اتهمت الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية التونسية سعيدة قراش الرئيس السابق المنصف المرزوقي، في تصريح إذاعي، أمس، بمد أرشيف الرئاسة إلى جهات أجنبية في فترة حكمه، وجاء هذا الاتهام إثر مطالبة رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، رئاسة الجمهورية بمدها بالأرشيف الرئاسي، لأغراض تخص عمل الهيئة.
تفنيد وتهديد
وقد رفض المرزوقي الإدلاء بأي تصريح إعلامي في هذا الشأن، واكتفى برد سريع على صفحته الرسمية على فيسبوك، في تدوينة تضم أربع نقاط، نفى فيها الاتهامات الموجهة إليه، وقال إنه سيقاضي قراش وكل مَن تسبب في تشويه سمعته وسمعة حزبه، وطالب رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بالنظر في اتهامات مستشاريه التي تمس هيبة وسيادة الدولة، حسب قوله:
1- قراري بمقاضاة الإذاعتين المذكورتين حيث لا يمكن لأحد أن يتّهمني اليوم بأنني أحارب الصحافة والرأي الحر وإنما أنا الآن مواطن له الحق في الحماية القانونية.
2- رفض اعتذار السيدة المستشارة ومقاضاتها؛ لأن التقنية القديمة لم تعد تنطلي على أحد: التشويه على الملأ في وقت الذروة يسمعه مئات الآلاف ويرسخ في ذاكرة بعض الآلاف من الناس الطيبين ثم الاعتذار المحتشم في صفحة يقرأها المئات عندما تكتشف الكذبة.
3- مطالبة السيد رئيس الجمهورية كمواطن وليس كرئيس سابق بالتأكّد من أن وجود مستشار زيّف فيديو ادعى فيه أنني أطالب بحرق البلد ووجود مستشارة تتكلم في كبريات الأمور السياسية انطلاقاً من إشاعات، أمر يخدم صورته وصورة الدولة والهيبة التي جعل من استرجاعها ركناً أساسياً في حملته الانتخابية.
4- مطالبة القضاء بالوقوف ضدّ أي ضغط لقبر شكوى الفيديو المدلس المورّط فيه السيد بن نتيشة وصحافيون من بينهم هذا الذي سمح بشتمي، ورفض للسيدة درة إسماعيل حق الرد على المباشر.
وقد أكدت المستشارة القانونية للمرزوقي درة إسماعيل، في تصريح لـ "عربي بوست" خبر رفض الإذاعة إعطاءها فرصة حق الرد، إثر تصريح قراش، معتبرة ذلك تواطؤاً مع نشر الأكاذيب والإشاعات ومواصلة لحملة التشويه التي يتعرض لها المرزوقي، حسب قولها.
من جهته، استنكر عماد الدايمي، رئيس ديوان الرئاسة سابقاً وعضو حزب حراك الإرادة (حزب المرزوقي) تصريحات قراش، وقال في تصريح لـ "عربي بوست" إنها اتهامات خطيرة وغير مقبولة، وهي تعكس وجود نية حملة تشويه، سيما أننا في بداية سنة الانتخابات الرئاسية، وأضاف الدايمي: "نحن نطالب بإقالة الناطقة الرسمية باسم الرئاسة من باب توفير الشروط اللازمة من أجل إيقاف التشويه الممنهج، ولا يجب لمؤسسة رئاسة الجمهورية أن تكون مصدر تشويه لأحزاب معارضة"، حسب تعبيره.
اعتذار بعد فوات الأوان
الاتهام الخطير أثار ضجة في تونس، علماً أن وسيلة إعلام خاصة تداولته سابقاً لكنها اعتذرت، وفند حزب المرزوقي الخبر في سبتمبر/أيلول الفارط، على لسان عزيز كريشان مستشار المرزوقي، إلا أن مصادر الاتهام تختلف، سيماً أنها جاءت على لسان ناطقة باسم رئاسة الجمهورية التي قدمت توضيحاً على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك إبان الجدل الذي حدث بعد تصريحها، ذكرت فيه أنها اعتمدت على مصدر إعلامي ولم تعلم أنه قد تم تفنيد الخبر بعد نشره في سبتمبر/أيلول الفارط.
فكتبت: أمّا وقد أمدّني بعض الأصدقاء بتدوينة فيسبوكية (سابقة لنشر الخبر) في شهر سبتمبر/أيلول، للسيد عزيز كريشان تكذّب هذا الخبر، فإنّه وجب التوضيح والاعتذار.
اعتذار قراش لم يثنِ المرزوقي عن العدول عن الالتجاء للقضاء ومحاسبة الناطقة الرسمية باسم الرئاسة عن اتهامها الذي سبق أن كذبه في عدة مناسبات سابقة.
ولم يقتنع بعض قياديي نداء تونس أن التصريح مجرد إشاعة على غرار منجي الحرباوي، الذي صرح لـ "عربي بوست" قائلاً: هي ليست اتهامات بل هي حقيقة وهي معلومة معروفة، لذلك أرى أن تصريح قراش عادي؛ لأن المسألة خطيرة.
ضرب للمسار الديمقراطي
الاتهامات الخطيرة لأحزاب المعارضة في السنة الانتخابية من قِبل الحزب الحاكم أثارت بلبلة في صفوف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بين مصدق ومكذب لتلك الاتهامات، التي باتت معروفة في مثل هذه الفترات الزمنية التي تسبق الانتخابات، كما صرح القيادي في حزب حركة النهضة أسامة الصغير لـ "عربي بوست" بقوله: من المفروض الابتعاد عن مثل هذه التلميحات، حتى وإن وُجدت فإن القضاء هو الحل وليس التصريحات الإعلامية العشوائية.
وأضاف الصغير أنه لا داعي للحديث عن مواضيع خطيرة قبل الانتخابات إلا بأدلة قضائية وملموسة.
وقد اعتبر العديد من التونسيين أن مثل هذه التصريحات هي عبارة عن تضليل وتوجيه للرأي العام، الأمر الذي يتنافى ومبادئ ديمقراطيتهم الناشئة. واستنكر المحلل السياسي الأمين البوعزيزي اتهامات قراش، معتبراً إياها "كسراً لظهر الثورة" وقال في تصريح لـ "عربي بوست": عيب كبير أن تردد ناطقة باسم رئاسة الجمهورية كذبة تم نفيها في السابق، منصبها بعد هذه الاتهامات غير المسؤولة فقد صلاحيته، وعلى قصر قرطاج التحقق من وضع مستشارين قبل تنصيبهم.
واعتبر البوعزيزي أن استسهال بث هذه الأخبار ضد رئيس سابق هو حملة تشويه لتونس ومسارها الديمقراطي.
الجدل حول هذه الاتهامات لا يزال قائماً في تونس، واستقلال القضاء هو بصيص الأمل الوحيد لكشف الحقائق وإعطاء كل ذي حق حقه.