قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية في تقريرها يوم الأحد 25 فبراير/شباط 2024، إن "سلطة السكان والهجرة" الإسرائيلية ترفض إصدار تأشيرات العمل لموظفي المنظمات غير الحكومية الدولية التي تعمل في مجال الإغاثة في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة. ويأتي ذلك في وقت يفترض فيه أن تفحص محكمة العدل الدولية مدى تنفيذ إسرائيل لأوامر المحكمة بشأن زيادة المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة.
المنظمات غير الحكومية تواجه تعنت من إسرائيل
تزعم السلطات الإسرائيلية منذ يناير/كانون الثاني 2024 أن هذا التأخير يرجع إلى انشغال وزارة الرفاه الاجتماعي وسلطة السكان والهجرة بالعمل على إعادة هيكلة ترتيبات منح التأشيرات لموظفي المنظمات غير الحكومية الدولية ومع ذلك، تماطل وزارة الرفاه الاجتماعي منذ أشهر في إتمام الإجراءات المنوطة بها، على الرغم من أنها قدمت تعهدات مكتوبة بذلك من قبل.
لدى مكتب التعاون الدولي في وزارة الرفاه الاجتماعي الإسرائيلية تسجيل بنحو 160 من المنظمات غير الحكومية العاملة في الإغاثة الدولية تعمل في قطاع غزة والضفة الغربية (والقدس الشرقية). والمكتب مسؤول كذلك عن التجديد السنوي لتصريحات هذه المنظمات بالعمل ضمن الجمعيات غير الربحية.
المنظمات غير الحكومية.. أزمة في التأشيرات
على الرغم من أن تأشيرات الموظفين كانت تُمدد تلقائياً إذا تعطل إصدارها لأي سبب من الأسباب -أثناء وباء كورونا مثلاً- فإنها لم تُمدد هذه المرة، بل أمرت سلطة السكان والهجرة موظفي المنظمات غير الحكومية الدولية بالمغادرة فوراً، وأصرت على ذلك رغم أنهم تقدموا بالوثائق ونفذوا الإجراءات القانونية المطلوبة.
كما قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن العاملين في المنظمات غير الحكومية، محل الأزمة، يخشون أن تكون هذه التعقيدات البيروقراطية التي تورطوا فيها تُخفي من ورائها دوافع سياسية ترمي إلى الإضرار بعملهم. وأشار الموظفون إلى أن التأخر في منح التأشيرات عطَّل بالفعل أنشطة عشرات من المنظمات المشاركة في جهود إدخال المواد الغذائية والمياه وتوزيعها على سكان قطاع غزة، فضلاً عن تعثر جهود الرعاية الطبية، والإضرار بأعمال الإغاثة لعشرات الفلسطينيين الذي هجَّرهم عنف المستوطنين وضغوط الإدارة المدنية والجيش الإسرائيلي من أراضيهم في الضفة الغربية المحتلة.
المنظمات غير الحكومية.. ما بين تعقيدات إسرائيلية واستقالة الموظفين
على إثر ذلك، اضطر عشرات من موظفي المنظمات غير الحكومية العاملين في مجال الإغاثة، معظمهم من دول غربية، إلى ترك وظائفهم أو عجزوا عن العودة من الخارج إلى مكاتبهم في القدس الشرقية ورام الله، ولم يتمكن المنضمون حديثاً إلى المنظمات من تسلم وظائفهم. وقرر بعض الموظفين البقاء في إسرائيل، على الرغم من انتهاء صلاحية تأشيراتهم، لكن حركتهم مقيدة، ويقضون الأيام في خوف دائم من الترحيل.
يأتي ذلك فيما ترفض وزارة الرفاه الاجتماعي طلبات تجديد التأشيرات لموظفي المنظمات غير الحكومية العاملين في مجال الإغاثة في إسرائيل وفي الخارج منذ يناير/كانون الثاني 2024، ولا تقدم أي أسباب لذلك. وترفض سلطة السكان والهجرة قبول طلبات تجديد التأشيرة؛ لأنها غير مرفقة بخطاب الموافقة من وزارة الرفاه. ومع ذلك، طالب مسؤولو السلطة موظفي الإغاثة الذين لم يجددوا تأشيراتهم بمغادرة البلاد بحلول 8 فبراير/شباط.
وطلب يوتام بن هليل، المحامي الذي يمثل منتدى كبير للمنظمات الدولية، تدخل المستشارة القانونية للحكومة غالي بيهارف ميارا، وأشار في رسالته لها إلى أن كثيرين من بين مَن رُفضت طلبات تأشيراتهم هم رؤساء تنفيذيون في منظمات تعمل في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهم "مفوضون بالتعامل مع السلطات الإسرائيلية والبعثات الأجنبية والمنظمات الدولية في إسرائيل"، و"مسؤولون رئيسيون عن جمع الأموال والتنسيق الإنساني في نقل المساعدات وغير ذلك من الجهود المرتبطة بالإغاثة الإنسانية في غزة، مثل الإمدادات الغذائية وتوفير المياه والصرف الصحي والمأوى، فضلاً عن إدارة الميزانية والتوقيعات مع البنوك في إسرائيل وفي المناطق [الفلسطينية المحتلة]".
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الرفاه الاجتماعي الإسرائيلية والمتحدث باسم وزارة الأمن القومي، إنه "تقرر نقل مسؤولية إصدار التأشيرات التي تخص المنظمات غير الحكومية إلى هيئة حكومية أخرى بسبب الظروف الأمنية المعقدة التي نشأت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ونحن نتعاون مع زملائنا في الوزارات الحكومية ذات الصلة لإنجاز الإجراءات اللازمة".
المنظمات غير الحكومية.. ومساعدات قليلة تصل غزة
في سياق متصل، وصلت مدينة غزة مساعدات إنسانية محدودة، الأحد، في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر على المناطق الشمالية، وسط استمرار الحرب.
وأفاد شهود عيان، بأن 10 شاحنات تحمل الدقيق والسكر دخلت مدينة غزة. وذكر الشهود أن آلاف المواطنين توافدوا على تلك المساعدات بالقرب من منطقة الشيخ عجلين غرب مدينة غزة.
وأوضح الشهود أن المساعدات لم يتم إيصالها لمحافظات شمال قطاع غزة، وأنها وصلت فقط لمدينة غزة، بسبب توافد الفلسطينيين عليها.
وليست تلك المساعدات الأولى التي وصلت مدينة غزة، فخلال الأسابيع الماضية وصلت المدينة مساعدات محددة، لكنها لم تصل محافظات شمال قطاع غزة (بيت لاهيا، وجباليا، وبيت حانون)، بسبب توافد المواطنين عليها بشكل كبير.
المنظمات غير الحكومية الشريكة في دعم غزة
في 16 فبراير/شباط 2024 أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أنه بين الأول من يناير/كانون الثاني و12 فبراير/شباط، رفضت السلطات الإسرائيلية وصول 51% من البعثات التي خططت لها المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني لإيصال المعونات وإجراء تقييمات إلى المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة.
وحسب الأمم المتحدة، تشير التقارير إلى تزايد المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي الحاد في شتى أرجاء قطاع غزة، حيث يتزايد عدد التقارير عن الأسر التي تكافح من أجل إطعام أطفالها، ويزداد خطر الوفيات الناجمة عن الجوع في شمال القطاع.
وأوضح مكتب "أوتشا" أن أكثر من نصف شحنات المساعدات إلى شمال غزة منعت من الوصول الشهر الماضي، وأن هناك تدخلاً متزايداً من الجيش الإسرائيلي في كيفية ومكان تسليم المساعدات.
ويضيف أن ما يقدر بـ300 ألف شخص يعيشون في المناطق الشمالية محرومون إلى حد كبير من الحصول على المساعدات، ويواجهون خطر المجاعة المتزايد.
جدير بالذكر أنه وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن السكان في شمال قطاع غزة أصبحوا "على حافة المجاعة ولا ملاذ يؤوون إليه" في ظل الحرب المستمرة.
يذكر أنه ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".