فتحت حادثة الاغتيال التي نفذها الجيش الإسرائيلي ضد مقاومين فلسطينيين بمدينة نابلس باب التساؤلات والشكوك حول كيفية تنفيذ العملية من جهة، ومدى تورط الأجهزة الأمنية الفلسطينية من جهة أخرى.
كانت إسرائيل نفذت ظهر الثلاثاء 8 فبراير/شباط 2022 عملية اغتيال لمجموعة من المقاومين الفلسطينيين في مدينة نابلس، استشهد على إثرها 3 من قادة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، في عملية أمنية مشتركة أشرف عليها كل من جهاز الشاباك وقوات خاصة من الجيش وعناصر من وحدة اليمام التابعة لشرطة حرس الحدود.
السلطة ودورها في الاغتيال
حادثة الاغتيال هذه أثارت العديد من التساؤلات حول طريقة تنفيذ الجيش لجريمة الاغتيال، كونها وقعت في وضح النهار، وتساؤلات أخرى عن كيفية دخول الجيش لمنطقة تنفيذ العملية في حي المخفية وسط مدينة نابلس؛ حيث لا يبتعد المقر الرئيسي لجهاز شرطة محافظة نابلس المركزي سوى 800 متر من مكان الاغتيال، ما يطرح شكوكاً حول تورط الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتنسيق مع إسرائيل لدخول قوات الجيش لتنفيذ العملية.
وكشف غال بيرغر، مراسل قناة "كان" العبرية، أنه قبل ساعة من وقوع حادثة الاغتيال وصلت لجهاز الشاباك معلومات خاصة من الميدان عن وجود المطاردين في منطقة حي المخفية في قلب مدينة نابلس، وعلى إثرها تم استدعاء القوات الخاصة من الجيش ووحدة اليمام لمحاصرة المنفذين وقتلهم.
كما كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن الشهداء الثلاثة وهم أدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط، كانوا ملاحقين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية قبل أسابيع من وقوع حادثة الاغتيال.
وأوضحت المصادر أن مبروكة اعتُقل عدة أشهر في سجن أريحا التابع لجهاز المخابرات العامة في العام 2018، ووجهت إليه تهماً تتعلق بتأجيج السلم الأهلي بسبب مشاركته في مظاهرات ضد سياسات السلطة الفلسطينية، وتعبيره المستمر عن رفضه للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
ماهر الأخرس، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أكد لـ"عربي بوست" أن "أحد الشهداء أبلغه قبل أيام من حادثة الاغتيال بأن السلطة الفلسطينية تقدمت بعرض لأفراد الخلية بتسليم أسلحتهم للأجهزة الأمنية، وإجراء تسوية بينهم وبين دولة الاحتلال، على إثرها يتعهد هؤلاء بعدم القيام بأي نشاطات عسكرية تستهدف الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، مقابل صدور عفو عن التهم الموجهة إليهم".
وأضاف: "إلا أنهم رفضوا المساومة والقبول بهذا العرض من السلطة الفلسطينية".
عملية استثنائية
توصف هذه العملية بالاستثنائية التي ينفذها جيش الاحتلال بهذه الطريقة في الضفة الغربية منذ سنوات، حيث جرت العادة أن يمارس الجيش الإسرائيلي نشاطه الاستخباري والأمني في ملاحقة عناصر المقاومة في ساعات بعد منتصف الليل، كما أنه من النادر أن ينفذ الجيش نشاطه العملياتي في وضح النهار وفي قلب المدن الفلسطينية.
الصحفي سامر خويرة، وهو من أوائل من وثَّقوا حادثة الاغتيال، يروي لـ"عربي بوست" أنه مع حلول الساعة الواحدة من ظهر الثلاثاء تقدمت سيارتان مدنيتان من نوع "فولكس فاجن" تحملان أرقاماً فلسطينية، إحداها ذات اللون الأصفر وهو اللون المعتمد لسيارات الأجرة والنقل العام في الضفة الغربية، كان يستقل المركبتان 13 عنصراً من القوات الخاصة، قامت بتتبع السيارة التي كان يستقلها المطاردون في شارع فرعي ثم محاصرتهم من الأمام والخلف لقطع الطريق أمام أي محاولات للهروب.
وأضاف: "بعد أن تم إحكام منافذ الدخول والخروج، ترجلت القوات الخاصة وأمطرت المطاردين بوابل من الرصاص من مسافة صفر وتصفيتهم بدم بارد عبر إطلاق النار عليهم بشكل مباشر مستهدفة منطقة الرأس، ثم قامت بتفتيش المركبة وسحب قطعتي سلاح كانتا في حوزة المطاردين، وعلى إثر انتهاء العملية والتأكد من استشهاد المطاردين انسحبت القوات من المكان، و"لم تستغرق العملية أكثر من 5 دقائق".
رسائل إسرائيلية
كشف القناة (12) الإسرائيلية، نقلاً عن مصدر في الجيش قوله إن الخلية التي تمت تصفيتها "كانت بمثابة قنبلة موقوتة وتنوي القيام بمزيد من الهجمات، وقد شاركت الخلية في الأسبوعين الماضيين بـ4 عمليات إطلاق نار في شمال الضفة الغربية"، على حد تعبير المصدر.
وتوالت ردود الأفعال الإسرائيلية في قراءة تداعيات هذه العملية، حيث وصفها إيتان دانجوت، وهو جنرال إسرائيلي سابق وكان مسؤول التنسيق الأمني في الجيش الإسرائيلي، بالقول إن عملية الاغتيال إنجاز على صعيد تعزيز نظرية الردع، وتظهر أهمية حرية العمل في أي وقت وأي مكان في الضفة الغربية لتوفير الأمن.
أما أليؤور ليفي، من صحيفة يديعوت أحرونوت، فقال إن الشيء الأكثر غرابة في عملية نابلس أنها كانت عملية اغتيال، "لقد اعتدنا على رؤية اغتيالات بين الحين والآخر في قطاع غزة، لكن في الضفة الغربية الأمر لم نشهده منذ سنوات طويلة، الصور التي خرجت من هناك اليوم تذكرنا بالاغتيالات فترة الانتفاضة".
سياسياً، كان لافتاً حجم التفاعل الواسع من قبل السياسيين الإسرائيليين مع جريمة الاغتيال في نابلس، فبرزت مظاهر الاحتفاء الإسرائيلي وكيل المديح لقوات الجيش لنجاحها في تنفيذ عملية الاغتيال. وقال رئيس الوزراء نفتالي بينت: "أثبتت قواتنا مرة أخرى أنه ليس للإرهابيين حصانة، من يؤذينا سيُضرب".
كما أثنى كل من وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الأمن الداخلي عومر بار ليف على نجاح الجيش في تنفيذ جريمة الاغتيال. وقال غانتس: "أمرت مؤخراً بمزيد من العمليات الاستباقية والوقائية".
أحد التفسيرات التي يحملها التباهي الإسرائيلي بحادثة الاغتيال أنها رسائل للسلطة الفلسطينية، التي تواجه حرجاً كون العناصر التي اغتيلت تتبع لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وكأن إسرائيل تريد أن توصل رسالة بأن أي تقارب مع السلطة، لن يكون على حساب أمنها وأمن مستوطنيها، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات السياسية.
ويرى عصمت منصور، الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية، لـ"عربي بوست" أن الاستعراض الإسرائيلي والتباهي بهذه العملية هو لأبعاد سياسية أكبر من كونها عملياتية، وهي ذات رسائل دقيقة وموجهة للفلسطينيين، بأنه يمكن تجاوز أي اعتبار سياسي بالنسبة للعلاقة مع السلطة أمام أي تهديدات تضر بالأمن الإسرائيلي.
وأضاف: "تريد إسرائيل أن توصل رسالة للسلطة بأنه لا يمكن الاعتماد عليها حصراً لمواجهة النشاطات العسكرية في الضفة الغربية، ولإسرائيل الحق في أن تبادر في اقتحام المناطق الفلسطينية في وضح النهار لإيقاع الأذى بخصومها".
تآكل مشروع السلطة
أما الكاتب آفي يسخروف من موقع "واللا" العبري، فأشار إلى أن من سقطوا في حادثة نابلس ينتمون لحركة فتح التي قام الرئيس محمود عباس بحل الجهاز العسكري فيها منذ أن تولى الحكم، وهذا إن دل فإنه يدل على تآكل مشروع السلطة وتراجع ثقة الشارع بالمشروع الذي جاء به أبو مازن، الذي يمهّد الطريق لاختيار وريثه في الحكم، وهو ما يزيد من عمق الفجوة بين الشعب والسلطة، وثمرات ذلك هو المزيد من العمليات ضد إسرائيل كورقة ضغط على أبو مازن.
والتزمت السلطة الفلسطينية الصمت من التعليق على حادثة الاغتيال، ما يعيد طرح فرضية وجود تعاون أمني تم بين عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية والجيش الإسرائيلي لإنجاح عملية الاغتيال، فوصول الجيش للمناطق الفلسطينية المصنفة (أ) كمحافظة نابلس، لا يتم دون تنسيق مسبق بين الطرفين، وفي حالات تتطلب دخول قوات خاصة إسرائيلية، تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالانسحاب من مقراتها وتأمين طريق الجيش الإسرائيلي لمغادرة المناطق بأدنى قدر ممكن من الاحتكاك مع الشبان الفلسطينيين.
هناك بُعد آخر لحادثة الاغتيال في نابلس، وهو مبادرة الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملية أمنية في قلب المناطق الفلسطينية، رغم التحذيرات الأمنية والعسكرية من خطورة ما تعيشه جبهة الضفة الغربية من حالة غليان مستمرة، في ظل تصاعد العمليات التي تستهدف الجيش والمستوطنين وتحديداً في مناطق شمال الضفة الغربية كجنين ونابلس.
إبراهيم حبيب، الأكاديمي المختص في الشؤون العسكرية والأمنية، قال لـ"عربي بوست" إن "السياسة التي ينتهجها جيش الاحتلال في تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة ضد المطاردين من المقاومة الفلسطينية، تنبع من كونها أداة لتقليم أظافر أي نشاطات لخلايا عسكرية، وهي تبادر بخطوة متقدمة قبل أن يتحول هذا الخطر إلى درجة لا يمكن مواجهته أو تكون تكلفة مواجهته كبيرة ولا تستطيع أجهزة الدولة تحمله".
وأضاف أن "التقديرات لدى الجيش بأن رد الفعل المتوقع على سقوط الشهداء يمكن امتصاصه وتحمل تداعياته كونه رد فعل مؤقتاً يمكن للأجهزة الأمنية الفلسطينية مواجهته عبر قمع واعتقال المتظاهرين أو كل من له صلة بتوتير الحالة الأمنية مع إسرائيل، وبذلك فإن الخطر الأكبر الذي تأخذه إسرائيل بعين الاعتبار هو منع تعاظم نشاطات الخلايا العسكرية وتمددها؛ لذلك جاءت عملية الاغتيال لتقطع الطريق أمام أي عمليات قادمة قد تنفذها الخلية التي تم استهدافها".