كشفت نتائج توصلت إليها وكالة "أسوشيتد برس" ومنصة التحقيقات الإسرائيلية "شومريم"، أن مجموعة إسرائيلية تُحصِّل تبرعات "معفاة من الضرائب" من الأمريكيين، بحسب ما نقلت صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ومجموعة "شلوم أسيرايخ" تجمع الأموال من أجل المتطرفين اليهود المدانين في عددٍ من أسوأ جرائم الكراهية في إسرائيل، في حين تشير السجلات في هذه القضية إلى أن اليمين المتطرف في إسرائيل يكسب موطأ قدم جديداً في الولايات المتحدة.
اليمين المتطرف الإسرائيلي في أمريكا
بحسب الصحيفة، لا تُعرَفُ كمية الأموال التي جُمعت عن طريق إحدى الجمعيات الأمريكية غير الربحية، لكن وكالة "أسوشيتد برس" ومنصة "شومريم" وثّقتا مسار الأموال من ولاية نيوجيرسي وصولاً إلى إسرائيليين متطرفين، من بينهم قاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، بجانب أشخاص آخرين أُدينوا في شن هجمات قاتلة ضد الفلسطينيين.
وسهلت ترتيبات جمع الأموال خارج إسرائيل على المجموعة الإسرائيلية "شلوم أسيرايخ"، عملية جمع الأموال من الأمريكيين، الذين يستطيعون تقديم إسهاماتهم عن طريق جمعية أمريكية غير ربحية باستخدام البطاقات الائتمانية، والحصول على خصم ضريبي.
حيث تجمع الكثير من المؤسسات الإسرائيلية، التي تتنوع بين المستشفيات والجامعات والجمعيات الخيرية، الأموال عن طريق أذرع لها مستقرة في الولايات المتحدة، لكن تبنّي هذه الاستراتيجية عن طريق مجموعة تساعد المتطرفين اليهود، هو ما يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية.
وتأتي هذه القضية على خلفية وجود حكومة يمينية متطرفة جديدة في إسرائيل، يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث حصل القوميون المتشددون والمُشرِّعون المتطرفون على نفوذ غير مسبوق.
مجرمون يهود استفادوا من دعم الجمعية
وفقاً للكتيبات الترويجية الخاصة بمجموعة شلوم أسيرايخ، فإن قائمة المستفيدين من أموالها تتضمن إيجال عامير، الذي اغتال رابين في عام 1995.
وعميرام بن أوليئيل، المدان في اغتيال الرضيع الفلسطيني على دوابشة وأبويه سعد دوابشة وريهام حسين دوابشة عبر هجوم بإشعال حريق متعمد في منزل الأسرة عام 2015,
إلى جانب يوسف حاييم بن دافيد المدان بقتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير (16 عاماً) في القدس عام 2014.
غموض يكتنف مجموعة "شلوم أسيرايخ"
وتجمع مجموعة شلوم أسيرايخ -التي تعني "التحية لسجنائكم"- الأموال في إسرائيل منذ 2018 على أقل تقدير، وسُجلت رسمياً بوصفها جمعية غير ربحية في 2020 عن طريق مجموعة تتألف في غالبها من إسرائيليين قادمين من المستوطنات المتشددة الموجودة في الضفة الغربية.
بل إن ما لا يقل عن خمسة من أصل 7 مؤسسين لهذه المجموعة استجوبتهم السلطات الإسرائيلية في جرائم مرتبطة بالأنشطة ضد الفلسطينيين، وبعضهم اعتُقل وأدين.
ونظراً إلى أنها منظمة جديدة نسبياً، فإن المستندات المقدمة من مجموعة شلوم أسيرايخ إلى سجل الجمعيات غير الربحية في إسرائيل، لا تقدم الكثير من البيانات ولا تشير إلى كمية الأموال التي جمعتها المجموعة. ولكن في منشوراتها الترويجية، التي بُثت مؤخراً عن طريق القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية، أشارت المنظمة إلى أنها جمعت 150 ألف شيكل (حوالي 43 ألف دولار).
طالما جمعت الجمعيات الإسرائيلية غير الربحية أموالاً في الخارج، وكانت الولايات المتحدة المصدر الرئيسي لهذه الأموال. وبحسب الأرقام التي نشرتها نوجا زيفان، وهي مستشارة للجمعيات غير الربحية في إسرائيل، فإن المنظمات اليهودية الأمريكية تبرعت وحدها بملياري دولار سنوياً إلى إسرائيل، بين عامي 2018 و2020.
مجموعة يديرها متطرفون يهود
وطالما جمعت المجموعات اليمينية الإسرائيلية أموالاً في الولايات المتحدة، لكن المسؤول السابق في شعبة إحباط الإرهاب اليهودي في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، دفير كاريف، قال إنه ليس مألوفاً بالنسبة لليهود المتطرفين، الذين على شاكلة الأفراد الذين يديرون مجموعة شلوم أسيرايخ، أن يفعلوا ذلك.
وأوضح أن المجموعة تسترشد على ما يبدو من مجموعات إسرائيلية يمينية متطرفة أخرى، لا سيما مجموعة "كاخ" العنصرية المناهضة للعرب، التي حُظرت من قبل بوصفها منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، لكنها كانت بارعة، وفقاً لوصف كاريف، في جمع الأموال هناك قبل عقود.
تجدر الإشارة إلى أن الوزير الجديد في الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة، إيتمار بن غفير، يعد أحد أتباع مؤسس منظمة "كاخ"، الحاخام مائير كاهانا، الذي حُظر من قبل من ممارسة السياسة في إسرائيل.
"مساعدة عائلات الإرهابيين"
بدورها، قالت إلين أبريل، خبيرة ضرائب الجمعيات الخيرية في مدرسة القانون بجامعة لويولا ماريمونت، إن المجرمين المدانين وعائلاتهم يمكن أن يُعدوا من المحتاجين، وأن يكونوا مؤهلين لاعتبارهم غرضاً خيرياً مسموحاً به.
صحيحٌ أن دعم شخص مدان في أعمال إرهاب يمكن أن ينظر إليه على أنه تشجيع للنشاط الإجرامي، لكن هذا سوف يحتاج إلى إثباته، وذلك حسبما أوضحت إلين.
غير أن ماركوس أوينز، المحامي الذي أدار جمعية غير ربحية تابعة لدائرة الإيرادات الداخلية الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي، اتخذ موقفاً أشد صرامة، إذ قال إن "وزارة العدل الأمريكية ترتئي أن مساعدة عائلات الإرهابيين، هو شكل من أشكال الدعم المادي للإرهاب".
فمن أجل أن تصير أي مجموعة معفاة من الضرائب باعتراف دائرة الإيرادات الداخلية، يجب على هذه المنظمة أن تعمل حصرياً من أجل الأغراض الخيرية أو الدينية أو التعليمية، بحسب أوينز.
ترفض الحديث مع الإعلام
في سياق آخر، أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" أنها لم تنجح في التواصل مع ممثلي مجموعة شلوم أسيرايخ، كذلك أغلق أحد الأشخاص الخط في وجه مراسل تابع لوكالة "أسوشيتد برس"، عندما اتصل برقم الهاتف المعلن للمجموعة.
أما موشيه أورباخ، الذي سُجل عنوانه في مستوطنة يتسهار المتشددة بوصفه المقر الرئيسي للمجموعة، فقد رفض عبر أحد المحامين إجراء أية مقابلات. كذلك أغلق ممثل عن منظمة عالم الصدقة الخط عندما طُلب منه التعليق.
ورفضت دائرة الإيرادات الداخلية الإجابة عن تساؤلات حول المجموعة، وقالت إن "القانون الفيدرالي يحظر على دائرة الإيرادات الداخلية الإدلاء بالتعليقات".
علاقتها بالوزير المتطرف بن غفير
وفقاً للوثائق التي حصلت عليها وكالة "أسوشيتد برس"، سُجلت مجموعة شلوم أسيرايخ منظمةً غير ربحية لدى السلطات الإسرائيلية عن طريق شاناميل دورفمان، وهو محام وأحد كبار مساعدي بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الجديد.
كذلك أُدرج دورفمان بوصفه "محامي/مستشار قانوني" خاص بالمجموعة على موقع Guidestar، الذي يعد الموقع الرسمي لسجل الجمعيات غير الربحية.
لكن دورفمان أنكر في رسالة نصية كونه مستشاراً قانونياً للمجموعة على الإطلاق، ولم يرد على أية تساؤلات إضافية، في حين أبلغ مؤخراً الصحيفة اليومية المحافظة "إسرائيل هيوم" أنه كان يؤدي المهمة بوصفه مجرد محامٍ، وأضاف: "إذا علمت أن هذا هو ما تفعله هذه المنظمة، لما كنت سجلتها".
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي عشية رأس السنة اليهودية الجديدة، نشرت مجموعة شلوم أسيرايخ تغريدة تتضمن صورةً تُظهر الوجبات الخفيفة التي قدمتها إلى الإسرائيليين المتهمين أو المدانين في جرائم ضد الفلسطينيين.
وأظهرت الصورة النبيذ وبعض السلع الأخرى التي قدمتها إلى هؤلاء الإسرائيليين، مع تعليق يقول: "أبطالنا الأحباء". وكُتب في التعليق: "كونوا أقوياء، وابقوا أوفياء لشعب إسرائيل، وللتوراة المقدسة، ولا تتوقفوا عن الشعور بالسعادة".