لا تغرنك العلاقة بين قاديروف وروسيا، فبينهما ما صنع الحداد، وفي حال غياب هذا الرجل ستندلع الحرب بينهما

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 16:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/29 الساعة 16:25 بتوقيت غرينتش
رمضان قاديروف وفلاديمير بوتسين/ getty images

ثمة علاقة مثيرة للاستغراب بين روسيا والشيشان التي خاضت حرباً ضروساً ضد الكرملين من أجل الاستقلال، بعد عودة بوتين مرة أخرى للرئاسة ورغبة رمضان قديروف، الشخصية الأقوى في غروزني في الانضواء تحت راية الاتحاد الروسي.

هذه العلاقة في الأساس لم تكن بين قاديروف وروسيا، بل بين نجل الزعيم الشيشاني الذي قاتل حتى وفاته وبين فلاديمير بوتين، التي ترى صحيفة  Financial Times البريطانية أنها مرهونة ببقاء الرئيس الروسي في منصبه.

قصة الشيشاني الذي قتل ضابطاً روسياً

في بداية أغسطس/آب الجاري، امتلأت مستوطنة جلداغان في الشيشان بأعظم حشودٍ شهدتها البلدة الهادئة في أيَّامها العادية منذ عشرة أعوامٍ على الأقل.

تقدَّم رجالٌ من جميع الأعمار تجاه الميدان الرئيسي المقابل للمسجد، فيما اصطفت النساء في الشوارع يراقبن وينتحبن.

كانوا يرثون يوسف تيميرخانوف، ابن البلدة ومحل توقير سكَّانها، لثأره من الوحشية والإذلال الذي قاسته الشيشان على أيدي الروس خلال حربين امتدتا على مدار ثلاثين عاماً.

مات تيميرخانوف في يوم 3 أغسطس/آب، في معسكر سجنٍ سيبيري، حيث كان يقضي حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً على تهمة قتل يوري بودانوف، وهو ضابطٌ سابق بالجيش الروسي. كان بودانوف قد أُدين بقتل إلزا كونغايفا، وهي شابةٌ شيشانية بلغت من العمر 18 عاماً، خلال الحرب الشيشانية الثانية، لكن أُطلِقَ سراحه إطلاقاً مشروطاً.

ومع أنَّ تيميرخانوف أنكر كل التهم المُوجَّهة له، فقد احتفى به أبناء عمومته بصفته بطلاً وطنياً. وفيما تدفَّق الشيشانيون إلى جلداغان من جميع أنحاء شمال القوقاز، انحاز رمضان قديروف نفسه، وهو الزعيم الحاكم للشيشان الذي يساعد الكرملين على إبقاء الشيشان جزءاً رسمياً من الاتحاد الروسي الفيدرالي، إلى صفِّ شعبه.

قاديروف كان غاضباً من الروس

قال قديروف إنَّ جريمة قتل إلزا كانت "إهانةً لنا جميعاً… لن نسمح بأن نُذَل أو نُسلَب شرفنا".

وفيما زعم أنَّ محاكمة وسجن تيميرخانوف جرت بشكلٍ غير قانوني، اتَّهم قديروف السلطات الروسية بالتحيُّز ضد الشيشان. وقال: "إذا كنَّا مواطنين روساً، عاملونا كما لو كنَّا روساً. نريد المساواة والعدل".

كانت كلماته تلك تذكرةً قاسية للطبيعة الملتبسة والهشَّة لسيطرة موسكو على شمال القوقاز، وهي منطقةٌ ترى فيها موسكو موقع ارتكازٍ استراتيجي بين البحر الأسود وبحر قزوين، حيث تحدُّ روسيا آسيا الصغرى (الأناضول) وحيث خاضت بعضاً من أكثر الحروب دموية في التاريخ.

وبينما ساعد قديروف، وهو قائدٌ عسكري سابق عيَّنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاكماً لجمهورية الشيشان في عام 2006، الكرملين الروسي على سحق تمرُّدٍ شيشاني امتدَّ لفترةٍ طويلة، إلَّا أنَّه يحكم الأراضي الشيشانية باعتبارها إقطاعيته الشخصية، بحسب الصحيفة البريطانية.

برغم وصفه لنفسه أنَّه وطني روسي، يرى قديروف ولاءه الوحيد عائداً لبوتين. وقال جنبلاط عمروف، وزير الإعلام في الحكومة الشيشانية، مُتحدِّثاً عن قديروف بإشارةٍ إلى ذقنه في إيماءةٍ إلى لحية رئيسه: "لا يسمَع لأحدٍ سوى بوتين. بوتين وحسب".

رحيل بوتين قد يبدأ العام المقبل

وبينما لا يُعَد النظام الإقطاعي ذاك جديداً، إلَّا أنَّه يثير مخاوف أشمل، تتعلَّق بالاستقرار السياسي على المدى الطويل في روسيا. يحدُّ الدستور الروسي بوتين بالبقاء في الحكم لمدة فترتين متعاقبتين لا أكثر، تنتهي ثانيتها في عام 2024. وبما أنَّ بوتين آنذاك سيكون قد بلغ من العمر 71 عاماً، يُستبعَد أن يتمكَّن من "مناوبة" حليف مخلص في الرئاسة لفترةٍ رئاسية، كما فعل منذ 10 أعوام، ثم يعود للمنصب الرئاسي. وقال أشخاصٌ على مقربةٍ من الكرملين إنَّه قد تبدأ استعدادات انتقال السلطة الحتمي، والتي ربما تتضمَّن تغييراتٍ دستورية، في وقتٍ مبكر بدءاً من العام المقبل.

وقال نيكولاي بيتروف، المحلِّل السياسي المخضرم في موسكو: "لأكثر من 18 عاماً قوَّض بوتين مؤسساتنا السياسية. وفي هذا السياق، فإنَّ الوضع المحيط بالرئيس الشيشاني رمضان قديروف يمثِّل مخاطرةً بالفعل، وهي مخاطرة في رأيي مستخف بها. إنَّ الغموض المتعلِّق بما قد يأتي بعد عام 2014 يخلق خطراً بنشوب نزاعاتٍ داخلية. وفي أي نزاعٍ على السلطة، يمثِّل قديروف خطراً واضحاً".

يعتقد بعض المراقبين السياسيين الروس أنَّ قديروف، الذي يحظى بموالين له، ليس في الشيشان فحسب، بل في مناطق أخرى من روسيا، قد يقف في وجه موسكو للحصول على المزيد من الحكم الذاتي بمجرَّد رحيل بوتين. يحذِّر البعض الآخر بأنَّ أية محاولةٍ يقوم بها خليفة بوتين في الرئاسة لتطبيق القانون الروسي في الشيشان على نحوٍ أكثر صرامةً قد تُفجِّر نزاعاً دموياً جديداً، بحسب الصحيفة البريطانية.

شهد نظام قديروف انتهاكاتٍ للقانون الروسي، مثل حادثات زواجٍ قسري لشاباتٍ من مسؤولين بارزين في الحكومة وقال أحمد زكاييف، وهو مسؤولٌ شيشاني بارز سابق يعيش الآن منفياً في المملكة المتحدة، إنه في وقت الحروب الشيشانية "كانت الشيشان أكثر اندماجاً مع روسيا ممَّا هي عليه الآن".

قاديروف تغلغل في السياسة الروسية

كذلك ظهر أثر قديروف في السياسة الفيدرالية الروسية. عندما اعتُقِل مقاتل شيشاني على خلفية اشتباهٍ به بعد أن أُردي السياسي المعارض بوريس نيمتسوف قتيلاً بالرصاص في موسكو، في فبراير/شباط عام 2015، امتدحه قديروف باعتباره وطنياً خالصاً. وفي وقتٍ لاحق، أحبطت قوَّات الأمن الشيشانية محاولات المسؤولين الفيدراليين لاستجواب قائدٍ شيشاني فيما يتعلَّق بجريمة القتل.

منذ ذاك الوقت ازدادت سطوة قديروف أكثر من ذي قبل، واضعاً نفسه في منزلة قائد الروس المسلمين، فيما يتعدَّى حدود القوقاز، وأصبح يتدخَّل بشكلٍ متزايد في السياسة الخارجية الروسية. كان قديروف أحد الأوائل في روسيا ممَّن جاهروا باعتراضهم على اضطهاد ميانمار (بورما) لأقلية الروهينغا المسلمة فيها. كذلك عقد المسؤولون الشيشانيون محادثاتٍ سرية مع نظرائهم السعوديين حول تقديم الرياض إغاثةٍ إنسانية للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

جعلت المكانة المتصاعدة لرجلٍ لم يحظ بأي تدريبٍ سوى ماضيه كمقاتلٍ ضد روسيا، الكثيرين في المؤسسات الأمنية في موسكو مبيِّتين العزم ضده. وقال مسؤولٌ سابق بالكرملين: "في الشيشان، ليس الجيش في الحقيقة هو الجيش ولا الشرطة هي الشرطة. يكره العديد داخل الأجهزة الأمنية الروسية قديروف لهذا السبب، احتمالٌ كبير أن يحاول هؤلاء تحطيم نموذجه السياسي إذا ما تسنَّت لهم الفرصة. عندما يرحل بوتين، ستحلُّ لحظة خطرٍ أكيدة".

قد يجلب الاضطراب الذي تشهده الشيشان تبعاتٍ أليمة تتعدَّى حدود البلاد وحدها. تعيش مجموعة الشيشان الإثنية في الجمهوريات المجاورة مثل إنغوشيتيا وداغستان، في ظلِّ كون الأخيرة مصدراً لمئات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا. وعلاوةً على ذلك، بدأت جماعات متطرِّفة من الإسلام بالانتشار لتطال مناطق مسلمة هادئة في العادة بمختلف أرجاء روسيا.

"لا يوجد بديل لبوتين"

وبحسب الصحيفة البريطانية، تعتقد المؤسسة السياسية في موسكو أنَّ نموذج بوتين للشيشان هو الوحيد الناجح. وقال مسؤول الكرملين السابق: "لسوء الحظ، لا يوجد بديلٌ للحكم شبه الاستبدادي المفروض الآن في الشيشان، إذ إنَّ أي محاولة للتوجُّه للحكم الديمقراطي ستسفر فقط بإراقة الدماء من جديد". وفي الوقت الراهن، تستمر موسكو في دعمها لنظام قديروف بتقديمها له إعاناتٍ مالية مكثَّفة، تشكِّل قرابة نصف الميزانية السنوية لجمهورية الشيشان. وأضاف المسؤول السابق: "إنَّه الثمن الذي ندفعه في مقابل السلام"، مجادلاً بأنَّ السلام القائم والاقتصاد الآخذ في التحسُّن هي أمورٌ تعمل على المدى الطويل في صالح التغيير السياسي.

لكن سرعان ما يصرف زكاييف، وهو مدافعٌ عن حقّ الشيشان في الاستقلال، مثل تلك النظريات. ويقول: "طالما كانوا يظنُّون أنَّ الشيشان جزءٌ من روسيا، فإنَّ صورة الشيشان الوحيدة التي قد يحصلون عليها هي القائمة حالياً".

قلةٌ مَن يتوقَّعون أنَّ بوتين سيتخلَّى عن السلطة بشكلٍ كامل بعد ستة أعوام، ويعتقد الكثير من المحلِّلين أنَّه سيبتدع منصباً لنفسه يسمح له باستبقاء نفوذه على أيٍ كان مَن سيتقلَّد المنصب الأعلى في البلاد. لكن حتى مناورة كتلك من شأنها أن تُشيع اضطراباً في نموذج الحكم السياسي في الشيشان.

وقال مسؤولٌ أمني سابق ذو خبرةٍ في الشأن الشيشاني: "إنَّ إحدى المخاطر الرئيسية هي  أن يحاول عضوٌ بارز بالأجهزة الأمنية أن ينتهز الفرصة ليتخلَّص من قديروف، أي يُبقِى على نموذج الحكم لكن يستبدل رجله الرئيسي. الخطر الآخر هو أن يرتكب قديروف نفسه فعلاً إذا ما فقد يقينه بأنَّ بوتين يدعمه".

عقودٌ من النزاع في بلاد القوقاز

1992

الشيشان تعلن استقلالها عن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

1994

القوَّات الروسية تجتاح الشيشان لسحق حركة الاستقلال.

1997

روسيا والشيشان توقِّعان اتفاقية سلام.

1998

أحمد قديروف، المفتي العام في الشيشان الذي حارب ضد روسيا في حرب الشيشان الأولى، يجتمع سراً بفلاديمير بوتين، الذي كان آنذاك رئيس جهاز الأمن الفيدرالي، في موسكو.

1999

مقتل أكثر من 300 شخص في سلسلةٍ من الهجمات في روسيا تحمِّل الحكومة الروسية مسؤوليتها على انفصاليين شيشانيين. من جديدٍ يرسل بوتين، رئيس وزراء روسيا آنذاك، قواتٍ روسية إلى الشيشان. هذه المرة تقاتل ميليشيات قديروف، التي يقودها الآن ابنه رمضان، في صفِّ الروس.

2000

أحمد قديروف يتولَّى منصب رئيس إدارة الشيشان، وقد أصبحت الآن جمهوريةٍ ضمن الاتحاد الروسي.

2003

أحمد قديروف رئيساً للشيشان. ويرأس رمضان قديروف جهاز الأمن الرئاسي.

2006

رمضان قديروف يتولَّى منصب رئيس وزراء الشيشان.

2007

رمضان قديروف رئيساً للشيشان.

2009

بعد مرور عامين، روسيا تُنهي عمليَّاتها لمكافحة الإرهاب في الشيشان.

2011

بعد إلغاء المنصب الرئاسي، يستمر رمضان قديروف زعيماً لجمهورية الشيشان.


اقرأ أيضاَ

مبالغ طائلة للتصوير مع المشاهير وتابعه على إنستغرام أكثر من ضعف سكان الشيشان.. "هوس" قاديروف الذي ورّط صلاح أيضاً!

تحميل المزيد