قالت صحيفة The Guardian البريطانية، الإثنين 11 فبراير/شباط 2019، إن تفاصيل جديدة ظهرت حول محاولة الانقلاب على زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) أبوبكر البغدادي.
ونقلت الصحيفة عن شهود عيان قولهم، إنَّ أعضاء أجانب في التنظيم خسروا معركة استمرت يومين ضد حرَّاسه الشخصيين، قبل أن يُعتقَلوا ويُعدَموا.
وقال شاهدٌ تحدَّث إلى الصحيفة البريطانية بعد تهريبه من آخر قريةٍ في شرق سوريا واقعة تحت سيطرة داعش، إنَّ الاشتباك وقع في قرية الكشمة، المجاورة لقرية باغوز في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أي قبل 3 أشهر من الوقت الذي اعتقد مسؤولو الاستخبارات الإقليمية أنَّه قد وقع فيه.
وقال الشاهد الذي يُدعى جمعة حمدي حمدان، ويبلغ من العمر 53 عاماً: "لقد رأيت (البغدادي) بعيني. كان في الكشمة، وحاول الخوارج القبض عليه في سبتمبر/أيلول".
البغدادي هرب إلى الصحراء
وأضاف: "كان القتال محتدماً للغاية، وكان لديهم أنفاقٌ بين المنازل. كان معظمهم تونسيين، ووقع الكثير من القتلى".
وقال حمدان إنَّ البغدادي انتقل بعد ذلك إلى قرية باغوز، حيث هرب منها إلى الصحراء في أوائل الشهر الماضي يناير/كانون الثاني. وهو ما أكَّده مسؤولون إقليميون بارزون.
وقال مسؤولٌ عسكري رفيع المستوى في قوات سوريا الديمقراطية، التي تقاتل تنظيم داعش وتخضع لقيادة الأكراد، إنَّ أعضاء أجانب آخرين في تنظيم داعش انضموا إلى القتال، من بينهم جزائريون ومغاربة.
وقال أحد قادة قوات سوريا الديمقراطية المتركزة على جبهة باغوز، واسمه الحركي عدنان عفرين: "لقد كان اشتباكاً محتدماً جداً، وأعدموا الخاسرين. بدأ في منتصف سبتمبر/أيلول، وكانت محاولة جادة جداً لقتله أو القبض عليه. ولا نعتقد أنه موجود في البلدة الآن".
وقال حمدان إنَّ البغدادي وحُرَّاسه كانوا في المنطقة منذ ما يقرب من 6 أشهر قبل الفرار. وأضاف: "حاول ألا يلفت الانتباه إليه، ولم يتنقَّل في أنحاء المدينة معهم، ولكننا جميعاً كُنَّا نعرف مكانهم. كان يستخدم سيارةً حمراء قديمة من طراز أوبل".
جديرٌ بالذكر أنَّ تنظيم داعش رصد مكافأة لمن يقتل أبومعاذ الجزيري المُخطِّط الرئيسي لمحاولة الانقلاب، الذي يُعتقَد أنه مقاتلٌ أجنبي مخضرم.
وصارت منطقة النمشة، مثل العديد من مناطق قرية باغوز، في حالة خراب ودمار، بينما تُضيِّق القوات الكردية والقوات الخاصة من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الخناق على المنطقة الأخيرة الواقعة تحت سيطرة التنظيم، وهي منطقة صغيرة مُطِلة على نهر الفرات.
المعقل الأخير لداعش بحماية 400 عنصر
وتُقدِّر القوات الكردية المتركزة على خط المواجهة في باغوز أنَّ المنطقة تحظى بحماية ما يقرب من 400 فرد من أعضاء داعش المتشددين الذين لا ينوون الاستسلام. وقالت قوات سوريا الديمقراطية إنها استولت على 41 موقعاً من قبضة داعش.
ويعتقد أنَّ قادة داعش يحتجزون رهائن غربيين اعتقلهم التنظيم طوال السنوات الخمس الماضية، وينوون استخدامهم كورقة مساومة.
ويُعتقَد أنَّ الصحفي البريطاني جون كانتلي محتجز ضمن هؤلاء الرهائن، وقال بعض سكان باغوز الذين فروا من المدينة إنَّ التنظيم استخدم الكهوف الواقعة في ضواحي المدينة لإخفاء كانتلي والرهائن الآخرين.
يُذكَر أنَّ القوات الخاصة الغربية أمطرت المعاقل المتبقية بوابل من قذائف الهاون طوال يوم أمس الأحد 10 فبراير/شباط تقريباً. وحلَّقت الطائرات المُقاتلة فوق سماء المنطقة، تاركة أبخرة بيضاء دائرية تشير إلى مساراتها.
وألقت الطائرات في بعض الأحيان قنابل قوية أنتجت أعمدة هائلة من الدخان، بينما تتحرك الطائرات الاستطلاعية من دون طيار ببطء تحت الطائرات المُقاتلة.
وقال أرام كوتشر، وهو مسؤول عسكري كردي، إنَّ مقاتلي داعش كانوا حذرين من الطائرات من دون طيار ونادراً ما شوهدوا في الشوارع، باستثناء الغسق أو تحت الغيوم.
وقال كوتشر من فوق سطح قاعدة أمامية على بُعد نحو 700 متر من أقرب مواقع داعش: "إنَّهم مستميتون للغاية ولا يعتزمون الرحيل. لقد أخذنا منهم منزلين بالأمس، لكنَّهم استطاعوا إعادتهما إلى حوزتهم مرةً أخرى ليلاً".
المعركة المقبلة استخباراتية
يُذكَر أنَّ القوات الكردية أطلقت مساء يوم السبت 9 فبراير/شباط المرحلة الأخيرة من العملية الرامية إلى الاستيلاء على باغوز، وهي خطوةٌ ستُمكِّنهم من القول إنَّهم طردوا تنظيم داعش من جميع الأراضي السورية التي كانت واقعة تحت سيطرته منذ الاستيلاء على جزء كبير من البلاد في أوائل عام 2013. إذ استطاع التنظيم في ذروة قوته الاستيلاء على منطقةٍ امتدت من شرق حلب إلى الموصل، أي في نفس حجم ويلز تقريباً.
ومع تراكم خسائر التنظيم، فإنه يواجه عودة لأساليب سابقيه، أي هذا التمرد منخفض المستوى الذي أرعب البلدات والمدن العراقية على وجه الخصوص.
وفي ليلة الجمعة، حاول 10 مقاتلين من داعش يمتطون دراجات نارية اقتحام قاعدة عسكرية أمريكية بالقرب من حقل العمر النفطي، على بُعد حوالي 60 كيلومتراً (37 ميلاً) من الجبهة.
وقد انكشف الهجوم مبكراً يوم الجمعة عندما انفجرت دراجة نارية على أحد الجسور بالقرب من القاعدة.
وقال عدنان عفرين إنَّ داعش يعرف حرب العصابات جيداً وإنَّ محاربة التنظيم عندما ينسحب أعضاؤه عائدين إلى مجتمعاتهم المحلية سوف تشكل خطراً كبيراً. وأضاف عفرين: "سوف يتطلب هذا الأمر حرباً استخباراتية على مستوى محلي. لن يكون الأمر سهلاً".
وجلست مجموعات من الأشخاص، يعتقد أنهم آخر المغادرين لباغوز، على تلة مخضرة خارج البلدة مباشرة، يوم الأحد، حيث يجري تفتيش القادمين الجدد يومياً على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية. وجلجلت القنابل في البلدة المجاورة بينما جلبت الرياح الباردة نساء متشحات بالسواد وأطفالاً يتحركون ببطء بالقرب من الشاحنات العسكرية المستعدة للقتال.
وتناثرت الدراجات النارية المهجورة، والملابس الممزقة وشفرات الحلاقة في طريق الوصول. أما داخل باغوز، فقد تبعثرت ناقلات النفط بين صفوف من المنازل المهدمة. وقال كوتشر: "قد يستغرق الأمر أسبوعاً أو نحو ذلك. أو ربما أكثر من ذلك".