يبدو أن الفيديو الأخير الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي للقائد العسكري الليبي محمود الورفلي يحمل في طياته رسائل أعمق بكثير مما تداوله النشطاء الليبيون. فالأمر يتعلق بانقلاب الورفلي على حليفه خليفة حفتر بصورة عملية وميدانية.
وكان انتشر يوم 2 مارس/آذار 2021 فيديو ظهر فيه محمود الورفلي مع مجموعة ترتدي زي الشرطة العسكرية، وهو يتجول في مقر وكالة تويوتا ببنغازي، قبل أن يبدأ ومن معه في تحطيم محتويات المكان وإتلافه.
وظهر في الفيديو صوت الورفلي، الملقب بـ"ضابط الإعدامات" و"سفاح حفتر"، أثناء تدمير مرافقيه المسلحين لمحتويات المكان، قائلاً إن هذه هي أموال الليبيين، مهدداً صاحب الموقع بالقول: "أنت ميت".
وعللت بعض وسائل الإعلام الموالية لحفتر السبب الحقيقي للهجوم بوجود حكم قضائي لصالح مالك وكيل تويوتا ببنغازي، مبارك السوسي، في قضايا كان قد رفعها ضد ميليشيات عسكرية اغتصبت أراضي ترجع ملكيتها لعائلة السوسي، واتخذتها مقراً لها.
لكن مصادر خاصة لـ"عربي بوست" كشفت حقيقة هذا الهجوم، وأن الرسالة التي يريد توجيهها الورفلي هي لحفتر والحكومة الجديدة، وليست لصاحب التوكيل.
معركة تكسير العظام
لم يكن هجوم محمود الورفلي، المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في بنغازي والتابع لقوات الصاعقة الموالية لخليفة حفتر، على مقر وكيل شركة تويوتا في بنغازي سوى بغرض "تحدي القيادة العامة في الرجمة، ولفت نظر الحكومة الجديدة إلى أن خليفة حفتر لا يسيطر على أهم مدينة في شرق ليبيا وهي بنغازي"، بحسب ما كشفته مصادر عسكرية رفيعة المستوى شرق ليبيا.
وأوضح المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه خشية الملاحقة، لـ"عربي بوست"، أن ما قام به محمود الورفلي في بنغازي كان بهدف إرسال رسالة واضحة وصريحة بأن بنغازي ليست تحت سيطرة خليفة حفتر، وأنه مستعد لمواجهة القيادة العامة حال اتخاذ أية إجراءات حياله.
وتابع المصدر أن الورفلي تعمد الهجوم على وكيل تويوتا ببنغازي لصلته المباشرة بالقائد العام خليفة حفتر، وبهدف تهجير رؤوس الأموال من بنغازي، وإيصال صورة واضحة أن بنغازي غير آمنة عبر بث الفوضى في المدينة.
السبب في هذه التحركات -بحسب المصدر ذاته- هو وصول معلومات إلى الورفلي من جهات "غير معروفة" بأن القيادة العامة عازمة على تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية، والعمل على تصفيته.
واستطاع الورفلي خلال الفترة الماضية تشكيل قوة عسكرية داخل بنغازي مكونة من عسكريين ومدنيين من مدينتي بنغازي وترهونة، متخذاً من معسكر الصاعقة بمنطقة بوعطني شرق مدينة بنغازي وشركة الجوف بمنطقة تيكة غرب مدينة بنغازي، مقراً لها.
وأوضحت المصادر العسكرية في بنغازي أن الورفلي أصبح لا يمتثل للأوامر العسكرية من القيادة العامة، الأمر الذي سيجعله مطلوباً للقضاء العسكري.
حفتر يطلب من القبائل الخروج على الورفلي
من جهة أخرى، قال مصدر مطلع بمدينة بنغازي لـ"عربي بوست" إن خليفة حفتر اجتمع مع عدد من القيادات العسكرية والاجتماعية لقبيلة العواقير في مقر القيادة العامة بالرجمة، في اجتماع منع خلاله التصوير والتسجيل لغير مكتب إعلام القيادة.
وناقش حفتر خلال الاجتماع انفلات الأوضاع الأمنية في بنغازي محملاً مسؤولية انفلات الأمن في المدينة على من سماهم "الخارجين عن القانون والمارقين من المسلحين العسكريين والمدنيين"، متهماً إياهم بالخونة والعملاء للعدو.
وأكد حفتر خلال لقائه بتلك القيادات أن من يسعون لزعزعة الأمن في بنغازي يريدون خلق فتنة بين قوات الجيش الذي تم تأسيسه بعد أن تخلصت المدينة ممن سمّاهم الإرهابيين، موضحاً أن القيادة العامة دعمت بكل قوة وزارة الداخلية ومديرية الأمن ببنغازي على مكافحة العصابات المسلحة والمارقين والخونة، على حد تعبيره.
وأضاف حفتر: "لقد منعنا كل الجهات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية من التواصل مع العدو أو التصريح بأي تصريحات إعلامية إلا بعد التواصل مع هيئة السيطرة بالقيادة العامة، وتقديم كل البيانات اللازمة للعمل المطلوب وعدم المضي فيه إلا بعد الحصول على الموافقة".
وأكد أنه ستتم محاسبة كل العسكريين والأمنيين الذين يقومون بتصوير الخروقات والعمليات التي تجريها القوات العسكرية والأمنية.
وطالب خليفة حفتر القيادات الاجتماعية والعسكرية لقبيلة العواقير بالهجوم على مقرات محمود الورفلي ومن معه وإخلائها والقبض على المجرمين فيها وتسليمهم للعدالة، معللاً عدم اتخاذ أية إجراءات عسكرية حيالهم كي لا تظهر صورة الإخلاء والقبض حال حدوث اشتباكات في الإعلام بين الصاعقة وقوات الجيش ويستغلها العدو في تشويه صورة الجيش.
صراع بين حفتر ورجال القذافي
أوضح المحلل السياسي عمر التهامي لـ"عربي بوست" أن ما يقوم به الورفلي في بنغازي هو في الأصل صراع نفوذ بين أنصار النظام السابق الداعمين لخليفة حفتر وبين حفتر.
ويعتبر الورفلي أحد أهم رجال النظام السابق في بنغازي، بل يعد الطرف الأقوى حتى الآن بالتوازي مع اللواء 106 الذي يقوده نجلا خليفة حفتر، صدام وخالد.
وذكر التهامي أن أنصار النظام أصبحوا رقماً أساسياً في المعادلة السياسية والعسكرية الجديدة في ليبيا، خصوصاً بعد تمكنهم من فرض أنفسهم في المشهد السياسي الجديد بجنيف.
وأضاف التهامي أن أنصار النظام السابق استطاعوا في المشهد الجديد الحصول على بعض المقاعد الوزارية في حكومة الدبيبة، الأمر الذي جعلهم الآن يحاولون فك الارتباط بخليفة حفتر، وإنشاء كيان سياسي وعسكري مستقل ينطلق من بنغازي، التي يراها أنصار النظام السابق مركز قوة سياسية وعسكرية لهم.
وأشار التهامي إلى أن مصالح خليفة حفتر وأنصار النظام السابق تقاطعت في 2014، فحدث تحالف، لكن يبدو أن هذا التحالف في طريقه للانتهاء الآن بعد حصول أنصار نظام القذافي على موضع سياسي وعسكري يجعلهم يتبوأون مركزاً بين الكتل السياسية الجديدة في ليبيا.
انتقاد المنظمات الدولية
وانتقدت الشهر الماضي منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بقاء محمود الورفلي حراً طليقاً واستغربت ترقيته إلى رتبة مقدم في (ميليشيا) لواء الصاعقة.
وفرض الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2020 عقوبات على محمود الورفلي رفقة شخص آخر وثلاثة كيانات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والحظر المفروض على السلاح.
وأوضح الاتحاد أنه فرض عقوبات على الورفلي نظراً إلى ارتباط اسمه بمقتل 33 شخصاً بين 2016 و2017 إضافة إلى الإعدام الجماعي لـ10 أشخاص في 2018.
وأصدرت محكمة بالولايات المتحدة الأمريكية في مايو/أيار 2020، أوامر استدعاء بحق خليفة حفتر وصقر الجروشي وعارف النايض ومحمود الورفلي، بشأن دعوى قضائية تقدم بها مواطنون ليبيون ضدهم في الولايات المتحدة لارتكابهم جرائم حرب وتحريض في عدوانهم على طرابلس.
وحذرت في ديسمبر/كانون الأول 2020 المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا خليفة حفتر من أنها تراقب هجومه، وحثت على اعتقال محمود الورفلي وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أنها طلبت مساعدة بعض الدول للقبض عليه وتسليمه.
كما وضعت في الشهر نفسه وزارة الخزانة الأمريكية محمود الورفلي على قائمة عقوباتها بسبب الانتهاكات المرتكبة من قبله في مجال حقوق الإنسان في بنغازي منذ عام 2016 واصفة إياه بقائد ميليشيا في قوات حفتر.