للتحقيق في دور الأمير محمد بن سلمان في جرائم محتملة ضد الإنسانية في اليمن و مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
ويعترف الدستور الأرجنتيني بالاختصاص العالمي لجرائم الحرب والتعذيب، وهو ما يعني أن السلطات القضائية يمكنها التحقيق في تلك الجرائم ومحاكمة مرتكبيها بغض النظر عن مكان وقوعها.
وذكرت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان أنها أرسلت طلبها إلى القاضي الاتحادي أرييل ليخو. ولم يرد كل من مكتب ليخو ومكتب المدعي العام الأرجنتيني على طلبات للتعليق.
وأدى مقتل خاشقجي، الذي كان كاتباً بصحيفة واشنطن بوست ومنتقداً لولي العهد، في القنصلية السعودية بإسطنبول قبل ستة أسابيع إلى توتر علاقات المملكة مع الغرب ودمر صورة الأمير محمد في الخارج.
وتطالب الدول الغربية أيضاً بإنهاء الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، والتي دشنها الأمير محمد، مع تدهور الأزمة الإنسانية.
وسبق أن نجحت قضايا استغلت مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، لا سيما عام 1998 عندما تمكن القاضي الإسباني بالتاسار جارزون من إصدار أمر باعتقال ديكتاتور تشيلي السابق أوجيستو بينوشيه في لندن.
ضغوط لفرض عقوبات على ولي العهد
وقال السيناتور الأميركي ليندسي غراهام إنَّه ينوي الضغط لفرض عقوباتٍ على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن أكدت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنَّه هو من أصدر الأمر بقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي.
وأكد السيناتور الأميركي في اتصالٍ هاتفي مع موقع Axios الأميركي أنَّه وعدداً من زملائه طالبوا وكالة الاستخبارات بتقديم بيانٍ موجز هذا الأسبوع لمعرفة مدى صحة التقارير حول ثقة الوكالة في أنَّ محمد بن سلمان أمر بعملية قتل خاشقجي.
وصرَّح غراهام للموقع: "إن كانت الأدلة كافية لترجيح تواطؤ محمد بن سلمان في الجريمة سأتخذ خطواتٍ لإصدار تشريع ما في مجلس الشيوخ بناءً على هذا الاستنتاج. يجب أن ندعم مجتمعنا الاستخباراتي عندما نراه على حق".
وأضاف: "سأنظر كذلك في التشريع في أي سلوكياتٍ أخرى مزعزعة للاستقرار ارتكبها محمد بن سلمان، مثل الطريقة التي يدير بها حرب اليمن، والواقعة الغريبة مع رئيس الوزراء اللبناني، وحصار قطر دون أي مشاورات".
وقال غراهام إنَّه ومعه السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز يعملان على فرض عقوباتٍ أقسى على السعودية عقاباً لها على جريمة القتل. وأضاف أنَّه سيضغط لفرض عقوباتٍ على محمد بن سلمان.
وبحسب الموقع الأميركي فلا يبدو أنَّ قضية خاشقجي ستنتهي قريباً. ومن غير المرجح أن تُفرض أي عقوباتٍ على السعودية في الفترة الحالية التي تشهد تغيير أعضاء مجلس الشيوخ بعد الانتخابات النصفية. وهذا يعني أنَّ هذه المعركة حول مقتل خاشقجي ستستمر إلى العام المقبل، وستؤدي على الأرجح إلى تأليب أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي ومعهم مجموعة صغيرة من الجمهوريين ضد الرئيس الأميركي.
جديرٌ بالذكر أنَّ ترامب أعلن وقوفه بجانب السعودية في خطابه يوم الثلاثاء الماضي 20 نوفمبر/تشرين الثاني ، وأشار إلى أنَّه لا يهتم كثيراً بما استنتجته وكالة الاستخبارات الأميركية. وجادل بأنَّ العالم مكان "خطير للغاية"، وأنَّ جريمة قتل خاشقجي لا يجب أن تؤثر على علاقة أميركا بالسعودية.
لكنَّ غراهام يتخذ موقفاً مضاداً، إذ قال لموقع Axios: "لا يمكن أن تربطنا علاقات استراتيجية طبيعية بشخصٍ مجنون هكذا. كل الخيارات ستكون مطروحة ونحن ندرس معاقبة السعودية"، ومن ضمن هذه الخيارات وقف مبيعات الأسلحة.