بعد ساعات من اقتحام قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية قاعدة الوطية، بدأت تتكشف المزيد من التفاصيل حول العملية التي تم من خلالها السيطرة على القاعدة الأقوى للواء المتقاعد خليفة حفتر في غرب البلاد.
وكان آمر غرفة العمليات المشتركة التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، اللواء أسامة جويلي، أعلن السيطرة الكاملة على قاعدة الوطية الجوية بعد عملية عسكرية قام بها الجيش الليبي صباح الإثنين 18 مايو/أيار 2020.
عملية خاطفة بعد الحصار والقصف
مصدر عسكري تابع لحكومة الوفاق كشف لـ"عربي بوست" تفاصيل أولية عن خطة السيطرة على قاعدة الوطية.
وقال إن السيطرة جاءت على خلفية "عملية استخباراتية كبرى وممنهجة" تمكّن خلالها الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق من دحر ميليشيات حفتر من داخل القاعدة والتعامل معها في محيطها.
وأضاف المصدر أن سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق كان يواصل قصفه لتجمعات حفتر داخل القاعدة، وغرفة عملياته في المنطقة الغربية، والذي وصل إلى 57 غارة جوية على القاعدة خلال شهر مايو/أيار، ما زاد الضغط على المسلحين المتحصنين داخل القاعدة، ومنعهم من التحرك أو القيام بهجوم مضاد لاسترجاع المدن والمناطق التي خسروها في معركة 13 أبريل/نيسان.
وأكد المصدر مشاركة قطعة حربية بحرية تركية، كانت قد رست على شاطئ مدينة زوارة (غرب ليبيا) في عمليات قصف صاروخية دقيقة على القاعدة.
وأوضح المصدر أن حواراً مجتمعياً صاحب عمليات القصف الجوي استمر بين أبناء قبيلة الزنتان، التي ينتمي لها أغلب عناصر حفتر داخل القاعدة، طيلة الفترة الماضية لتحييد المسلحين التابعين لحفتر من داخل القاعدة.
يُذكر أن قبيلة الزنتان هي ذات القبيلة التي ينحدر منها آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية بحكومة الوفاق اللواء أسامة جويلي.
تدمير منظومات الدفاع الجوي أسقط القاعدة
وأوضح المصدر أن العناصر المتحصنة داخل القاعدة تيقنوا من سقوطها بعد تدمير منظومتي دفاع جوي روسيتين تابعتين لحفتر دمّرها سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق فور وصولها للقاعدة مساء السبت 16 مايو/أيار.
هذا إضافة إلى تدمير منظومة دفاع جوي ثالثة، وكذلك منظومة تشويش، فجر الإثنين 18 مايو/أيار، في الجفرة، واللتان كانتا متجهتان باتجاه قاعدة الوطية.
هذا الأمر أجبر مسلحي حفتر على الانسحاب من منفذ تتعمد قوات الوفاق تركه لهم، باتجاه منطقتي الزنتان والرجبان، وما تبقى من مقاتلين انسحبوا باتجاه ترهونة ما أتاح انتصاراً سريعاً وبأقل التكاليف.
وتابع المصدر أن الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق اعتمد على أسلوب المباغتة والهجوم الخاطف والسريع، سبقته غارات مكثفة على مراكز القيادة والتحكم وعلى مجموعات الدعم لتشتيتها، مع عدم إعطاء فرصة لطيران العدو للتحرك.
بالإضافة إلى وجود خلايا من الداخل أجبرت المتمسكين بالبقاء على الانسحاب ما أربك حساباتهم، وجعل عناصر حفتر ينسحبون نهائياً من القاعدة.
سقوط حفتر في المنطقة الغربية
يرى مراقبون أن سيطرة حكومة الوفاق على قاعدة الوطية، أهم ثاني موقع استراتيجي لحفتر في ليبيا، هو بداية سقوط حفتر نهائياً في المنطقة الغربية.
ولا تزال هناك غرفتا عمليات يديرهما المرتزقة الروس في ترهونة وقصر بن غشير، وهما آخر معاقل حفتر في المنطقة الغربية.
قاعدة الوطية
وتعد قاعدة الوطية التي شيّدها الأمريكيون عام 1942، القاعدة الوحيدة في ليبيا التي يقتصر عملها على الطائرات العسكرية.
وتتمكن القوات المسيطرة عليها من تنفيذ ضربات جوية على أي مناطق في حدود المنطقة الغربية، وضرب أهداف عسكرية حتى على الحدود مع تونس والجزائر، إضافة إلى كونها تمتلك تحصينات عسكرية كبيرة بالمنطقة المحيطة بها من ناحية التضاريس والجغرافيا.
ومع إعلان الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق تحييد القاعدة التي تقع تحت سيطرة ميليشيات خليفة حفتر بعد السيطرة على عدة مدن في غرب ليبيا في أبريل/نيسان 2020، كان هذا تطور نوعي لسير المعارك في ليبيا.
وكانت طلائع الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق القادمة لتحرير قاعدة الوطية فشلت مرتين في السيطرة عليها لأسباب عسكرية واجتماعية وإقليمية ودولية.
وعلل آمر اللواء الأول مشاة المقدم مصطفى المجدوب أن أسباب عدم السيطرة العسكرية على القاعدة ترجع لحجمها الشاسع وكثرة المراصد المحيطة بها، والتي هي سبب تحصينها بشكل جيد.
إضافة إلى مقراتها ومخازنها الواقعة تحت الأرض "الدشم" والتي تحتاج صواريخ لها القدرة على اختراق تلك المخازن التي تستغلها ميليشيات حفتر في تخزين أسلحتها وذخائرها ومركباتها المدرعة.
وأوضح المجدوب أن عدداً كبيراً من المرتزقة، ناهيك عن الميليشيات المسلحة التابعة لمنطقة الزنتان أو الفارين من المدن التي سيطرت عليها حكومة الوفاق مؤخراً بالمنطقة الغربية كصرمان وصبراتة، يتحصنون داخل القاعدة.
وتابع المجدوب أن أكثر من 20 قاعدة صواريخ موجهة مثبتة بشكل مخفي على مراصد القاعدة، إضافة إلى أكثر من 50 قاعدة هاون موجهة منتشرة داخل القاعدة، وهو ما كشفه تقدم قواتنا البرية بعد عملية القصف المكثف للطيران المسير التابع لسلاح الجو.
الزنتان كلمة السر
وأكد مصطفى المجدوب أن لقاعدة الوطية وضعاً اجتماعياً خاصاً في ليبيا، وينتج عنه إشكالية كبيرة؛ لأن مدينة الزنتان تسيطر عليها بالكامل، مشيراً إلى وجود انقسام داخل قبيلة الزنتان التي تحتوي على قوة عسكرية كبيرة جداً.
وأضاف المجدوب أن جزءاً من الزنتان يتبع حكومة الوفاق والآخر يؤيد حفتر، بالتالي هذه القاعدة يصعب السيطرة عليها بالقوة من الطرفين ما لم تكن هناك ترتيبات أمنية مسبقة.
وأوضح أن حكومة الوفاق تدرك حساسية مسألة اقتحام قاعدة الوطية، خاصة بسبب تكلفتها الاجتماعية (بسبب انقسام قبيلة الزنتان بين مؤيد ومعارض لحفتر) وتأثيرها على المعركة الرئيسية في طرابلس، لجأت إلى خيار حصارها من أغلب الجهات مع ترك منفذ لفرار عناصر حفتر غير الراغبة في القتال.
وحذر آمر غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية التابعة لحكومة الوفاق -معترف بها دولياً- اللواء أسامة جويلي (من مدينة الزنتان) في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 من أنهم قد يضطرون إلى شن هجوم واسع على القاعدة بالرغم من تكلفته الباهظة اجتماعياً إذا زاد الخطر منها.