هربت حليمة مع مجموعة مهاجرين من مركز احتجاز في العاصمة الليبية طرابلس، الجمعة 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث أُودعوا مع آلافٍ غيرهم بعدما أُلقي القبض عليهم خلال حملة أمنية نفّذتها السلطات الليبية. وتحدثت عن شعورها بـ"التعب الشديد" و"الإذلال" طوال أسبوع، ورغبتها العارمة في المغادرة إلى غير رجعة.
حيث تقول طالبة اللجوء السودانية حليمة مختار جمعة بشارة (27 عاماً): "اعتدوا علينا وأذلّونا، وأصيب كثير منا"، وفق تقرير "فرانس برس" الذي نشرته الوكالة السبت 9 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
عدم فتح الأبواب
تضيف الشابة المتحدرة من إقليم دارفور الذي تعصف به الحرب: "نشعر بتعب شديد… وحالياً موجودون في الشارع، حتى مفوضية (اللاجئين التابعة للأمم المتحدة) ترفض فتح الأبواب لنا".
بدأت حليمة رفقة مئات آخرين اعتصاماً أمام مبنى المكتب المحلي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي علَّق نشاطه مؤقتاً، بسبب تزايد ضغط المهاجرين عليه.
حيث ينام أمام مبنى المفوضية عشرات المهاجرين واللاجئين، بينهم أطفال، على الأرض منذ عدة أيام، في غياب أي مقومات صحية وخدمية؛ على أمل أن يتم الاعتناء بهم.
رفع المعتصمون لافتات كُتبت عليها شعارات، من بينها: "نحن المهاجرين بدولة ليبيا نطالب المنظمة والجهات المسؤولة عن اللاجئين بإجلائنا عن هذا البلد، لأنه غير آمن"، و"إجلاء فوري، أنا لاجئ، أنا إنسان".
فرار مهاجرين ولاجئين
في المقابل فقد فر عدد كبير من المهاجرين من النيجر والسودان وإريتريا من بلدانهم التي تشهد نزاعات وفقراً وفساداً؛ لمحاولة عبور البحر المتوسط من ليبيا إلى أوروبا، في رحلات محفوفة بالمخاطر على متن قوارب مطاطية ومتداعية.
من فشلوا في المغادرة علقوا بالبلد الذي يعيش حالة من الفوضى منذ عام 2011 وتنتقده منظمات إنسانية باستمرار؛ لسوء معاملة المهاجرين واللاجئين.
فيما شنت السلطات الليبية حملة، نهاية الأسبوع الماضي، في ضاحية فقيرة بالعاصمة طرابلس حيث تقيم غالبية من المهاجرين وطالبي اللجوء، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 15 على الأقل، وفق الأمم المتحدة.
بحسب العديد من المنظمات غير الحكومية، تم اعتقال واحتجاز ما يقرب من 5 آلاف مهاجر خلال العملية التي أعلِن رسمياً أن هدفها مكافحة تجارة المخدرات.
تقول حليمة: "كنا 39 شخصاً نعيش في شقة واحدة. أنا وأطفالي الثلاثة الوحيدون الذين تجنبنا التوقيف". لكن بعد "الاختباء لثلاثة أيام"، أُوقفت رفقة أطفالها وأُودعوا مركز "المباني".
مقتل 6 مهاجرين
في المقابل نجح نحو ألفي مهاجر ولاجئ، الجمعة، في الهروب من هذا المركز، في حين قُتل ستة آخرون برصاص حراس ليبيين، وفق منظمة الهجرة الدولية التي أدانت في تصريح لوكالة فرانس برس، الظروف "الرهيبة" بالمركز المكتظ.
يقول إسماعيل دراب الذي نجح في الهروب: "كان المكان مكتظاً إلى درجة لم تسمح لنا بالنوم. لم يكن هناك مكان للتمدد". وأضاف طالب اللجوء الذي دفعه الفقر المدقع إلى الهجرة: "نريد فقط مغادرة هذا البلد".
بدوره، يقول طالب اللجوء وفاغ إدريس (31 عاماً): "أطلب الإجلاء من ليبيا، لأنها ليست بلداً آمناً". وأكد أن السلطات الليبية استهدفت خلال حملة "مكافحة تجارة المخدرات" المهاجرين "بناءً على لون بشرتهم… الوضع في طرابلس لا يطاق بالنسبة للسود". وتابع الشاب السوداني: "نحن معرَّضون لكل الأخطار. حياتنا مهددة".
استئناف الرحلات
في سياق متصل وقبل ساعات من الفرار الجماعي الجمعة، جددت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعوة السلطات الليبية إلى "السماح باستئناف الرحلات الجوية الإنسانية إلى خارج البلاد، المعلَّقة منذ عام تقريباً".
حيث بدأت عمليات الهجرة نحو أوروبا عبر السواحل الإيطالية التي تبعد نحو 300 كيلومتر، في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي الذي قُتل عام 2011 في خضم انتفاضة شعبية.
لكنها ازدادت بشكل كبير في العشرية الأخيرة التي سادتها فوضى، ازداد في خضمها تهريب وتجارة البشر.
في سياق متصل ورداً على ما حدث، أعلنت وزارة الداخلية الليبية، السبت، مقتل "مهاجر" غير نظامي، إثر مواجهة الشرطة ما اعتبرته "واقعة هروب" من مركز للهجرة في طرابلس.
جاء ذلك في بيان للوزارة، غداة إعلان المنظمة الدولية للهجرة أن عدد القتلى 5 "إثر إطلاق نار داخل مركز احتجاز للمهاجرين غير النظاميين في ليبيا".
عصابات الجريمة
كما قالت الداخلية الليبية في البيان ذاته، إنها "شنت حملة أمنية مكثفة على أحد أكبر أوكار عصابات الجريمة، ما أسفر عن ضبط مئات من المهاجرين غيرالشرعيين، وتم تسليمهم لمراكز التجميع والعودة تمهيداً لترحليهم خارج البلاد"، دون ذكر وقتها.
أضافت: "وقع الجمعة بمركز التجميع والعودة (بمركز الهجرة) تدافع وهروب المئات من المحتجزين، تسبب في مقتل مهاجر غير شرعي وإصابة عدد من المهاجرين وعدد من أفراد الشرطة"، دون أي تفاصيل عن الجنسية أو عدد المصابين وحالتهم الصحية.
أوضحت أن "حالة من الفوضى والهلع أصابت سكان المنطقة (مع التدافع والهروب)، مما استدعى تدخُّل الشرطة، وتمت العملية بمهنية وبدون استخدام القوة المفرطة".
كما دعت الداخلية الليبية المنظمات الدولية إلى "المساعدة في عملية العودة الطوعية والترحيل بأسرع وقت".
في سياق متصل تعد ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين الفارين من الحرب والفقر بإفريقيا والشرق الأوسط، والراغبين في الانتقال إلى أوروبا.