قبل 40 عاماً من الآن، كانت أفكار نهاية العالم ومعركة هرمجدون العظيمة تسيطر على عقول وقلوب عدد كبير من داعمي وأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة هؤلاء الإنجيليين، ولكن الآن أصبحت هذه المقولات من الماضي، وخفت صوت أصحابها.
عدد كبير في اليمين المسيحي، يعد قيام إسرائيل مفتاحاً لتحقق النبوءة. لكن للجيل الجديد رأي آخر، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
في حفل نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، كان من ضمن المتحدثين الأميركيين اثنان من أبرز الإنجيليين في أميركا، هما القس روبرت جيفريس، مؤلف العديد من كتب القيامة حول إسرائيل، وجون هاجي، الذي فسر خسوف القمر الأخير على أنه دليل على اقتراب نهاية الزمن. بينما أعلنت الشخصية دائمة الظهور على قناة "فوكس نيوز"، جانين بييرو، أن ترمب "حقق نبوءة توراتية".
وتزامن الاحتفال مع الاحتجاجات الضخمة، التي قُتل فيها 60 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية.
على بعد آلاف الأميال، في منزلها خارج كولورادو سبرينغز، جلست كيمبرلي تروب في مكتبها بالطابق السفلي. إنها مسيحية إنجيلية تؤمن بشدة بمقولة الرب في الكتاب المقدس عن الأمة اليهودية: "سأبارك من يبارككم، وألعن من يلعنكم"، كما تقول الصحيفة البريطانية.
وفقاً لذلك، كرست 22 سنة من عمرها لإسرائيل. وهي الآن المديرة الأميركية لجمعية الأصدقاء المسيحيين للمجتمعات الإسرائيلية، وهي مجموعة مناصرة لإسرائيل ذات أيديولوجية صهيونية. ويعمل معها موظفان آخران في المنظمة، وكان ثلاثتهم مشغولين للغاية، هذا الأسبوع.
ومنذ أن كانت طفلة، في ولاية كنتاكي، انغمست تروب في الشأن الإسرائيلي. رأى والدها أن إنشاء الدولة اليهودية في عام 1948 وحرب الأيام الستة في عام 1967 دليل على نبوءة توراتية تنبئ بنهاية العالم. تؤمن تروب بنبوءات كهذه، على الرغم من أنها لا تتظاهر بمعرفة وقت حدوثها، إلا أنها ترى أن من واجبها كمسيحية دعم إسرائيل، والدفاع عنها ضد "العرب" الذين "ليسوا مهتمين بالسلام"، بحسب الصحيفة البريطانية.
حين كانت توضح موقفها تحدَّث مرافق لها كان صامتاً، مقتبساً عن سفر إشعيا: "أنت الذي تدعو الرب، لا تسترح، ولا تمنحه الراحة حتى يقيم أورشليم ويجعلها جنة الله في الأرض".
لطالما كان للمسيحيين حول العالم اهتمام شديد بالأرض المقدسة. وكانوا يعتقدون على نطاق واسع أن عودة اليهود إلى فلسطين مرة أخرى ستؤدي إلى حرب مقدسة بين الخير والشر (كما ورد في النبوءة في سفر الرؤيا)، وبعد ذلك سيقيم الله مملكة مقدسة على الأرض، بحسب The Guardian.
في السبعينيات، كان والد تروب واحداً من الملايين الذين اشتروا كتاباً بعنوان "الأرض العظمى القديمة"، وهو ما فسَّر الأحداث في إسرائيل كدليل على أن حرب هرمجدون العظيمة ستحدث في أواخر الثمانينات. وكان أكثر الكتب مبيعاً في تلك الحقبة الزمنية، تبعها مجلد عن مؤامرة نهاية الزمن بعنوان "النظام العالمي الجديد"، من قبل المصوِّر التلفزيوني بات روبرتسون، ثم سلسلة روايات وأفلام Left Behind التي تحكي عن الاشتباكات العنيفة في إسرائيل، التي من شأنها أن تحقق النبوءة التوراتية.
بالنسبة لغير المؤمنين، تبدو هذه الأعمال الشعبية حول القيامة وكأنها درب من الخيال. لكن بالنسبة لملايين المسيحيين، هي خريطة طريق نحو نهاية العالم، بحسب الصحيفة البريطانية.
"لقد مررنا بكل هذا من قبل"
لقد أدَّى نقل السفارة الأميركية إلى ترسيخ فكرة -لا يشاطرها الشعب الفلسطيني- بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وهي جزء أساسي من لغز نهاية الزمن. في استطلاع حديث للإنجيليين من LifeWay، قال أكثر من نصف المشاركين إن نبوءة نهاية الزمان هي السبب الرئيسي لدعمهم لإسرائيل.
ومع ذلك، فإن كولورادو سبرينغز، التي كانت في أوج إدارة جورج دبليو بوش معروفة بشكل غير رسمي باسم "فاتيكان الإنجيليين"، فإن مثل هذا التأويل لخطوة نقل السفارة ليس عامّاً، بحسب الصحيفة البريطانية.
قال بروس ماككلاج، وهو إنجيلي سابق يُعرف نفسه الآن بأنه "تابع المسيح"، "لقد مررنا بكل هذا من قبل". خلال فترة شبابه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كان ماككلاج منضماً إلى الحركة المسيحية، التي فسَّرت علامات إسرائيل كدليل على اقتراب نهاية الزمان. لكن بالنسبة إلى ماككلاج تلاشت هذه القناعات ببطء، بعد أن خالفت الأشياء السير على النحو الذي كان المفترض أن تسير وفقه.
ويضيف "لقد كانت تلك الأمور أداة كلاسيكية تُستخدم في التعالي على الناس ومراقبتهم". "نسأل: إذا عاد يسوع اليوم، هل ستذهب إلى الجنة؟ لقد كان نوعاً من التهديد… وآمنَّا أنه إذا دعمنا إسرائيل، يمكننا التعجيل بعودة المسيح".
بشعره الأشقر الطويل ولحيته الصغيرة المدببة، بيدو ماككلاج وكأنه ما زال عضواً في جماعة يسوع المسيح في كاليفورنيا، وهي حركة من المسيحيين في مرحلة ما بعد الهيبيين الذين كانوا مهووسين بنبوءة نهاية الزمان. (ومصطلح "المتروك left behind" تم اقتباسه من أغنية شعبية في ذلك العصر، وهي "أتمنى أن نكون جاهزين"، للاري نورمان، الأب الروحي لموسيقى الروك المسيحية). لا يزال ماككلاج يذهب للكنيسة، يصلي ويقرأ الكتاب المقدس، ولكنه انسحب ببطء من اليمين المسيحي، بحسب الصحيفة البريطانية.
واليوم، يجلس في مقر وايلد غوس في وسط مدينة كولورادو سبرينغز، وهو مكان معروف بكونه مكاناً لتجمع الـ"ما بعد الإنجيليين" أو "الإنجيليين التقدميين". يبدو مثل أي مقهى عصري آخر أنيق، يقدم القهوة المحمصة والبيرة ومقطوعات من موسيقى الروك. وكتب تحمل عناوين مثل "المسيحية بعد الدين Christianity After Religion" و"إعادة ميلاد الرب The Rebirthing of God" على الرفوف. وهناك أيضاً تُنظم باعتيادٍ فعاليات مثل "ما الخمر الذي يشربه المسيح؟"، وهي دراسة عن الكتاب المقدس تركز على البيرة.
كيف تعرف أصحاب اليمين المسيحي؟
وبحسب الصحيفة البريطانية، إن السمات المميزة لثقافة اليمين المسيحي القديم لا تزال موجودة: فهم طبقة من البيض، من الطبقة الوسطى، ويتخلّلهم جنود بملابسهم العسكرية. في المدينة خمسة منشآت عسكرية، لكن هذا المتجر يمثل تغيراً في الموقف تجاه المسيحية في وسط مدينة كولورادو سبرينغز، وهو موقف غير مهتم بخطاب نهاية الزمن المحيط بإسرائيل.
قال روس وير، الشريك في ملكية Wild Goose، الذي نشأ إنجيلياً لكنه لم يعد يعترف بآرائهم "هناك الكثير من الشباب في وسط المدينة يسمون أنفسهم إنجيليين، بل وحتى محافظين، لكنهم جيل مختلف تماماً عن آبائهم".
"هم في الغالب ليسوا من أنصار ترمب. لديهم مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول قضايا المثليين، كما أنهم غير متوافقين حول موضوع نهاية العالم… هناك بالتأكيد نوع من الملل الذي انتاب هذا الجيل حول موضوع نهاية الزمن".
وقد نشأ هذا الجيل من "الإنجيليين التقدميين" على نوعية من الأفلام الرخيصة ذات الميزانيات المنخفضة والروايات الشعبية التي حقنتهم بخوف تجاه النشوة اللحظية القادمة، وهي ديناميكية وصفها ببلاغة الراحل بيلي جراهام. إذ قال "أنا أمسك الكتاب المقدس في يد وأمسك الصحيفة في اليد الأخرى. وما قرأته في الصحيفة هو تقريباً ما قرأته في الكتاب المقدس. تتحقق نبوءات الكتاب كل يوم حولنا"، بحسب الصحيفة البريطانية.
في التسعينات، كان كريستوفر ستروب أحد هؤلاء الإنجيليين. وقد تخلّى الآن عن إيمانه، ويقود حملة إعلامية اجتماعية تسعى إلى حشد "التبشيريين السابقين" بهاشتاغات مثل #emptythepews و#raptureanxiety. وقال "رأينا بالتأكيد الكثير من الإنجيليين السابقين الذين أثارتهم أخبار القدس".
لا يقتصر التشكيك في سيناريو نهاية الزمن على الإنجيليين الجدد وحدهم. تعتقد كيمبرلي تروب أن إسرائيل ستكون مركز هرمجدون، لكنها لا تعتقد أن ذلك سيحدث الآن. وأصدر مؤلف كتاب والدها المفضل أجزاء أخرى تكهنت بتواريخ لاحقة لدمار الأرض. وهي تشك في صدق كل من يدعي أنه يعرف متى سينتهي العالم.
وقالت: "كان الخوف الكبير هو أن نقل السفارة إلى القدس سيكون بداية الحرب العالمية الثالثة هرمجدون". "هناك القليل من الاضطرابات لكن لا شيء جديد. لقد عشنا في هذه الاضطرابات لمدة 600 سنة. ستسير الأمور كالمعتاد… يبدو الأمر أسوأ مما هو عليه لأنك تسمع عن الأشياء السيئة فقط في وسائل الإعلام".