تُعتبر المنطقة العربية بوجه عام منطقة زلزالية معتدلة. فالفترات الزمنية بين كل زلزال وآخر طويلة نسبياً، وقوة الزلازل فيها متوسطة، كما أن دول الخليج العربي تتأثر فقط بالزلازل الكبرى التي تحدث في إيران ونادراً ما يكون هذا التأثير تدميرياً.
في حين أن مناطق شمال إفريقيا مثلاً، الواقعة فوق الصفيحة الإفريقية، تشهد حصول زلازل متكررة -وربما أكثر قوة- خصوصاً في الجزائر والمغرب.
من جهتها، فإن منطقة الشرق العربي تقع على ما يُسمّى "الصفيحة العربية"، وتضمّ: العراق، ومعظم سوريا، ومعظم لبنان، والأردن، ودول الخليج. وهذه الصفيحة تتحرك باتجاه شمال شرق مبتعدة عن الصفيحة الإفريقية؛ مما يشكل ضغطاً على صفيحة أوراسيا أو الصفيحة الإيرانية.
الصفيحة العربية أقلّ سماكة من الصفيحة الإيرانية، وبالتالي فإنها تغوص أو تنزل أسفلها، وهذا التضاغط بين الصفيحتين يؤدي إلى حصول إجهادات متراكمة تقود في النهاية إلى حصول تكسّر، وبالتالي وقوع زلزال.
والصفيحة العربية هي واحدة من ثلاث صفائح تكتونية (الصفيحة القشرية الإفريقية والعربية والهندية)، والتي تتحرك باتجاه الشمال منذ ملايين السنين متجهة لارتطام حتمي بأوراسيا. وسيكون نتيجة ذلك حدوث اندماج بين السلاسل الجبلية الممتدة في الغرب من جبال البرانس، عبر جنوب أوروبا والشرق الأوسط، إلى جبال الهيمالايا وسلاسل جبلية في جنوب شرق آسيا.
أبرز الزلازل في بلاد الشام
وفقاً لتقريرٍ نشرته BBC تشرح فيه تفاصيل حدوث الزلازل، فإن الصفائح تتحرك سواء باتجاه بعضها، أو تبتعد عن بعضها، كما يُمكن لبعضها أن يتخطى الآخر. وفي هذه الحالات يحدث الزلزال، ويمكن أن يكون بسيطاً أو مدمراً.
ويتم تحديد قوة الزلازل حسب القوة التي تحركت بها الصفائح التكتونية، وتعرف النقطة التي تحدث فيها هذه الحركة بالبؤرة الزلزالية. وقد شهدت الدول العربية مجموعة بؤر زلزالية على مرّ التاريخ القديم والحديث، خلّف عددٌ كبير منها دماراً هائلاً وقتل الآلاف.
أكبر زلازل سوريا:
* زلزال دمشق سنة 847:
في 24 أكتوبر/تشرين الأول 847 شهدت مدينة دمشق زلزالاً متعدد الضربات، امتد من المدينة السورية إلى مدينة أنطاكيا التركية شمالاً، والموصل شرقاً.
تجاوز عدد الضحايا الناجم عن هذا الزلزال 20 ألف شخص في أنطاكيا، و50 ألفاً في الموصل، فيما يعتقد العلماء أنه من بين أقوى الزلازل التي ضربت صدع البحر الميت في التاريخ.
* زلزال حلب 1138:
في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1138 شهدت مدينة حلب أحد أقوى الزلازل في التاريخ، وقد تسبب في مقتل أكثر من 230 ألف شخص، وفقاً لموسوعة Britannica؛ فيما بلغت قوته 8.5 درجات على مقياس ريختر.
* زلزال حماة 1157:
سنة 1157، حدث أحد أكثر الزلازل المدمرة في تاريخ المنطقة، بعدما قُدّر عدد الضحايا بعشرات الآلاف.
ويذكر المؤرخ اللبناني د. عمر تدمري في كتابه "تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور" أن الزلزال العظيم هذا أصاب كونتية طرابلس، التي كانت تحت الحكم الصليبي في زمن الكونت ريموند الثالث، وهلك أكثر أهلها، فيما هُدم كثيراً من أبنيتها.
زلازل فلسطين
* زلزال الجليل 363:
هو زلزال مدمّر، بقوة 7 درجات، ضرب جنوب شرق بلاد الشام يوم 18 مايو/أيار عام 363. كان مركزه مدينة الجليل شمالاً وامتدت آثاره على طول صدع البحر الميت، حتى خليج العقبة جنوباً.
تسبّب زلزال الجليل بدمار مدينة البتراء، التي أُصيبت بضررٍ لم تتعافَ منه حتى اليوم، إضافة إلى أضرار كبيرة لحقت بمدنٍ مثل: القدس، وحيفا، وطبريا.
لا تُعرف الخسائر البشرية التي تسبب بها هذا الزلزال، لكن يُعتقد أنه كان السبب في دمار كنيسة العقبة، وهجرها فيما بعد. وهي كنيسة تعود إلى القرن الثالث وتُعتبر الأقدم في العالم، لأن قبلها كانت المباني محوّلة عن استخدامات أو ديانات أخرى.
* زلزال صفد 1837:
يُعتبر من أهم الزلازل التي ضربت فلسطين عموماً ومنطقة الجليل خصوصاً؛ حدث ذلك في الأول من يناير/كانون الثاني 1837، وقد انتشر أثره إلى المنطقة كلها ووصل عدد ضحاياه إلى 5 آلاف نسمة.
قُدّرت شدّته بـ6.5 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه شرق مدينة صفد التي دُمّرت بسببه تدميراً شبه تام، إلى جانب قرية الجش أيضاً؛ وبلغ عدد قرى قضاء طبرية التي أصابها الخراب بسبب الزلزال أكثر من 17 قرية.
وتشير الكتب التاريخية إلى أن ذلك الزلزال المدمّر الذي عصف بالبلاد، ونجم عنه تسونامي في الساحل الفلسطيني الشمالي، أدى إلى إلحاق أضرارٍ بالغة في مدن صفد ونابلس وطبريا، وتدمير شبه كامل لـ19 قرية فلسطينية ولبنانية وإيقاع آلاف الضحايا.
ووفقاً للرحالة الأمريكي وليام طومسون، الذي زار صفد بعد الزلزال مباشرة، فإن السبب الرئيسي الذي عظّم المصيبة أن بيوت المدينة مبنية على سفح جبل. وحين زُلزلت الأرض، سقطت البيوت العليا على البيوت السفلى، فوقعت الكارثة.
امتدت آثار الزلزال إلى الجليل؛ مثل: الجش، وعين زيتون، وطبريا، ولوبيا، والشجرة، والرينة. وإلى مناطق بعيدة نسبياً عن مركز الزلزال مثل نابلس، التي دُمر فيها حي كامل وتضرر آخر بشكلٍ كبير.
زلزال بيروت 551
من أكبر الكوارث الطبيعية التي حلّت ببيروت. حدث ذلك أثناء عهد الملك البيزنطي جستنيان الأول، حين عاشت المدينة على وقع أسوأ أزماتها بسبب زلزالٍ بلغت شدّته 7.6 درجات، ونال العلامة X حسب مقياس ميركالي المعدل (Mercalli intensity scale).
وقع الزلزال في 9 يوليو/تموز 551، وقد بلغ عدد ضحاياه في بيروت وحدها 30 ألفاً، كما سبّب موجات تسونامي مختلفة طالت عدداً من المدن البيزنطية. الأضرار كانت هائلة على طول الخط الساحلي فيما كان يُسمّى "فينيقيا البيزنطية".
عددٌ كبير من المؤرخين والرحالة كتبوا عن زلزال بيروت 551 الذي عايشوه، وأشاروا إلى أن المدينة دُمّرت بالكامل وغرقت السفن، كما خرّب الزلزال مدناً عدة بين صور وجبيل وطرابلس.
ووفقاً لجمعية "تراثنا بيروت"، فإن بيروت كانت تحتضن وقتئذٍ قاعات محاضرات وتدريس القوانين والشرائع التي تعتمد عليها كل صروح القضاء الرومانية، لأن علماء القانون فيها يترأسون محاكم العالم. وحتى اليوم، يمكن مشاهدة الآثار الرومانية -التي دُمّرت- في وسط بيروت.
لكن المدينة لم تنعم طويلاً بلقب حاضرة مدن فينيقيا، ففي العام 551 وقع زلزالٌ شديد قُبالة سواحل المدينة، كتب عنه المؤرخ والرحالة يوحنا مالالاس الأنطاكي (490-570) في هذه الواقعة قائلاً:
"(…) في وسط هذا الرعب كانت مدن صور وصيدا وبيروت وطرابلس وبيبلوس (جبيل) وبطرايس (البترون) أكثر من عانى.
ففي مدينة البترون انفلق جبل ليثوبروسوبون Lithoprosopon (رأس شكا) القريب منها، ووقع في البحر وشكل مرفأ طبيعياً صارت السفن فيما بعد تأوي إليه، علماً أنه لم يكن لهذه المدينة ميناء من قبل. وقد أرسل الإمبراطور مساعدات مالية لكل المقاطعات وأعاد إعمار بعض هذه المدن".
وفي وصفه للكارثة أضاف المؤرخ: "وفي الوقت الذي حدث فيه الزلزال، تراجع البحر قرابة الميل عن الشاطئ وتحطمت السفن، ولكن بأمر الرب عاد البحر إلى مكانه الأصلي (إشارة إلى التسونامي الرهيب الذي ضرب الساحل)".
أما المؤرخ والشاعر والرحالة اليوناني الشهير أغاثياس Agathias Scholasticus، فقد كتب عن الزلزال قائلاً:
"درة فينيقيا، مدينة بيروت الجميلة، فقد أصابها الخراب بالكامل وأصبحت كنوزها المعمارية الشهيرة في أرجاء العالم أكواماً من الحجارة، ولم يبقَ منها شيء إلا بعض بلاط الطرقات والأرصفة".
وأضاف: "تم سحق العديد من سكانها الأصليين تحت ثقل الأنقاض؛ وبعد إعادة الإعمار لم تكن المدينة كما عهدناها سابقاً، رغم أن بعض معالمها صمدت. ولكن بناءها، وما تلاه من عودة المدارس إليها، استغرق وقتاً طويلاً".