وُصفت الاستنتاجات التي خلصت إليها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، والتي تفيد بأنَّ أوامر اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي صدرت من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأنَّها الضربة الأكثر إضراراً حتى الآن بالحاكم الفعلي للسعودية، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
كانت الاستنتاجات التي نُشِرت لأول مرة في صحيفة The Washington Post الأميركية، التي كان خاشقجي كاتب عمود فيها، أول تقييم من حكومة الولايات المتحدة يربط بين الأمير محمد وموت الصحافي السعودي المُعارِض في تركيا.
جاءت هذه الاستنتاجات بعد أن حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومستشار الأمن القومي في إدارته جون بولتون، حماية محمد بن سلمان من التحقيقات الجنائية التي ورَّطت 21 عميلاً سعودياً في عملية الاغتيال المروعة.
إذ أشار الرئيس الأميركي من قبلُ، إلى أنَّ عملية القتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول نفَّذتها عناصر مارقة تجاوزت حدود سلطاتها.
ما نشرته الـCIA مدمر للرواية السعودية
لكنَّ وكالة الاستخبارات المركزية توصَّلت إلى أنَّ إحكام الأمير محمد قبضته على عملية صنع القرار يجعل زعماً كهذا مستبعَداً للغاية.
أخبر مسؤول استخبارات أوروبي صحيفة The Observer البريطانية بأنَّ نتائج وكالة الاستخبارات المركزية كانت "مُدمِّرة للغاية للرواية الرسمية للمملكة".
وأخبرت سارة هاكابي ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، الصحافيين بأنَّ الرئيس دونالد ترمب ناقش السبت 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، هاتفياً، تقييم وكالة الاستخبارات المركزية مع كلٍّ من مديرة الوكالة جينا هاسبل، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. ووصف ترمب، في زيارته ولاية كاليفورنيا، تقييم وكالة الاستخبارات المركزية بـ"المبكر جداً"، لكنه قال إنَّه "من الممكن" أن يكون الأمير محمد مسؤولاً.
وقالت هيذر ناورت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية: "التقارير الأخيرة التي تشير إلى أنَّ حكومة الولايات المتحدة خلصت إلى استنتاج نهائي ليست دقيقة". وكما جرت العادة في ردود الإدارة الأميركية بخصوص القضية، أكَّدت هي وترامب أهمية العلاقات الاستراتيجية الأميركية-السعودية.
أعضاء مجلس الشيوخ يحثون ترامب على أن يكون صارماً
بدا ترامب، الذي كان في السابق مؤيداً قوياً للأمير، مُحبَطاً من قضية خاشقجي وتواطؤ كبار المسؤولين، وهي القضية التي اختطّت لنفسها طريقاً نحو أبواب الديوان الملكي.
وحثَّ أعضاء مجلس الشيوخ، الجمهوريون والديمقراطيون، يوم السبت 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ترامب على أن يكون صارماً مع ولي العهد. فنشر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور بوب كوركر، تغريدة قال فيها: "يشير كل شيء إلى أنَّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أمر بقتل صحافي (واشنطن بوست) جمال خاشقجي. ينبغي لإدارة ترامب أن تتوصَّل إلى تحديدٍ موثوق للمسؤولية قبل أن يَعدم محمد بن سلمان الرجال الذين -على ما يبدو- نفذوا أوامره".
ونشر السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال تغريدة، قال فيها: "يجب أن يَقبل ترمب، لمرة واحدة، الاستنتاج الذي لا يقبل الجدل والذي خلص إليه خبراء الاستخبارات لديه: ولي العهد، محمد بن سلمان، ضالعٌ في الاغتيال الوحشي لخاشقجي. ولا بد من أن تكون هناك عواقب لهذا القتل الفظيع: عقوبات، وملاحقة قضائية، وعزل محمد بن سلمان وآخرين، وعدم استمرار التستُّر الذي سمح به ترمب".
جاءت ادعاءات وكالة الاستخبارات المركزية، بعد 6 أسابيع من الضغط المستمر على المملكة وولي عهدها، الذي أنكر تماماً أي معرفة له بفريق الاغتيال الذي أُرسِل إلى تركيا أو المهمة التي اضطلع بها الفريق.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤول استخبارات أوروبي قوله إنَّ النتيجة التي أفصحت عنها وكالة الاستخبارات الرفيعة "ناسفة ومُدمِّرة للغاية للرواية الرسمية للمملكة".
وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" بأنَّ الوكالة عزَّزت النتائج التي خلصت إليها بعد مراجعة مكالمتين مُعتَرَضتين. قِيل إنَّ إحداهما كانت بين الأمير محمد وأخيه الأمير خالد بن سلمان، السفير السعودي في واشنطن، تناولت تطرُّق الأول إلى مناقشة طرق لإعادة خاشقجي إلى الرياض.
فيما يُقال إنَّ المكالمة الثانية المُعتَرَضة كانت للأمير خالد وهو يُطمئِن خاشقجي بأنَّ زيارة القنصلية في إسطنبول ستكون آمنة.
وصل خاشقجي إلى القنصلية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، ولم يغادرها قط. وتوصَّل تحقيقٌ قادته تركيا، إلى أنَّه قُتِل وقُطِّعت جثته في غضون 7 دقائق من دخوله المبنى. ولم يُعثَر على جثته حتى الآن.
نفى الأمير خالد تواصله مع خاشقجي العام الماضي (2017)، وطالب المسؤولين الأميركيين بتقديم أدلتهم.
وقال في تغريدة له على موقع تويتر: "آخر تواصل لي مع خاشقجي كان عبر رسالة نصية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2017. لم يسبق أن تحدثتُ إليه هاتفياً على الإطلاق، وبالتأكيد لَم أقترح عليه إطلاقاً أن يذهب إلى تركيا لأي سببٍ كان. إنَّني أطالب حكومة الولايات المتحدة بالكشف عن أي معلومات تخص هذا الزعم".
تغيّر الموقف السعودي خلال مسار التحقيقات
بدأت الرياض بإنكار صريح لوجود أي تورط، مصحوباً بتأكيدٍ من الأمير خالد أنَّ خاشقجي خرج من القنصلية على قدميه، ليحل محله بعد نحو 10 أيام، اعترافٌ على مضض بأنَّه قُتِل في شجار، ثم قُدِّم تنازل آخر وقيل إنَّ عملية القتل كانت في الواقع بنيّةٍ مسبقة.
وفي يوم الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، زعم الادعاء العام السعودي أنَّ خاشقجي مات نتيجة جرعة زائدة من مخدر حقنه بها عملاء سعوديون.
حاولت تركيا مواصلة الضغط على منافِستها الإقليمية، لا سيما على الأمير محمد، من خلال مواصلة تسريب تفاصيل التحقيق.
وصرَّح مسؤولون أتراك لوسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية، هذا الأسبوع، بأنَّ التسجيلات الصوتية موجودة، وتوضح أنَّ المتآمرين كانوا يتدربون على أدوارهم عندما كانوا في انتظار خاشقجي.
لا يزال وجود الأشرطة التسجيلية عنصراً رئيسياً في التحقيقات. فيُعتَقد أنَّ مسؤولي الاستخبارات الأتراك وضعوا جهاز تنصت، منذ فترة طويلة، في مكتب القنصل العام السعودي، حيث وقعت المراحل الأولى من هذا الفخ الذي نُصب لخاشقجي. ويُعتقد كذلك أنَّ مكالمة بث مباشر حدثت في مرحلة ما خلال عملية القتل.
وبعد أن مات خاشقجي، يُقال إنَّ عضواً من فريق الاغتيال اتصل بأحد مساعدي الأمير محمد وقال له: "أبلِغ رئيسك أنَّ المهمة أُنجِزَت". وأضاف محتوى هذه المكالمة ثقلاً إلى تقييم وكالة الاستخبارات المركزية.
وقال مسؤول الاستخبارات الغربي إنَّه من غير المعتاد لوكالةٍ استخباراتية أن تكون حاسمة جداً في قضية بهذه الحساسية.
وأضاف: "الحقيقة التي في حوزتهم تعني أنَّ لديهم مواد قوية. وسيُسبِّب اعتراض هذه المكالمات مشكلات للأمير محمد".