زيارة غير مسبوقة أجراها وزير الدفاع السوري، العماد علي أيوب، إلى الأردن التقى فيها رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، وذلك في أول لقاء من نوعه منذ بدء الصراع في سوريا قبل 10 سنوات، والذي كان الأردن يدعم فيه لسنوات المحور الرئيسي للمسلحين المدعومين من دول غربية وبعض دول الخليج كالسعودية والإمارات.
وتدور التساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ اندلاع أحداث الثورة السورية عام 2011، وتوقيتها والهدف منها.
مصادر خاصة من الأردن ذكرت لـ"عربي بوست" تفاصيل وكواليس ما دار في هذه الزيارة وعلاقة خط الغاز العربي بها.
وقف دعم مسلحي درعا
وذكرت مصادر خاصة مطلعة على تفاصيل الزيارة لـ"عربي بوست"، أنّ اللقاء الذي جمع وزير الدفاع السوري مع رئيس هيئة الأركان الأردنية، ركز على القضايا الأمنية السياسية المتعلقة بين الطرفين.
وأثار وزير الدفاع السوري في الاجتماع مسألة خط الغاز والكهرباء اللذين سيمران من الأراضي السورية، ووجه طلبه لنظيره الأردني بالكف عن تقديم أي دعم بالسلاح للتنظيمات المسلحة في الجنوب السوري عبر الرمثا، الأمر الذي قوبل بالإيجاب من رئيس هيئة الأركان الأردني، على اعتبار أن الأردن يولي اهتماماً كبيراً نحو إتمام مرور خط الكهرباء والغاز المصري.
وتبرز قضية دعم الأردن للمسلحين في الجنوب السوري، وخصوصاً درعا، حيث كان الأردن يقوم بدعم تنظيمات الجنوب السوري ويمدها بالسلاح والمال عبر مدينة الرمثا الأردنية الحدودية، ومنها إلى درعا بحكم قرب المسافة، وبفعل الترابط الاجتماعي والعشائري بين الرمثا الأردنية ودرعا السورية.
وتشير المصادر ذاتها إلى أنّ الجانب السوري ممثلاً بوزير الدفاع السوري بحث مع الأردن مسألة الدعم غير المعلن المقدم من الجانب الأردني إلى ثوار الجنوب السوري، وهو الدعم الذي بدأت تشتد ذروته بعد عام 2015 سواء عبر السلاح أو الدعم المادي، أو العمل على ضبط حالة تسرب السلاح من الجانب الأردني نحو الداخل السوري عبر تجار وسماسرة يعملون على تزويد المسلحين بالسلاح تحت غطاء من عناصر أمنية أردنية.
تدخل ضمن تحولات عميقة
زيارة وزيرة الدفاع السوري علي أيوب ولقاؤه مع الجنرال يوسف الحنيطي، تدخل في إطار تطورات العلاقات بين البلدين، في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد تحولات عميقة في الموقف الأردني من الحكومة السورية ومسألة التعاون معها.
هذا ما يؤكد عليه الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي عمر الرداد، مشيراً إلى الاتفاق الذي أبرمته القيادة السورية مع فصائل مسلحة في عام 2018، بإشراف وتدخل من قبل القيادة الروسية، وتضمن التزاماً سوريا بالاستجابة لمتطلبات الأردن الخاصة بضبط الحدود ومنع التهديد الأمني متمثلاً بالقاعدة وداعش بالإضافة للمليشيات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
ويضيف الرداد: "منذ عام 2018 تواصلت اللقاءات والاتصالات بين السلطات الأردنية ونظيرتها السورية، على مستويات مختلفة، وهو ما أنتج مناخاً إيجابياً يؤسس لاتفاقات تبادل تجاري وانسياب البضائع بين البلدين، وصلت إلى حد تسهيلات غير مسبوقة بإجراءات السفر بالنسبة لمواطني البلدين، عبر المعبر الحدودي الرئيسي المعروف بـ" جابر- نصيب" بين البلدين.
ويرى الرداد أنّه خلال زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، كان الملف السوري ضمن أجندة الملك التي تمّ طرحها خلال المباحثات مع إدارة بايدن في واشنطن، وتضمن مطلباً أردنياً لاستثنائه من عقوبات قيصر الأمريكية المفروضة على سوريا، في ظل قناعات أردنية بأهمية الانفتاح على سوريا وتحديداً في الجانب الاقتصادي، الذي تمثل في منح الإدارة الأمريكية القيادة الأردنية ضوءاً أخضر بهذا الخصوص.
وبعيداً عن مفردات البروتوكول الدبلوماسي التي تضمنتها البيانات الرسمية من كلا الجانبين، جاءت زيارة وزير الدفاع السوري، بالتزامن مع تطورين بحسب ما يكشف عنه الرداد وهما: الأحداث الأخيرة في درعا المرتبطة بالحملة التي شنها الجيش السوري ضد المسلحين، والثاني موافقة دمشق على مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر أراضيه، عبر مشروع طاقة سيربط مصر والأردن مع سوريا ولبنان.
وقد كان لافتاً بحسب رؤية الرداد عدم تدخل الأردن في أحداث درعا الأخيرة، ولو بإصدار مواقف سياسية، إلا في إطار حسابات مرتبطة بالأمن الوطني الأردني بمنع وجود مسلحين وإرهابيين بالقرب من حدوده.
ومن هنا فإنّ زيارة وزير الدفاع تعطي – بحسب ما يذهب إليه الرداد – مؤشراً على العناوين المستقبلية للعلاقة بين عمان ودمشق، وهي عناوين عسكرية وأمنية بالدرجة الأولى.
ورغم قلة التسريبات حول نتائج الزيارة، إلا أنّ هذا البعد الأمني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأبعاد اقتصادية يحتاجها البلدان، لن تتوقف عند تأمين خطوط إمدادات الطاقة، بل ستتوسع لتشمل قطاعات أخرى، بما فيها مواقف أردنية مؤيدة للقيادة السورية في المحافل الدولية والإقليمية، وما يتعلق بالتسوية السورية الداخلية، ومستقبل تواجد القوات الأجنبية في سوريا.
أبعاد ودلالات سياسية عميقة للزيارة
وبطبيعة الحال فإنّ الزيارة تحمل في طياتها أبعاداً ودلالات سياسية عميقة، بحسب مراقبين ومحللين سياسين، وهو ما يشير إليه رئيس تحرير في قناة الميادين عبد الله شمس الدين في حديثه إلى "عربي بوست"، مؤكداً أنّ تلك الزيارة هامة جداً ولها دلالات عميقة، فهي ليس زيارة بروتوكولية وليست زيارة أمنية بحتة، فهي زيارة تحمل أبعاداً سياسية.
وأشار إلى أنّ الأردن كان على مدى سنوات الأزمة السورية في محور آخر ممثلة في غرفة "الموك" التي كانت تتخذ من الأردن منطلقاً لها وتديرها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن وبعض دول الخليج، وهناك دور للجانب الإسرائيلي فيها ومهمتها تتركز على الجنوب السوري لاسيما درعا والجولان، وينتمي إليها في الجنوب ما يقارب الـ20 فصيلاً، أهمها: جبهة ثوار سوريا، وجبهة أنصار الإسلام، وألوية سيف الشام، وألوية الفرقان، وفصائل الجبهة الجنوبية.
ويوضح شمس الدين أنّ هناك تغييراً في الموقف الأردني وزيارة وزير الدفاع السوري لها أبعاد سياسية، والأردن جزء من محور، وأي تحركات يقوم بها ويتحرك من خلالها سياسياً يأتي بالتنسيق مع تلك الدول التي تشاركه في ذات المحور.
وشدد على أنّه لا يمكن لعمان أن تستقبل وزير الدفاع السوري دون أن يكون هناك تنسيق مع هذه الدول وتحديداً مع الجانب الأمريكي، فهناك ضوء أخضر من واشنطن وبطلب أمريكي ضمن رؤية واسعة للمنطقة بدأنا نشهدها منذ تسلم جو بايدن الرئاسة الأمريكية، ومنذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مؤكداً أنّ هناك تغييراً في نهج الإدارة الأمريكية للكثير من القضايا ومن ضمنها منطقة الشرق الأوسط.
تتزامن تلك الزيارة مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو ولقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبل عدة أيام، ما تحمله تلك الزيارة من دلالات كبيرة يرافقها ضربات عسكرية روسية- سورية ضد مواقع ونقاط عسكرية تابعة لأنقرة على رأسها غارات على معسكر يتبع فصيل "فيلق الشام" المدعوم من تركيا في محيط مدينة عفرين.
ويضيف شمس الدين، معلقاً على زيارة وزير الدفاع إلى الأردن قائلاً: "عندما نتابع الحراك في شرق سوريا وما يتردد عن انسحاب أمريكي محتمل ضمن اتفاق مع موسكو يمكن أن نفهم أبعاد تلك الزيارة لشخصية عسكرية بحجم العماد علي أيوب إلى الأردن".
كما يؤكدّ شمس الدين أنّ الكثير من الأمور باتت تتكشف، فما جرى من اتفاقيات سريعة في درعا مؤخراً لا يمكن أن يكون الأردن بعيداً عنها بل يقف خلفها، وأكبر دليل على ذلك موافقة المسلحين بشكل مفاجئ على الانسحاب، فمنهم من أبدى موافقته على الانسحاب إلى إدلب ومنهم من عمد إلى تسوية أوضاعه، وعلى أثرها دخل الجيش السوري إلى مدينة طفس وهي كبرى المدن في ريف درعا جنوب البلاد، تنفيذاً لاتفاق تم التوصل إليه قبل أيام.
وبالتالي فإنّه، وبحسب تأكيدات شمس الدين، هناك توجهات دولية وهي جزء من حلحلة الملف السوري، كان منها اتفاق وزراء الطاقة في مصر، وسوريا، والأردن، ولبنان على نقل الغاز المصري إلى لبنان، مروراً بسوريا الذي يرزح تحت أزمة اقتصادية وكهربائية خانقة، وكل هذه الأمور لن تمر بحسب شمس الدين إلا عبر غطاء من واشنطن، الناتج عن تبدل في الموقف الأمريكي.
استفادة سورية
زيارة وزير الدفاع السوري للأردن ولقاؤه مع رئيس هيئة الأركان في عمَّان تأتي ضمن التنسيق الأمني والعسكري لقضايا تتعلق بأمن الحدود ومكافحة الإرهاب والتهريب، وذلك ضمن الحدود الاضطرارية التي تتابعها الأردن مع مسؤولين في النظام السوري، وهذا ما يكشف عنه المحلل في الشؤون السياسية الاستراتيجية وائل علوان، وهو الناطق السابق باسم فصيل "فيلق الرحمن"، الذي يرى بأنّ الزيارة ترتكز في بُعدها الأساسي على الملفات الأمنية والملفات الاقتصادية، حيث تلتزم الأردن بالسياق الدولي وترفض حتى الآن التطبيع السياسي مع النظام السوري.
ويوضح علوان أنّه طالما أنّ النظام غير ملتزم بالمسار السياسي الأممي وغير جاد في تحقيق أمن دول الجوار المتفق عليه بين روسيا والولايات المتحدة في مفاوضاتهما حول جنوب سوريا عام 2018.، فإنّ حلحلة الأوضاع في سوريا يعد مهمة صعبة، منوهاً إلى أنّ روسيا حاولت جاهدة الحصول على مكتسبات سياسية واقتصادية من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
بالتالي فإنّ روسيا والنظام السوري استفادا من الحاجة الدولية لحلّ مشكلات المنطقة الاقتصادية بعد مضاعفات جائحة كورونا عالمياً وخاصة على لبنان والأردن، الأمر الذي يفسّر الموافقة المبدئية الأمريكية لدعم الأردن ولبنان بالغاز والكهرباء عبر النظام في دمشق، وهذا ما يتطلب بعض التنسيق الاقتصادي والأمني مع التحفظ حالياً على التنسيق السياسي مع وضع موسكو في حالة اختبار جدية لأجل تطويع النظام السوري لتأمين الحدود الأردنية من مخاطر تهريب المخدرات والإرهاب والأهم من النفوذ الإيراني المقلق في جنوب سوريا.
ضمن التقارب السوري مع دول عربية
زيارة وزير الدفاع السوري إلى الأردن لأول مرة منذ عقد تدخل ضمن إطار التقارب السياسي مع دول عربية على رأسها السعودية والإمارات والأردن، حيث يسعى النظام السوري إلى فتح صفحة جديدة مع تلك الدول وطي عشر سنوات من القطيعة بعد إدراك دمشق أنّ تلك الدول ستعمل على تغيير نهجها وتفكيرها تجاه الأزمة السورية.
وهذا ما يذهب إليه المحلل السياسي الإيراني قيس قريشي، المقرب من الخارجية الإيرانية، في حديث لـ"عربي بوست"، مؤكداً أنّ هناك تقارباً سياسياً بين النظام السوري مع الأردن والسعودية والإمارات، بعد أن توقف تلك الدول دعم المعارضة والتنظيمات المسلحة في سوريا، وإدراكها أنّ دعمها ذلك لم يعد يجدي نفعاً، على حد تعبيره.
ويرى قريشي أنّ سوريا تريد عبر تعزيز علاقاتها بالجانب الأردني والسعودي والإماراتي، تخفيف حدة التأثير القطري- التركي في الواقع السوري، على اعتبار أنّ تلك الدول لا تنتهج النهج الذي تقوم به كل من الدوحة وأنقرة في دعمها للمعارضة السورية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ قريشي يكشف عن أنّ زيارة وزير الدفاع السوري للأردن تدخل ضمن إطار المفاوضات السعودية- الإيرانية غير المعلنة، حول قضايا المنطقة ومنها الأزمتان السورية واليمنية، إلا أنّ طهران ترفض التقدّم في تلك المفاوضات وتشترط أن يتم مناقشة وإنهاء كل ملف على حدة، وليس حزمة واحدة، ومنها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران والتدرّج في عودة العلاقات بدءاً بإعادة فتح السفارات، ومن ثمّ العمل على إيجاد تسوية في الملف اليمني والسوري.
وتوقع وصفي الشرعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، أن "يقوم وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، بزيارة قريبة إلى دمشق للقاء نظيره السوري، وهو أمر مهم وسيكون على ضوء اللقاءات التي جرت في موسكو".
وفي 2019، رفع الأردن تمثيله الدبلوماسي مع سوريا إلى درجة قائم بالأعمال بالإنابة، بعد أن كانت سفارته في دمشق مفتوحة، لكن لا يوجد بها سوى موظفين إداريين فقط.