كشفت صحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 20 يوليو/تموز 2022، عن جوانب من حياة الترف التي عاشها سيف الإسلام القذافي نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي في مطلع الألفية الثالثة قبل أن يأتي عام 2011 ويحوّل ربيع أسرة القذافي إلى خريف.
واستندت الصحيفة إلى وثائق ورسائل بريد إلكتروني كانت ضمن ذاكرة التخزين المؤقت، حوت مراسلات بين وكيل سيف الإسلام في بريطانيا وأشخاص كانوا يلبون مطالبه المكلِّفة لإقامة حفل مسرف في الترف بمنتجع في أوروغواي.
"أروع حفل على الإطلاق"!
يقول منظم الحفل لإقناع وكيل القذافي: "سيكون أروع حفل على الإطلاق في بونتا ديل إستي"، وهو منتجع ساحلي ساحر في أوروغواي، وقد عرض على موكله نظام صوت، ودي جي، ومصممين، وألعاباً نارية، و"عارضات عاريات يسبحن في المسبح".
لكن العميل (وكيل القذافي)، وهو وسيط على صلة وثيقة بحكام ليبيا، رفض الألعاب النارية.
يبدو أن الوسيط قد أرسل إلى المنظم 34300 دولار، وطلب منه تسليم خروف مشوي كامل كل يوم إلى فيلا الحفلة بين 30 ديسمبر/كانون الأول 2006 و6 يناير/كانون الثاني 2007.
كان هذا البذخ ضرورياً، حيث سينضم إليه هناك رفاقه الليبيون ورئيسه، سيف الإسلام القذافي، وقد كان لدى سيف أسباب للاحتفال؛ كان الوريث الظاهر لديكتاتورية والده معمر القذافي ووجهها الدولي المقبول، وكان يقود المفاوضات مع بريطانيا بشأن تفجير لوكربي عام 1988.
كما أطلق عليه المنتدى الاقتصادي العالمي لقب "القائد العالمي الشاب". أما في أوقات فراغه، فقد كان يدرس للحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة بكلية لندن للاقتصاد.
أنشطة دبلوماسية بطعم الترف
في السياق، لفتت "الغارديان" التي اطلعت على تلك الوثائق والرسائل المخزنة رفقة موقع "Tortoise Media" البريطاني، إلى أنها تسلط الضوء على أنشطة الحاكم المحتمل في وقت كان يدخل فيه الحياة العامة، مما أدى إلى تقارب مع الحكومات الغربية.
بينما تقدم المراسلات بين سيف ورفاقه لمحة نادرة عن قلب نظام القذافي، خلال لحظة محورية في علاقة ليبيا ببريطانيا، حسب الصحيفة.
عندما انتقل سيف إلى لندن عام 2002، اجتمع فريق من المسؤولين لإدارة شؤونه. وبحسب مصدر هناك، جرى التعامل مع الأمور الإدارية من قبل شركة الاستثمار الأجنبي الليبية في لندن.
وأُديرَت الأنشطة اللامنهجية من قبل مجموعة من الشباب الليبيين، من ضمنهم فيصل الزواوي، منظم حفلات بونتا ديل إستي، الذي كان في ذلك الوقت مع الاتحاد الليبي لكرة القدم.
كان حفل أوروغواي مثلاً مجرد واحدة من العديد من الرحلات. تعامل الزواوي مع اليخوت في البحر الأبيض المتوسط، والنوادي في البحر الكاريبي، وطائرة خاصة وفتيات تحت الطلب.
يقال إن سيف بدأ بسؤال وكيله في شركة الاستثمار الأجنبي الليبية عن شقة في بلغرافيا، ثم قام على ما يبدو بتوسيع مطالبه: المزيد من الشقق، وخادم شخصي، وسائق وأفراد أمن.
ويقال إن الوسيط دفع التكاليف، وضمنها الإيجار، ثم أرسل فاتورة إلى مكتب سيف في ليبيا، وهي دولة كان متوسط الدخل فيها نحو ثلث ما كان في بريطانيا.
سيف الإسلام ومنتدى دافوس: متعطش للتفاهم!
كان سيف يختلط أيضاً مع سماسرة النفوذ العالميين في المنتدى الاقتصادي العالمي. دعا مؤسس المنتدى، كلاوس شواب، سيف شخصياً لحضور اجتماع دافوس السنوي في يناير/كانون الثاني 2011، واصفاً إياه في رسالة بأنه "متعطش إلى التفاهم ومدافع حقيقي عن الحوار".
وعندما اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا بعد أسبوعين من دافوس، توعد سيف بـ"القتال حتى آخر رجل، وآخر امرأة، وآخر رصاصة". وقد قطع المنتدى الاقتصادي العالمي الاتصال به.
في نهاية المطاف، قام المتمردون الليبيون بإعدام معمر بوحشية، قبل القبض على سيف، الذي اختفى بعد ذلك عن الأنظار.
سيف الإسلام القذافي يعود من جديد
وبعد عقد من الزمان، خرج سيف من الأَسر في معقل المتمردين بمدينة الزنتان، مرتدياً أردية شعبية ليبية ليعلن أنه سيرشح نفسه للرئاسة. كما وقَّع أوراق ترشُّحه بيده التي أُصيبَت في الغارات الجوية التي أطاحت نظام والده.
وأدت الخلافات بين الفصائل المتناحرة في ليبيا إلى تأخير الانتخابات، مما أثار موجة من الاحتجاجات في يوليو/تموز الجاري. بينما تضغط الأمم المتحدة من أجل الاتفاق على موعد اقتراع جديد.
وعندما يبدأ السباق على الرئاسة، يبدو أن العديد من الليبيين مستعدون لمنح سيف أصواتهم، حسب "الغارديان".
تضيف: "إنهم مصدومون من سنوات الحرب الأهلية، ويتوقون إلى الاستقرار النسبي لسنوات القذافي. كانت رحلة طويلة. قال للصحفيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عند إعلان حملته: عليك أن تعود رويداً رويداً".
بالطبع هناك عقبات. من المقرر أن يمثل سيف أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مما يثير تساؤلات حول قانونية توليه المنصب. وهو مسؤول عن جرائم القتل والاضطهاد التي ارتكبتها قوات الأمن الخاضعة لسيطرته خلال الحرب.