وجّه قائدا طرفي الصراع في السودان، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع؛ اتهامات "قاسية" متبادلة، وذلك خلال لقاء أجرته معهما صحيفة The Financial Times البريطانية، حيث ألقى كل منهما اللوم على الآخر في النزاع الدائر بالسودان.
ووصف كل منهما خصمه بأنه "مجرم" مسؤول عن قتل المدنيين، وقد عمد كل منهما إلى تصعيد الحرب الكلامية على نحو يشير إلى أنه لا مجال للتسوية بينهما في صراع السيطرة على ثالث أكبر دولة في إفريقيا.
زعيم "عصابة إسلامية متشددة"
حيث وصف حميدتي خصمه بأنه زعيم "عصابة إسلامية متشددة" تسعى إلى توطيد ديكتاتورية عسكرية في البلاد، كما اتهم القوات المسلحة السودانية، تحت قيادة البرهان، بأنها استهدفت مستشفيات وأهدافاً غير عسكرية في حملتها على قوات الدعم السريع.
أضاف حميدتي في حديثه لصحيفة "فايننشيال تايمز" من الخرطوم: "نحن جاهزون لهجماته علينا، لكن المدنيين ليسوا كذلك"، "نسأل الله أن نتمكن منه، ويُقبض عليه لتسليمه إلى العدالة".
ولدى سؤال حميدتي عما إذا كانت قواته ستنتصر، أجاب: "نحن مستعدون، والقتال دائر الآن في ساحة المعركة، وهي التي ستحدد كل شيء".
البرهان يهاجم حميدتي
وفي لقاء أجرته الصحيفة البريطانية مع عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية والرئيس الفعلي للبلاد، اتهم البرهان قوات الدعم السريع باستخدام العنف العشوائي دون تمييز المدنيين من العسكريين.
وقال البرهان: "جزء كبير من قوات [حميدتي] خارج عن السيطرة، وقد ارتكبوا أعمال نهب واسعة النطاق في الخرطوم وفي دارفور غربي البلاد".
في السياق ذاته، اتهم البرهان خصمه حميدتي بإثارة أزمة دبلوماسية بعد "اختطاف" مجموعة من الجنود المصريين، الذين قال إنهم كانوا بالسودان في مهمةٍ رسمية ضمن تدريب مشترك للقوات المسلحة بين البلدين.
فيما زعم أن قوات الدعم السريع قتلت موظفين كانوا يعملون في الطواقم التابعة لبرنامج الأغذية العالمي، وهاجموا قافلة تابعة للسفارة الأمريكية. وهي مزاعم لم يتسنّ إجراء تحقيق مستقل بشأنها.
في المقابل، شدَّد حميدتي على أن البرهان هو من "نشر الخوف بين الناس، والضيوف، والدبلوماسيين".
لا بوادر لإنهاء الصراع
في معرض التعليق على هذه التصريحات، قلَّلت خلود خير، المحللة السياسية السودانية، من فرص نجاح الجهود الدولية في وقف الصراع، وقالت إنه "صراع وجودي بين القائدين العسكريين"، وهما "عازمان على المضي قدماً فيه حتى النهاية".
وذهب تشيدي أودينكالو، من كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس الأمريكية، إلى الرأي نفسه، قائلاً إن أياً من الرجلين لن يتراجع حتى بلوغ النصر التام على خصمه، ولذلك فإنه يرى أن "واحداً منهما لن يستمر في السلطة".
من جهة أخرى، قال حميدتي إنه لا يعارض من حيث المبدأ دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية، "قوات الدعم السريع لها دورٌ محدد، ونحن لم نرفض الاندماج"، واتهم البرهان بأنه ليس مستعداً في الواقع لتنفيذ الاتفاقية الإطارية التي كان من المقرر أن تمهِّد الطريق للحكم المدني.
وبينما قال البرهان إن حميدتي كان يتحرك "للاستيلاء على السلطة"، فإن قائد قوات الدعم السريع قال إنه لا يزال على استعداد لوقف الأعمال العدائية، و"ليس لدينا مانع من وقف القتال"، لكن "البرهان لن يتوقف".
رداً على ذلك، قال البرهان إن الناس يناصرون الجيش في حربه على قوات الدعم السريع، وبمجرد أن يُهزم حميدتي، يمكن للبلاد أن تستأنف انتقالها إلى الديمقراطية، "فالجيش متمسك باستكمال العملية السياسية وفق الاتفاق الإطاري، ونقل السلطة إلى حكومة مدنية".
من الجانب الآخر، قدّم حميدتي أيضاً دعماً خطابياً لنقل السلطة إلى المدنيين، غير أنه اتهم البرهان بالانحياز إلى من وصفهم بالإسلاميين المتشددين العازمين على استعادة ديكتاتورية مماثلة لتلك التي بناها الرئيس السابق عمر البشير، "فالبرهان وعصابته من الإسلاميين وصلوا إلى السلطة وليسوا مستعدين للتخلي عنها".
اشتباكات مستمرة
في غضون ذلك، استمرت الاشتباكات العنيفة الدائرة للسيطرة على مطار الخرطوم الدولي، الذي يعده كل طرف مركز قيادة لقواته، وقد اشتعلت النيران في عدة طائرات مدنية. وقال البرهان إن "أياً من الطرفين لم يسيطر على المطار".
وأقرَّ حميدتي بأن قوات البرهان تتمتع بأفضلية القوة الجوية -فقوات الدعم السريع ليست لديها طائرات- وميزة المدفعية الثقيلة، لكنه شدد على أن الطرفين متعادلان في ساحة المعركة، نافياً ما وصفه بالتخمينات الغربية عن وجود مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية قد ينخرطون في القتال إلى جانب قواته، وادعى أن هذه المخاوف نوع من "الرهاب".
وعلى الرغم من أن فاغنر قد شاركت بالفعل في تدريب قوات الدعم السريع ضمن تدريبات للقوات المسلحة السودانية قبل عام 2019، قال حميدتي إنه أوقف التعامل مع مجموعة المرتزقة الروسية منذ أن صنفتها وزارة الخزانة الأمريكية منظمةً إجرامية هذا العام، "فقد كنت على علاقة جيدة معهم، ولكن ما أن فرضت العقوبات عليهم، طلبت بنفسي من البرهان [حين كان حميدتي نائباً له] أن يقتصر تعاملنا مع روسيا على الاتحاد الروسي".