طالبت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس، وأحزاب سياسية مختلفة، الرئيس قيس سعيد بالاستقالة، وقالت إنه فقد الشرعية، بعد أن جاءت النسبة الأولية للإقبال في الانتخابات البرلمانية التي أجريت، السبت 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، أقل من 9%.
إذ إن الاقتراع جزء من سلسلة من التغييرات السياسية التي أجراها سعيد منذ أن حل البرلمان السابق في عام 2021، وأعاد صياغة الدستور في تحركات وصفها منتقدوه بأنها انقلاب.
دعوات لانتخابات رئاسية مبكرة في تونس
في الوقت ذاته، وحسبما نشر موقع "موزاييك" التونسي، دعا عبد الرزاق الخلولي رئيس المكتب السياسي لـ"حراك 25 جويلية"، الداعم لقيس سعيّد، في تصريح لموزاييك إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، بعد تسجيل نسبة مشاركة ضعيفة في الانتخابات التشريعية.
حيث اعتبر الخلولي في المقابل أن هذه النسبة لا تمس بشرعية أو مشروعية قيس سعيّد وهي غير مرتبطة به أو بشعبيته بل مرتبطة بأطراف حزبية وسياسية ونظام انتخابي ضعيف وغياب التمويل العمومي.
من جهة أخرى، يرى الخلولي أنّه واعتماداً على قراءة أولية بالظروف والمناخ الذي جرت فيه الانتخابات والأسباب المتراكمة، فإنّ نسبة المشاركة متوسطة وليست ضعيفة، دون أن يعني ذلك القبول بهذه النتائج، وفق تصريحه.
في الوقت نفسه، قال عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري في تصريحات صحفية لموزاييك إنّ نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية نسبة كارثية، معتبراً أنّ المسار (مسار قيس سعيّد) بلغ نهايته، والذي وصفه بالمسار العبثي الذي أهدر طاقة البلاد وأن سعيّد يتحمّل المسؤولية رأساً، وفق تقديره.
كما تساءل الشابي: "كيف ستحكمون البلاد بـ8%؟"، مضيفاً أنّ "الشعب التونسي "الذي صنع 17 ديسمبر/كانون الأول نزع القناع عن مسار الانقلاب نهائياً".
في سياق متصل، قال محمد المسليني القيادي بحركة الشعب إنّ تبرير نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات، في إشارة لتصريح رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يزيد من تعميق الأزمة.
حيث صرّح المسليني في مداخلة على موزاييك، السبت 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، بأن نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة جداً، مضيفا أن مسألة عزوف الناخبين والقطيعة تتعمّق مع كل انتخابات، مشيراً إلى أن هيئة الانتخابات لعبت دوراً في ذلك، لكنّه يرى أن انفراد الرئيس بالقرار أدى لهذه النتائج.
أضاف المسليني: "لا أعتقد أن دعوات المقاطعة أثرت بكثير، حتى لو شاركت المعارضة لكانت النسبة متدنية، علاوة على العزوف القديم". وتابع: "نحن نعيش أزمة عميقة جداً في هذه البلاد، بغض النظر عن النسبة والانتخابات.. المفروض نفكّر بشكل عميق لإخراج البلاد من الوضع المتردي وتعمق الهوة بين الشعب والطبقات السياسية حتى الجديدة منها".
مقاطعة كبيرة
من جهته، قال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ إنّ 92% من الشعب التونسي قاطعوا الانتخابات' معتبراً أن الشعب بذلك أجاب قيس سعيّد بعدم رضائه عن الانتخابات وعن الخيارات التي انتهجها.
حيث اعتبر محفوظ أن قيس سعيّد افتقد الشرعية واليوم فقد المشروعية، وأجابه الشعب عن خياراته ومراسيمه بمقاطعة الانتخابات، مشدّداً على ضرورة تنظيم انتخابات سابقة لأوانها. وقال أستاذ القانون الدستوري إن قيس سعيّد التزم بنظام ديمقراطي في الأمر 117 ولكنه لم يحترم الالتزام.
نسبة ضئيلة للمشاركة في التصويت
في سياق متصل، فقد سبق أن أعلنت السلطات في تونس أن 8.8% فقط من الناخبين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية، بعد أن قاطعت معظم الأحزاب السياسية الاقتراع، ووصفته بأنه مهزلة تهدف لتدعيم سلطات الرئيس.
حيث جاءت نسبة الإقبال الأولية أقل من معدل التضخم الذي يبلغ 9.8%، مما يسلط الضوء على الضغوط الاقتصادية التي تسببت في خيبة أمل العديد من التونسيين من السياسة وغضبهم من القيادات.
تأتي الانتخابات بعد مرور 12 عاماً على اليوم الذي أضرم فيه بائع الخضر محمد البوعزيزي النار في نفسه، في احتجاج أشعل فتيل انتفاضات الربيع العربي وجلب الديمقراطية إلى تونس.
لكن هذا الإرث الديمقراطي سقط في براثن مزيد من الشكوك بسبب سلسلة من التغييرات السياسية التي أجراها الرئيس قيس سعيد، منذ أن حل البرلمان السابق الأقوى في يوليو/تموز 2021، وانتقل إلى الحكم بمراسيم، وسيطر على المزيد من السلطات.
في حين صاغ سعيد، وهو أستاذ سابق في القانون وكان سياسياً مستقلاً عندما انتخب رئيساً في 2019، دستوراً جديداً هذا العام أدى إلى إضعاف سلطات البرلمان، إذ جعله تابعاً للرئاسة لا يتمتع إلا بقدر ضئيل من النفوذ على الحكومة.
ووصف الرئيس تعديلاته السياسية بأنها ضرورية لإنقاذ تونس من سنوات من الشلل السياسي والركود الاقتصادي، وحث صباح اليوم السبت، الناخبين على المشاركة في الانتخابات. وقال إن هذه "فرصتكم التاريخية حتى تستردوا حقوقكم المشروعة".
التشكيك في شرعية قيس سعيد
في حين سيمنح الإقبال الضعيف جداً على التصويت السبت، منتقدي سعيد ذخيرة للتشكيك في شرعية ما يجريه من تغييرات سياسية.
كذلك ومن المحتمل أن يمثل ذلك مشكلة للرئيس، في الوقت الذي تسعى فيه السلطات إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية مثل خفض الدعم للحصول على إنقاذ دولي لمالية الدولة.
فيما انكمش الاقتصاد بأكثر من 8% خلال جائحة كوفيد-19، وسار التعافي بخطى بطيئة. واختفت بعض المواد الغذائية والأدوية الأساسية من على الأرفف، ويخوض المزيد من التونسيين تجربة العبور غير المشروع للبحر المتوسط المحفوفة بالمخاطر بحثاً عن حياة جديدة في أوروبا.