نشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً حول كيفية تأقلم نحو 50 ألف لاجئ سوري في كندا، لجؤوا إليها على مر السنوات الثلاث الأخيرة، في ظل ظروف جوية صعبة.
وحول مواجهة الطقس القاسي هناك ومحاولات التعلم والتأقلم معه، تروي الصحيفة قصة لاجئ سوري يدعى زياد عمار. فعندما وصل زياد إلى كندا، كان قد مر عليه 3 أشهر فقط منذ خروجه من السجن. كان جسده ضعيفاً ويعاني سوء التغذية بعد ما شهده من تعذيب وتجويع في أحد سجون بشار الأسد. لم تكن هذه هي الحالة الأفضل لمواجهة شتاء كندا. قال زياد وهو يضحك: "اشتريت كل شيء قد أحتاج إليه مدة شهر، ولم أغادر البيت قط".
وصل عمار -الذي غيِّرنا اسمه خوفاً على أفراد عائلته الذين ما زالوا في سوريا- إلى مدينة مونتريال الكندية في خريف عام 2014. وبالنظر إلى نشأته في مدينة اللاذقية السورية الساحلية المطلة على مياه البحر الأبيض المتوسط المتلألئة، فإنه لم ير في حياته شتاءً قاسياً كهذا، وبالتأكيد لم يشهد حتى أي شيء قريب من الغطاء الجليدي الذي يكسو وطنه الجديد في أغلب الأحيان.
شوربة العدس والسحلب
وبعد أن اضطر إلى اعتياد الجو الكندي البارد، سرعان ما أخذ في تطوير مهارته في الطهي، وإعداد وجباتٍ سورية بعد عمله. وهو الآن يطبخ وجبة الكبة اللبنية بانتظام، وهي عبارة عن كرات لحم مصنوعة من البرغل ومطبوخة في يخنة الزبادي، وتعد من أمثل الوجبات المُريحة، وحساء العدس الذي يُذكِّره بالحساء الذي كان يطلبه من مطعمٍ معين في كل مرة يقود فيها سيارته من اللاذقية إلى حلب. ويُعِدُّ أيضاً الكنافة، ويقدمها دافئة وعليها القَطر، ويقدم معها كوباً من السحلب.
قال عمار الذي لُمَّ شمله مع زوجته مرة أخرى في مونتريال: "الجلوس حول طاولة الطعام مع الأسرة كفيل ليشعرك بالدفء. هنا، يمكنك أن تشعر بالدفء ذاته بسبب الذكريات".
جديرٌ بالذكر أنَّ كندا استقبلت أكثر من 50 ألف لاجئ سوري على مر السنوات الثلاث الأخيرة في إطار برامج إعادة التوطين التي ترعاها الحكومة وترعاها جهات خاصة كذلك.
ورحَّب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بالمجموعة الأولى من السوريين الذين وصلوا ضمن حملة الحكومة في أواخر عام 2015، في مبادرة منه عكس التيار العالمي العام المتمثل في كراهية الأجانب، والشعبوية اليمينية. وشرع الكثيرون ممن جاؤوا في إعادة بناء حياتهم في كندا، وذلك بعدما عانوا ويلات الحرب والنزوح والحال البائسة لمخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط.
تحديات اندماج كبيرة.. وشاقة جداً
وبالإضافة إلى تحديات الاندماج المعتادة مثل إيجاد وظيفة، ومكان للإقامة واكتساب لغة جديدة، اتضح أن التأقلم على الشتاء الكندي مهمة شاقة.
فمن المتوقع أن تنخفض درجات الحرارة في مونتريال في نهاية هذا الأسبوع لتصل إلى 20 درجة مئوية تحت الصفر، مع هبوب رياح جليدية من حين لآخر. لدرجة أنَّ المدينة أطلقت جهوداً لإزالة جزء من الثلوج صباح يوم الجمعة 4 يناير/كانون الثاني، لكنَّ درجات الحرارة القارسة صعبت مهمة إزالة الثلوج على عمال البلدية.
بينما تدفعك القصص المرعبة المتداولة إلى الجلوس في البيت، مثل القصة التي حدثت في 1 يناير/كانون الثاني عندما كان هناك رجلٌ يقود السيارة بصحبة زوجته على أحد الطرق السريعة في مقاطعة كيبك، ثم تهشَّم الزجاج الأمامي للسيارة بفعل الجليد المتطاير.
وعلى النقيض من ذلك، كان الطقس في دمشق يوم أمس السبت 5 يناير/كانون الثاني ساطعاً ومشرقاً، وبلغت درجة الحرارة 14 درجة مئوية.
لدى السوريين في كندا حكايات لا تعد ولا تحصى عن أول شتاء لهم في كندا، وعن الأسابيع المتواصلة التي قضوها في المنزل دون خروج، وعن المرات الأولى القليلة التي انزلقوا فيها على الجليد وكسروا أحد أطرافهم، وعن المرات التي أخطأوا فيها في حساب المدة التي يجب عليهم انتظار الحافلة فيها في درجة حرارة 20 تحت الصفر، وعن تسوقهم لشراء معاطف الشتاء الثقيلة والأحذية، أو عندما غسلوا أيديهم بالماء الساخن بعد عودتهم من السير في هذا الطقس الجليدي.
الصدمة بالطقس دفعتهم للبقاء في المنزل بشكل مستمر
وبالنسبة للكثير من القادمين حديثاً، قد تدفعهم صدمتهم من الأمر كله إلى البقاء داخل المنزل.
إذ قالت جولنار الحسيني ماكورميك، وهي سمسارة عقارية تتطوع للترجمة من أجل القادمين حديثاً من اللاجئين في الإدارات الحكومية، وتعود أصولها إلى مدينة حمص السورية: "إذا كان هناك ندفة ضئيلة من الثلج، لا يأتون".
وأضافت ضاحكة: "ثم أتصل بهم على الهاتف فيقولون: "الجو بارد". أتذكر أن إحداهن طلبت مني تأجيل الموعد حتى شهر مارس/آذار. فأخبرتها أنه يوجد جليد في مارس/آذار أيضاً".
وأضافت: "إنهم يسألوننا هل نُبقي الأطفال بالمنزل عند هطول الثلج. فأخبرناهم بأنهم لا يمكنهم الإبقاء على أطفالهم داخل المنزل طوال 6 أشهر".
كانت مناطق التسوق والمقاهي والمطاعم في مونتريال تعج بالصخب والحياة قبل الإجازات. وتمتلك المدينة أيضاً شبكة أنفاق واسعة تحت الأرض مُخصَّصة للمشاة لتجنب مساوئ الطقس. ولكن مع إنزال أضواء عيد الميلاد المجيد، وفضِّ الأسواق المحلية التي يوجد بها النبيذ الساخن، بدأ الشتاء حقاً. وتحوَّلت المناظر الاحتفالية الساحرة إلى شوارع ثلجية ذات برودة قارسة وأمطار جليدية.
وبدلاً من أن يجعل الشتاء بعض القادمين حديثاً يستحضرون مشاهد التجمعات العائلية وذكريات الطفولة، يمثل لهم اغتراباً أعظم، فهو يُذكِّرهم بالدفء الذي اضطروا إلى تركه في مجتمعاتهم، مع أنَّ الحرب مزقتها الآن. وقد يكون الشتاء إشارة قوية لمدى الاختلاف بين موطنهم الجديد وموطنهم الذي فروا منه.
كنت أبكي وأتجمد من البرد، ولا أشعر بيدي
إذ قالت دينا حداد التي وصلت إلى كندا من اللاذقية منذ عامٍ: "لقد كنت وحيدة عندما وصلت إلى كندا في شهر يناير/كانون الثاني، ولم تكن لدي فكرة عن مدى برودتها".
وأضافت: "عندما كان يتوجب عليَّ ركوب الحافلة، لم أكن أعلم أنها تصل في أوقاتٍ محددة، ولذا كنت أتجمد وتبيَّض يداي من البرد حتى لا أشعر بهما، وكنت أبكي وأقول: "أتمنى لو لم آت مطلقاً إلى هذا البرد". فكان الناس يتجمعون حولي من كثرة بكائي ويسألونني: "هل أنت بخير يا سيدتي؟". ولكن في النهاية، تأقلمت على الوضع".
وبالنسبة لمن ظلوا بلا عزاء، فالربيع في انتظارهم دائماً. إذ قالت جولنار التي انتقلت إلى مونتريال مع زوجها الكندي عام 2014: "أندم حقاً عندما أنتظر الحافلة، فدرجة الحرارة تبلغ 20 درجة مئوية تحت الصفر، والجو عاصف، والحافلة تتأخر. حينئذٍ يبلغ ندمي ذروته. وأقول لنفسي، ما الذي جاء بي إلى هنا؟".
لكنَّها استدركت: "لكن عندما تصبح درجة الحرارة 10 درجات مئوية وترى الناس يبتسمون، وتدرك أنَّ الربيع أتى، ستراه. فالربيع هو أفضل شعور في العالم".