في أحد متاجر البحرين، تحمل جنى عبد الله (14 عاماً)، جهازاً لوحياً في أثناء تسوّقها مع والدتها، لتُراجع قائمة بأسماء منتجات غربية بهدف عدم شرائها، في وقت تواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة، وانضمت جنى وشقيقها علي (10 أعوام)، واللذان كانا قبل بدء الحرب يتناولان يومياً وجبات سريعة من "ماكدونالدز"، إلى كثيرين في الدول العربية لبوا نداءات حملة لمقاطعة منتجات شركات عالمية كبرى يعتبرونها تدعم إسرائيل.
تقول جنى لوكالة فرانس برس: "لقد بدأنا بمقاطعة كل المنتجات التي تدعم إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، ولا نريد أن تسهم أموالنا في مزيد من المعارك"، مشيرة إلى أنها تبحث عن منتجات محلية بدلاً من تلك المستوردة المرتبطة بحلفاء إسرائيل، خصوصاً الأمريكية.
مسيرة في الخليل بالضفة الغربية المحتلة يحمل المشاركون فيها لافتة تعتبر عدم المقاطعة مساهمة في قتل أطفال غزة (الفرنسية)
انتشار دعوات المقاطعة في العالم العربي
انتشرت دعوات المقاطعة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما على "تيك توك"، واكتسبت الحملة زخماً كبيراً في العالم العربي منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومنذ ذلك الوقت يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفاً مدمراً ومتواصلاً على قطاع غزّة المحاصر؛ ما أدى إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص نصفهم أطفال، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة بغزة.
وتنديداً بالقصف الإسرائيلي، ترافقت حملة المقاطعة مع دعوات للدول العربية لقطع علاقاتها بإسرائيل، في حين تشهد دول عدة في الشرق الأوسط تظاهرات أسبوعية تضامناً مع الفلسطينيين.
حيث استدعت تركيا والأردن سفيرَيهما في تل أبيب، في حين أعلنت السعودية تعليق مفاوضات التطبيع. واستدعت جنوب أفريقيا دبلوماسييها للتشاور. وفي البحرين التي طبّعت علاقاتها مع الدولة العبرية عام 2020، أعلن مجلس النواب "وقف" العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، بينما لم تؤكد الحكومة الأمر.
ملصقات تدعو للمقاطعة وتندد بإسرائيل وأمريكا على جانبي باب اليمن أحد أبرز المعالم التاريخية والسياحية في صنعاء (الأوروبية)
تنتشر الدعوات إلى المقاطعة، التي يطلقها شباب متمرسون في مجال التكنولوجيا، على مواقع إلكترونية مخصصة وتطبيقات على الهواتف الذكية تحدد المنتجات التي يطالبون بعدم شرائها.
ويعمل ملحق لمتصفح "جوجل كروم" سمي "بالستاين باكت" alestinePact (أو ما ترجمته ميثاق فلسطين)، على إخفاء منتجات واردة في إعلانات عبر الإنترنت في حال كانت مدرجة على قائمة المقاطعة.
لوحات عملاقة بصور لأطفال غزة للتوعية بالمقاطعة
تُستخدم الطرق التقليدية أيضاً، فعلى جانب طريق سريع يتضمن 4 خطوط في الكويت، تُظهر لوحات إعلانية عملاقة صوراً لأطفال ملطّخين بالدماء. وأُرفقت الصور بشعار صادم يقول: "هل قتلت اليوم فلسطينياً؟" مع هاشتاغ "مقاطعون"، في رسالة موجّهة إلى المستهلكين الذين لم ينضموا إلى حملة المقاطعة بعد.
ويعتبر عضو "حركة مقاطعة الكيان الصهيوني" في الكويت مشاري الإبراهيم، أن "ردود الفعل الغربية بعد العدوان الذي استهدف غزة، عززت انتشار المقاطعة في الكويت، وولدت صورة ذهنية لدى الكويتيين بأن شعارات الغرب وما يردده عن حقوق الإنسان لا تشملُنا".
وأضاف في تصريح لـ"فرانس برس": "المقاطعة واضحة حتى الآن، وردود فعل وكلاء العلامات التجارية داخل البلاد تؤكد تأثير الحملة".
"ماكدونالدز" هدف رئيسي للمقاطعة
وجدت سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" نفسها هدفاً رئيسياً، الشهر الماضي، بعد إعلان "ماكدونالدز" فرع إسرائيل أنه قدم آلاف الوجبات المجانية للجيش الإسرائيلي، ما أثار استياء الرأي العام العربي.
ونشرت فروع ماكدونالدز في عدد من الدول العربية بياناً صادراً عن مجموعة "ماكدونالدز العالمية" تؤكد فيه أن لا علاقة لها بـ"التصرف الفردي" من قبل الوكيل في إسرائيل، وأنها "لا تموّل أو تدعم بأي شكل من الأشكال أي حكومات أو جهات داخلة في هذا الصراع".
وأعلنت شركة "ماكدونالدز الكويت" وهي وكالة منفصلة، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، التبرع بـ"50 ألف دينار كويتي (أي أكثر من 160 ألف دولار) لأهلنا في غزة"، مؤكدةً أن متجرها "يقف مع فلسطين". وكذلك قدّمت "ماكدونالدز قطر" مليون ريال قطري (نحو 275 ألف دولار) "للمساهمة في جهود إغاثة أهالي غزّة".
وفي قطر، اضطرت بعض الشركات الغربية إلى الإغلاق بعد أن قامت إداراتها بنشر محتوى مؤيد لإسرائيل على شبكات التواصل.
وفي مصر، لاقت شركة المياه الغازية المصرية "سبيرو سباتس"، التي كانت شعبيتها ضئيلة جداً، رواجاً كبيراً كبديل للعلامتين الشهيرتين "بيبسي" و"كوكاكولا".
ونشرت الشركة التي تأسست عام 1920، بياناً على صفحتها بـ"فيسبوك" يفيد بتلقيها أكثر من 15 ألف سيرة ذاتية عندما أعلنت طلبها موظفين جدداً لتلبية رغبتها في توسيع النشاط التجاري بعد الطلب الكبير على منتجاتها.
غير أن الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية حذر من أن المقاطعة قد يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد المصري.
وقال الاتحاد في بيان، إن "مثل تلك الحملات لن يكون لها أي تأثير على الشركات الأم"، لأن الفروع المحلية تعمل بنظام الامتياز التجاري، ومن ثم فإن "الأثر سيكون فقط على المستثمر المصري والعمالة المصرية".
وانتشرت النكات والتعليقات الساخرة في هذا الصدد، إذ كتب مستخدم تعليقاً على إحدى صور منتجات عصير محلي: "هذه المقاطعة جعلتنا نتعرف على منتجات لم نكن نريد أن نتعرف عليها".
وفي الأردن، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تشير إلى العلامات التجارية التي تُتهم بأنها تدعم إسرائيل، مع شعار "لا تساهم في ثمن رصاصهم".
وفي أحد متاجر العاصمة عمّان، يحدّق أبو عبد الله جيّداً في زجاجة حليب، ويقول لابنه عبد الله البالغ 4 أعوام: "هذا جيّد، إنه مصنوع في تونس". ويضيف: "هذا أقل ما يمكن أن نفعله من أجل أشقائنا في غزة"، مؤكداً أنه "ينبغي لنا المقاطعة".