كان العام الماضي عصيباً على الأردن. إذ اتسم بموجة غير مسبوقة من التظاهرات في الشوارع بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وشهد عودة مشاهد من موجة الربيع العربي التي ضربت المنطقة عام 2011، حسب تقرير موقع Middle East Eye البريطاني.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحوَّلت الاحتجاجات إلى أعمال عنف، بعد أسابيع دون وقوع أي صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وقد ساءت أزمة البلاد الاقتصادية في الأيام الأخيرة، متسببة في تفاقم التوترات في الشوارع. فلجأت قوات الأمن الأردنية إلى استخدام القوة الشهر الماضي ديسمبر/كانون الأول لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى مكتب رئيس الوزراء في عمَّان، لكن المتظاهرين تعهَّدوا بمواصلة الاحتجاج في محاولةٍ لدفع الحكومة إلى إلغاء قانون ضريبة الدخل المثير للجدل.
يطالب المحتجون الحكومة كذلك بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية في البلاد، الذي يفرض عقوبات صارمة على نشطاء الشبكات الاجتماعية، ويطالبون كذلك بإطلاق سراح المعتقلين الذين شاركوا في احتجاجاتٍ سابقة.
لا حلول في الأفق
تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في الأردن العام الجديد، على نحوٍ كاد يتسبَّب في إسقاط حكومة رئيس الوزراء عمر الرزاز أو توليد المزيد من العنف، فمن الممكن أن يُمهِّد هذا الطريق أمام موجةٍ جديدة من التغيير في المنطقة، وربما حتى أمام مرحلة ثانية من الربيع العربي، الذي بدأ في تونس عام 2010 وانتهى في سوريا، حيث فشلت الثورة إلى حدٍّ كبير.
ورغم تدخل العاهل الأردني عبدالله الثاني الصيف الماضي استجابةً لمطالب المحتجين، فإنَّ التدهور الأخير يشير إلى تحولٍ خطير في هذه الموجة من الاضطرابات الاجتماعية لعدة أسباب.
أولاً: تصاعد وتيرة الاحتجاجات وارتفاع مستويات العنف، على الرغم من التعديلات التي أُدخِلَت على قانون ضريبة الدخل. وهذا يعني أنَّ المتظاهرين لم يقبلوا تنازلات الحكومة.
ويُعَد قانون ضريبة الدخل أحد الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي لمواصلة دعمه للأردن، البلد الذي من المرجح أن تستمر أزمته المالية، في ظل مع عدم وجود حلول في الأفق بخلاف تحصيل مبالغ أكبر من الضرائب من المواطنين الأردنيين.
ثانياً: جاءت احتجاجات ديسمبر/كانون الأول بعد يومين فقط من اجتماعٍ انعقد بين رئيس الوزراء وعدد من النشطاء. لكنَّ بعض قادة الاحتجاجات قاطعوا هذا الاجتماع، الذي فشل في التخفيف من حدة التوترات المستمرة، مثلما اتضح من التصعيد الأخير.
معتقلون بالعشرات
بالإضافة إلى ذلك، فشل قانون الجرائم الإلكترونية في احتواء المعارضة على الإنترنت، والتي امتدت إلى الشوارع. فلم يحدّ اعتقال النشطاء من الاحتجاجات، وصرَّح الناشط فاخر دعاس لموقع Middle East Eye البريطاني بأنَّ "هناك عشرات المعتقلين. وعدد المحتجين الذين تحتجزهم الشرطة كبير". في الوقت نفسه، قالت الحكومة الأردنية إنَّها لا تحتجز أي سجينٍ سياسي، مُشيرَةً إلى أنَّ "كل المحتجَزين متهمون بانتهاك القانون".
مع أنَّ قانون ضريبة الدخل الجديد سيضيف 180 مليون دينار أردني (253 مليون دولار) إلى خزينة الدولة، لا توجد مؤشرات على أنَّ الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد تقترب من الوصول إلى حل.
هناك عوامل عديدة تكمن وراء الأزمة المالية، لكن العامل الأكثر أهمية هو أنَّ المساعدات المالية التي تُقدِّمها دول الخليج انقطعت منذ ما يقرب عامين حتى الآن. وقد انتهت حزمة مساعدات مدتها 5 سنوات بقيمة 3.6 مليار دولار تقريباً مُقدَّمةً من دول مجلس التعاون الخليجي للأردن في يناير/كانون الثاني عام 2017، لكن لم تُقدَّم أي مساعدات إضافية.
ولإدراك أهمية المساعدات المالية الخليجية للأردن، ضعوا في اعتباركم أنَّ الميزانية العامة للأردن تُقدَّر بنحو 9 مليارات دينار أردني (12.5 مليار دولار).
المطالب الاجتماعية والسياسية
تتصاعد الكارثة السياسية في الأردن بسبب الأزمة الاقتصادية المتسارعة. ولن يُدِرَّ قانون ضريبة الدخل الذي أثار الاحتجاجات بين الطبقتين الفقيرة والمتوسطة على خزينة الدولة الأردنية إلا ربع مليار دولار، وهو ما يُمثِّل جزءاً بسيطاً من المساعدات المالية الخليجية المتوقفة.
وفي ضوء الاحتجاجات الجارية، فإنَّ الحكومة مُعرَّضةٌ لخطر إقالةٍ حقيقي. وفضلاً عن ذلك، قد تغري موجة الاضطرابات الحالية في الأردن الجمهور العربي الأوسع نطاقاً بالثورة مرةً أخرى والخروج بمطالب اجتماعية وسياسية، وهو ما قد يؤدي إلى مرحلةٍ ثانية من الربيع العربي في عام 2019.