تمكّن "عربي بوست" من الوصول إلى صور أقمار صناعية تُظهر مكان بناء أكبر مجمع سجون في مصر، الذي أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في منتصف سبتمبر/أيلول 2021، عن اعتزام بلاده افتتاحه خلال أسابيع، قائلاً إنه على "الطراز الأمريكي".
هذا المجمع سيكون واحداً من بين 7 أو 8 سجون في مصر ستصمم وفقاً لنسخة أمريكية، بحسب ما قاله السيسي في مكالمة هاتفية على قناة محلية مصرية.
تُظهر صور الأقمار الصناعية ضخامة مجمع السجون، الذي تُطلق عليه القاهرة اسم "مركز الإصلاح والتأهيل"، وهذه الضخامة سببها أن المجمع لا يشتمل فقط على زنازين المعتقلين، بل يوجد بداخله محاكم القضاء، كي لا يتم إخراج السجناء من المجمع عند محاكمتهم.
انطلقنا في التقصي هذا حول مجمع السجون من معلومة مختصرة قالها السيسي، عندما أشار في المداخلة إلى أن المجمع يقع في وادي النطرون، وهي منطقة شاسعة تتبع لمحافظة البحيرة، وتقع على الطريق الصحراوي الرابط بين القاهرة والإسكندرية.
مصدر أمني مصري تحدّث لـ"عربي بوست" عن بعض المعلومات حول شكل بناء المجمع، وقال إنه يتم بناؤه على الطريق الصحراوي، وأنه يتميز بعنابر السجناء المبنية على شكل حرف H.
يقع مكان مجمع السجون تحديداً على الطريق الواصل بين القاهرة والإسكندرية، على بعد نحو 4 كيلومترات من جامعة مدينة السادات، ونحو 7.75 كيلومتر من استراحة "ريست هاوس"، وتم بناؤه في منطقة جرداء محاطة بالأراضي الصحراوية، ويبلغ طول السجن نحو 1387 متراً، وعرضه نحو 1330 متراً.
كيف تأكدنا من مكان السجن؟
اعتمدنا على معلومات المصدر الأمني، وعلى عدد من مواقع "المصادر المفتوحة" للتعرف على مكان السجن وشكل أبنيته، والتأكد من أنه بالفعل المكان الصحيح. تمت في البداية عملية بحث طويلة عبر مواقع الخرائط التي توفر صوراً من الأقمار الصناعية، على طول الطريق الصحراوي الذي يبلغ 220 كيلومتراً، للعثور على منطقة تشهد عمليات بناء.
عثرنا على منطقة تشهد أعمال بناء واسعة، وللتأكد من أنها بالفعل مكان بناء مجمع السجون، ربطنا بين تاريخ ظهور مجمع السجون على صور الأقمار الصناعية، وبين شهادات مسافرين قالوا إنهم بدأوا يرصدون مبانيَ مرتفعة قيد الإنشاء وأبراجاً للمراقبة في المنطقة، منذ فبراير/شباط 2021.
ظهرت ملامح بناء مجمع السجون لأول مرة على صور الأقمار الصناعية بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقبل هذا التاريخ كان مكان بناء المجمع عبارة عن أراضٍ زراعية فقط، ومع استمرار العمل ببناء المجمع كانت مبانيه العالية بدأت تظهر للمسافرين على الطريق الصحراوي بحلول فبراير/شباط الماضي.
ماذا يضم مجمع السجون؟
تُظهر صورة الأقمار الصناعية أن مجمع السجون سيكون شديد الحراسة، ويكاد يكون من المستحيل نجاح أي محاولة هروب منه، إذ تنتشر على مساحاته الشاسعة أسوار ضخمة، إضافة إلى أن أرضاً تفصل بين الأسوار الداخلية والخارجية للمجمع.
كذلك تنتشر على مساحة السجن أعداد كبيرة من أبراج المراقبة التي أظهرتها صور الأقمار الصناعية، إضافة إلى أخرى يبدو أنها قيد الإنشاء.
كذلك تُظهر الصور أن عنابر السجناء في المجمع بُنيت بشكل يشبه تلك العنابر المبنية في العديد من السجون الأمريكية، على شكل حرف H، بحيث يتصل كل عنبر بالآخر، ويمثل كل عنبرين كتلة منفصلة عن غيرهما من العنابر.
بعد التقصي حول أشكال السجون الأمريكية باستخدام صور الأقمار الصناعية، وجدنا عدداً من السجون بُنيت عنابرها على شكل حرف H، وهو الشكل الذي استلهمه مجمع السجون المصري من الطُّرز الأمريكية، ومن بين تلك السجون سجن لويسبورغ الواقع في ولاية تينيسي، وسجن ليفنوورث في ولاية كانزاس.
المصدر الأمني الذي تحدّث لـ"عربي بوست" أشار إلى أنه من المفترض أن يفصل بين العنابر في مجمع السجون المصرية مساحات خضراء، في شكل مشابه لتصميم العنابر ببعض السجون الأمريكية.
أضاف أنه لمنع تهريب الممنوعات من ذوي المساجين تمت الاستعانة بأجهزة حديثة للتفتيش مثل جهاز X RAY.
يحتوي مجمع السجون المصري على 16 عنبراً للسجناء، وكل 4 محصورة ضمن مساحة مُحاطة بالأسوار وبأبراج المراقبة، فيما يتوسط مجمع السجون أبنية تعذّر معرفة ماهيتها، لكن بحسب تصريحات السيسي، فإن المجمع لن يقتصر على الزنازين فحسب.
كذلك أظهرت صور الأقمار الصناعية ما بدا أنها مساجد، وحصل "عربي بوست" على معلومات عن أن المجمع سيضم أيضاً مستشفى حديثاً، وملاعب، ومكتبات للقراءة والاطلاع، ومسجداً، ومساحات للتريّض.
تُظهر أحدث صورة أقمار صناعية لمجمع السجون المصرية، التُقطت يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن أعمال البناء شارفت على الانتهاء، وبقي استكمال بناء المناطق الزراعية في محيط السجن.
يأتي بناء أكبر مجمع للسجون المصرية في الوقت الذي تواجه القاهرة انتقادات محلية ودولية بشأن أوضاع السجناء والسجون.
فمنذ عام 2014 وهناك العديد من التقارير الحقوقية التي تشير إلى وجود ما يقارب 60 ألف معتقل لأسباب سياسية، أوضاعهم سيئة داخل السجون المصرية، فضلاً عن أنهم يلاقون معاملة غير إنسانية على كافة المستويات.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، طالب 56 عضواً بالكونغرس الأمريكي -ينتمون للحزب الديمقراطي- الحكومةَ المصريةَ بإطلاق سراح حقوقيين وناشطين سياسيين يقبعون في السجون المصرية.
كذلك كانت أكثر من 30 دولة من البلدان الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أصدرت إعلاناً مشتركاً، في مارس/آذار 2021، أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء مسار حقوق الإنسان في مصر.