رونالدينهو ساحر الكرة البرازيلية يتجول صباحاً في شوارع القاهرة الفاطمية، يجلس مع المصريين على مقهى شعبي، في المساء يطل علينا في أستوديو قناة بيراميدز، لتحليل مباراة صاحب القناة والأرض أمام طلائع الجيش، بجواره روبرتو كارلوس، لا تنقطع هدايا البرازيل لأم الدنيا، على أرض الملعب يبهرنا كينو بأحدث الأهداف الحصرية للدوري المصري، الأرجنتيني ديمون دياز على مقعد المدير الفني للنادي الذي جعل المنافسة تشتعل على صدارة الدوري، وأصبح للكرة المصرية منافس حقيقي للأهلي والزمالك.
كانت تلك إحدى محطات تركي آل الشيخ وربما أفضلها مع الكرة المصرية، رحلة قصيرة لم تستكمل بعد قفزات عديدة، وسقطات مريرة، لكنها انتهت بشكل مغاير، (فيروس تاني عيل لسه مستجد من الخارج، فيروسات بتنشر فتن وقرف ومشاكل طول الوقت في الرياضة وبين الناس وبين أكبر جمهورين في مصر)، هكذا لخص محمد سراج، عضو مجلس إدارة الأهلي، رحلة تركي آل الشيخ مع الكرة المصرية، وهنا يبقى السؤال: كيف يكسب رئيس هيئة الترفيه السعودية معركة ويخسر الحرب دائماً؟
من الرئاسة الشرفية إلى "يا نحلة لا تقرصيني ولا عاوز عسلك"
قدم تركي آل الشيخ نفسه للمصريين على أنه علي بابا الرياضة، الذي تكتظ مغارته بالذهب والياقوت والمرجان، بينما هم نظروا له على أنه الثري العربي، صاحب الجلباب الأبيض والأموال الطائلة التي تصرف بلا رقيب أو حسيب، كما صوره أحمد مكي في فيلمه "طير أنت"، تلك الصورة المتأصلة في عقول المصريين، الثري الذي يظن أنه يتحكم في الجميع بأمواله، بينما الجميع يراه "شوال فلوس"، في وقت متأخر فطن أبوناصر لتلك الحقيقة، "يتعاملون معي على أني صراف آلي أو زكيبة أموال"، وهنا يظهر الاختلاف في التشبيه نتيجة التنويع بين العربية الفصحى والعامية المصرية، يقول المصريون "شوال فلوس" ويترجمها أبوناصر إلى "صراف آلي"، ودائماً الجمهور هو الحكم، نال تركي الرئاسة الشرفية للنادي الأهلي، وضخ مئات الملايين للنادي عن طريق إبرام الصفقات النارية، ودعم حملة محمود الخطيب لرئاسة النادي بمبلغ تشير التقديرات إلى أنه يقترب من 250 مليون جنيه، وهدايا بملايين الجنيهات توزعت بين مسؤولين بالأهلي، ونجوم سابقين والعديد من الإعلاميين، لكن كل هذا لم يشفع له حتى يحقق ما يتمناه داخل الأهلي، فكانت النهاية الدرامية بعد بيان الأهلي إلغاء الرئاسة الشرفية للشيخ، وإعادة ما قدمه للنادي، سواء دعم مالي أو هدايا، على مدار آخر سنتين، ليصرح تركي آل الشيخ "يا نحلة لا تقرصيني ولا عاوز عسلك"، فبعد عامين من المحاولات الفاشلة بداية من الاهلي ثم الزمالك وبيرميدزا والأهلي مرة أخرى، تأكد أبوناصر أنه مهزوم لا محالة، وأنه فشل في تذوق عسل الرياضية المصرية، ولن تتذكر له الجماهير المصرية سوى هتاف طال عمره.
رحلة داخل عقل تركي آل الشيخ
كانت عقلية تركي آل الشيخ وطريقة تفكيره من أهم أسباب فشل محاولته في الاستحواذ والسيطرة على الكرة المصرية، يترأس هيئة الترفيه السعودية ومن قبلها وزارة الرياضة، ويجلس على كرسي رئيس الاتحاد العربي الرياضي، ويعد من رجال محمد بن سلمان المقربين، لكنه يتعامل بعقلية المشجع دائماً، يكتب كل ما يخطر على باله، عبر صفحته بفيسبوك، فعوّض المصريين عن تدني مستوى صناعة الكوميديا مؤخراً، حاضر بتصريحات انفعالية غير مبررة، تشعر بأنها لطفل حُرِم من لعبته، حين تسير أموره مع الأهلي على خير يجعل صفحته منصةً للحديث عن عظمة الأهلي وإدارته، وعن غياب المنافسة، مع تصريحات يظنها كوميدية عن الزمالك وغيره، وحين ساءت علاقته بالأهلي، ظن البعض أن آل الشيخ سيشتري تذكرة لقاء القمة لتشجيع الزمالك أمام الأهلي، لكنه اشترى فريقاً كاملاً بجمهور ولاعبين وملاعب وقناة وإعلام، لينافس الأهلي في البطولات المحلية، ويحرمه من ألقابه الاعتيادية، "اللي يلعب معانا يستحمل"، كانت تلك قاعدته الطفولية دائماً، مع الأهلي أو ضده، أنفق مئات الملايين من أجل رد اعتباره، ففاز بيراميدز على الأهلي في مقابلتهما الأولى، بعد أن أتم تعاقده مع نجمه السابق عبدالله السعيد، ليحضر من السعودية يوم المباراة ويقيد ضمن قائمة الفريق، انتصر تركي آل الشيخ في تلك المعركة الصغيرة، لكنه لم يحقق بطولة تشفع له أمام حسابه البنكي بعد مئات الملايين المهدرة، فخسر الحرب أمام الأهلي والرياضة المصرية في النهاية، وتلك النتيجة تحدث دائماً عندما تمتلك ملايين الدولارت وتفتقد لشخصية رزينة، توجهك كيف تتعامل بحكمة.
كيف أخطأ الخطيب في فهم شخصية أبوناصر؟
كانت علاقة النادي الأهلي جيدة طوال الوقت مع رجال أعمال محبين من الخليج بشكل عام، كثيرون دعموا النادي مادياً، وحصلوا على احترام الإدارة والجمهور، لسنوات عديدة تكفل رجل الأعمال الكويتي ناصر الخرافي براتب المدير الفني للأهلي حينها مانويل جوزيه، وحتى بعد وفاة الخرافي، ظل يدفع راتب البرتغالي وجهازه المعاون، من وديعة بنكية خُصصت لهذا الأمر، وتبقى صالة الأمير عبدالله الفيصل بفرع الأهلي بالجزيرة، شاهدة على دعم الابن الأكبر للملك فيصل للنادي الأهلي وجماهيره، لكن محمود الخطيب المتربع على كرسي الإدارة بالأهلي والمستحوذ على عشق جماهيره، قبل أن تبتلى الكرة المصرية بتركي آل الشيخ، لم يعيِ الخطيب الشخصية التي يتعامل معها، تسير الأمور في الأهلي بشكل محدد في طريقة التعامل مع المحبين والداعمين بأموالهم، يحصل الأهلي على الدعم ويوجه الشكر وفقط، لا تدخلات في الإدارة، ولا حتى توجيهات تتعلق بالنادي وأموره الداخلية، لكن هذا لا يتماشى مع شخصية تركي آل الشيخ، المحب للظهور دائماً، وسماع توجيهاته وتنفيذها، أراد أبوناصر أن يتعامل معه الأهلي كما يتعامل مع عمرو أديب، يضربه على كتفه بطفولية عجيبة، مرحباً به في السعودية، بعد توقيعه على عقد للعمل في mbc، فيرد أديب بضحكة خجولة.
سمع جمهور الأهلي عن دعم رجال أعمال وأمراء من الخليج في هدوء تام، وفي خبر من عدة سطور، وتنتهي الحكاية، بينما تركي آل الشيخ يريد أن يطبق قاعدة "بفلوسك وبمالك هتنول اللي في بالك".
تركي ومرتضى والأهلي.. كيف تتدخل السياسة بكرة القدم؟
في مصر تتدخل السياسة في كل شيء، ويتدخل مرتضى منصور في السياسة وكل شيء، ظهر تركي آل الشيخ باعتباره مندوب السعودية إلى مصر، مؤكداً دعم المملكة لمصر دائماً، والتقى عبدالفتاح السيسي لزيادة تأكيده على علاقات مصر والسعودية القوية، بينما مرتضى منصور يقتحم كل مجالات الحياة في مصر، باعتباره رئيس الزمالك وعضو مجلس الشعب، وأصغر قاضٍ مصري، كما يقول عن نفسه، من بداية علاقة تركي آل الشيخ بالأهلي، ومرتضى منصور يظهر في كل المناسبات، ودائماً ما يتطاول على إدارة الأهلي، ويتكلم بصوت آل الشيخ، "فين الساعات يا خطيب"، لا يكفّ رئيس نادي الزمالك عن توجيه السباب للخطيب شخصياً، ولبقية مجلس إدارة الأهلي في وصلات سبّ وقذف متواصلة عبر الفضائيات وقناة الزمالك مؤخراً، مرتضى منصور يوجه الشتائم طوال الوقت لخصومه، ولا يحاسبه أحد، ودائماً ما يتساءل الجمهور عمّن يحمي مرتضى منصور؟
إدارة الأهلي نفسها لم تجد إجابة، فأطلقت سؤالاً جديداً عبر صفحتها على فيسبوك: "كيف نحصل على حقوقنا المشروعة بعدما عطلت الحصانة تفعيل القانون؟"، حيث تقدم الأهلي بمذكرة لرئيس مجلس الشعب يطلب منه موافاته بالطريقة الصحيحة لاستراد حقوق النادي من عضو البرلمان مرتضى منصور، الذي يحتمي بالحصانة البرلمانية، ربما حاول الأهلي الإجابة عن سؤال الجمهور، لكن تظل الأمور كما هي عليه، وعلى المتضرر اللجوء لساحات السوشيال ميديا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.