تشير تطورات الأيام القليلة بعد سيطرة قوات حكومة الوفاق الليبية على قاعدة الوطية بوضوح إلى وجود توجه لتحركات عسكرية تالية في المنطقة الغربية، وأن هذه القوات لن تكتفي بما حققته من انتصارات بالفعل.
فبعدما أخذت حكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، زمامَ المبادرة وانتقلت من خانة الدفاع عن العاصمة الليبية طرابلس إلى خانة الهجوم، فَرَضَ الجيش الليبي التابع لها تحولاً ميدانياً كبيراً على الأرض حقق خلاله مكاسبَ عسكرية، كان آخرها السيطرة على قاعدة الوطية، التي تعتبر ثاني أكبر معقل من معاقل ميليشيات حفتر بالمنطقة الغربية.
والسؤال هنا، إلى أين تسير الأمور بعد السيطرة على الوطية؟
عمليات عسكرية من 3 مراحل
مصدر عسكري تابع لحكومة الوفاق قال لـ"عربي بوست" إن قيادة الجيش الليبي التابعة للحكومة قررت تحرير كامل التراب الليبي من ميليشيات حفتر والمرتزقة التابعين له، وفق خطة عسكرية محكمة تنقسم إلى عدة مراحل.
وأكد المصدر أن الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق بدأ فعلياً بعملية عسكرية جديدة، هدفها تحرير مناطق غرب ليبيا، التي لا تزال تحتضن بعض الجيوب التابعة لحفتر. وتتضمن هذه الجيوب مدن الأصابعة والعربان والشويرف ومزدة.
وتدور حالياً اشتباكات في مدينة الأصابعة، التي بدأت قوات حكومة الوفاق في اقتحامها.
ويأتي هذا بعد سيطرة الجيش الليبي على بلدتي تيجي وبدر في منطقة الجبل الغربي، شمال غربي البلاد، دون أي مواجهات مسلحة مع ميليشيات حفتر عقب السيطرة على قاعدة الوطية.
وأضاف المصدر أن العمليات العسكرية مازالت مستمرة في محاور جنوب طرابلس ومنطقة قصر بن غشير وترهونة، موضحاً أن قواتهم رصدت انسحاباً لبعض الآليات التابعة لقوات لحفتر من محاور جنوب العاصمة طرابلس.
وأكد المصدر على جاهزية قواتهم للسيطرة على قاعدة الجفرة ومدينة سرت، وهي المرحلة الثانية من الخطة الموضوعة، والتوجه في المرحلة الثالثة للمنطقة الشرقية كمرحلة نهائية للعمليات العسكرية.
تدمير المنظومات
يأتي هذا في وقت تشتد فيه ضربات سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق لمنظومات الدفاع الجوي الروسية التي يملكها حفتر.
وذكر محمد قنونو، المتحدث باسم الجيش، أن عدد منظومات الدفاع الجوي الروسية بانتسير، التي نجحت قوات الوفاق في استهدافها منذ فجر الأربعاء حتى الآن، 6 منظومات، 3 منها في ترهونة جنوب طرابلس، واثنان في الوشكة، وواحدة في سوق الأحد جنوب طرابلس.
وتعتبر "بانتسير" واحدة من أكثر الوسائل فاعلية للدفاع الجوي والدفاع المضاد للصواريخ ذات المدى القريب، وتم تصميم المنظومة لتدمير الأهداف ذات الارتفاع المنخفض: الطائرات التي تحلِّق على ارتفاع منخفض، والمروحيات، والطائرات المسيَّرة، وصواريخ كروز، والقنابل الجوية، ومقذوفات قاذفات اللهب.
ويرى المراقبون أن استهداف هذه المنظومات بكثافة يعني وجود نية لتحركات من قبل قوات حكومة الوفاق نحو مناطق جديدة كانت تتمركز فيها هذه المنظومات، وبالتالي يجب تحييدها للسماح بالغطاء الجوي بالعمل.
لا تراجع عن تحرير ليبيا بالكامل
أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوفاق، محمد القبلاوي، لـ"عربي بوست" أنَّ حكومة الوفاق لن تتخلى عن أهداف إنهاء التمرد ومحاربة الانقلاب والإرهاب حتى لو استمرت الدول التي تدعم خليفة حفتر في تقديم المساعدة له.
وأوضح أن "القيادة السياسية والعسكرية حسمت أمرها، وقرّرت تحرير كامل التراب الليبي من المرتزقة والانقلابيين والميليشيات الإرهابية التابعة لحفتر"، على حد تعبيره.
ونوّه القبلاوي إلى أن وزارة الخارجية تُكرر رسالة رئيس المجلس الرئاسي بـ"دعوة إخواننا في الوطن للالتحاق بالدولة، سواء في المنطقة الشرقية أو باقي ربوع ليبيا، وأن ينفُضوا الحكم العسكري الاستبدادي الشمولي، وأن نتجه إلى بناء دولة مدنية تحافظ على سيادتها وأمنها وسيادة وأمن جيرانها".
دعوة لدولة مصر للتخلي عن حفتر
سياسياً، قال القبلاوي لـ"عربي بوست" إن كل تقدُّم ميداني أو عملية عسكرية تُوازيه عملية سياسية تفتح المجال لأفق أوسع نحو الضغط، سواء على المجتمع الدولي أو الدول الداعمة لخليفة حفتر، بضرورة التخلي عنه.
ودعا القبلاوي في رسالةٍ وجَّهها عبر "عربي بوست" مصرَ للتخلي عن دعم حفتر، موضحاً أن رهانها عليه هو رهان خاسر.
وأشار إلى أن "مصالح مصر السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية تكون مع الدولة الليبية المعترف بها دولياً، والمتمثلة في حكومة الوفاق"، على حد تعبيره.
توثيق الانتهاكات
كان وزير خارجية حكومة الوفاق الوطني محمد الطاهر سيالة، ذكر أن حكومة الوفاق ستعمل على توثيق انتهاكات الدول الداعمة لخليفة حفتر من خلال الأسلحة التي عُثر عليها في قاعدة الوطية، وتقديمها إلى مجلس الأمن الدولي ولجنة العقوبات.
وشدَّد في بيانٍ له على ضرورة أن تتحمل لجنة العقوبات مسؤولياتها تجاه هذه الانتهاكات.
وفي ذات السياق، طالب مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني، مجلس الأمن خلال جلسة عقدها يوم الثلاثاء 19 مايو/أيار، إلى عقد جلسة طارئة لاتخاذ خطوات لإنهاء التدخلات غير القانونية من قبل الإمارات في ليبيا.
أدلة دامغة على تورُّط الإمارات في دعم حفتر
وتابع السني في كلمة أمام مجلس الأمن، أنه توفر لدى حكومة الوفاق عدد من الأدلة الدامغة، ومتطابقة مع تقارير سابقة، على تورُّط دولة الإمارات في نقل وإرسال الأسلحة والمعدات إلى حفتر وميليشياته كما فعلت عدة مرات في السابق.
وأكد السني أن حكومة الوفاق ستُشارك الأدلة مع لجنة الخبراء، مشيراً إلى إصرار الإمارات على الانقلاب على سيادة الدولة الليبية وشرعية الحكومة، في خرق جسيم لقرارات مجلس الأمن بالخصوص.
كما طالب المندوب دول الصنع والمنشأ للأسلحة المذكورة، أن تقدم "لنا وللجنة العقوبات شهادات المستخدم النهائي لهذه الأسلحة، لتفسير كيفية وجودها بيد المنقلبين على الشرعية، والمنتهكين لقرارات مجلس الأمن".
وطالب السني أيضاً الدولَ التي يُستخدم مواطنوها كمرتزقة ويُرسَلون إلى ليبيا، باتخاذ الإجراءات الواضحة حيالهم، وسحبهم على الفور ومعاقبة المسؤولين على تجنيدهم، "وليس فقط الاكتفاء بنفي مسؤوليتها عن تصرفاتهم".
ولفت السني إلى رحلات طائرات الشحن المنتظمة الإماراتية وأجنحة الشام السورية إلى بنغازي، مشيراً إلى تجنيد آلاف المرتزقة متعددي الجنسيات: تشاديين وسودانيين وسوريين، ومن يتبعون شركة فاغنر الروسية "وهذا ما ورد في تقاريركم، وليس كلامنا فحسب".