قال الصحافي والكاتب البريطاني روبرت فيسك، إن ما يعرض الحكام الغربيين وإدارات حكمهم للخطر، -على رأسهم، الرئيس الأميركي دونالد ترامب- هو تحالفهم مع الزعماء الديكتاتورين في الشرق الأوسط، وليس أي أمر آخر.
ويقول المراسل الصحافي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة The Independent البريطانية، في مقالته، إن لديه تكهنات بأنه "إذا انهار نظام ترامب -وهو بالتأكيد نظام وليس إدارة- فلا أعتقد أنَّ لعبته مع الروس، ولا فساده، ولا أكاذيبه في الداخل هو ما سيتسبب في ذلك. ولن يكون السبب في ذلك أيضاً كرهه للسيدات، ولا سياساته المعادية للمهاجرين، ولا اضطرابه العقلي الواضح، بالرغم من أنَّ هذا هو ما يربطه بوضوح بأصدقائه في العالم العربي. سيكون السبب هو أنَّ زعماء الشرق الأوسط أحكموا بالفعل شباكهم حول البيت الأبيض"، على حد تعبيره.
وأشار فيسك، إلى أن ترامب "أصبح يرتبط بعلاقة صداقة مع دولة غاية في الخطورة تُسمى السعودية ستلحق الضرر به قريباً. كما أنه تبنى السياسة الخارجية الإسرائيلية وكأنها سياسته الخاصة، بما في ذلك ملكية القدس، ودعمه المتفاني للاستعمار الإسرائيلي غير القانوني للأرض العربية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، مزَّق اتفاقية رسمية مع إيران، وساهم في تقسيم العالم الإسلامي (سنة وشيعة) بشكل كبير".
ويضيف: الديكتاتوريون في الشرق الأوسط مهووسون بالسلطة ومخاطرها وحب التملك. فبالنسبة لهم يكمن السحر الحقيقي في تملك ثروة لا حصر لها أو شعب بأكمله، ونموذجهم الخاص من الوطنية، والتحديات التي عليهم خوضها للحفاظ على استمرار أسلوب حياتهم.
ويضيف فيسك: يعتبر هؤلاء الطغاة أنّ دولهم -وتاريخها- ملكيتهم الخاصة يحق لهم التصرف بها كما يحلو لهم. فقد يسجنون معارضيهم بعشرات الآلاف أو يُسقِطون براميل متفجرة عليهم أو يُقطِعون جسد صحافي غير مطيع أشلاءً. لكنهم يعرفون -وهذا صحيح فعلاً- أنه لا بد أنَّ يكون هناك دعمٌ مستمر للديكتاتور المحبوب من الملايين الذي يقسمون على التضحية بأنفسهم -"بالروح والدم"- في سبيله، على أن يطاله أي ضرر.
ويتساءل هنا الصحافي البريطاني: "وإلا كيف يستمر غالبية المصريين في دعم المشير الرئيس عبدالفتاح السيسي بالرغم من أنه حرمهم جميع أشكال الحرية؟ أو كيف كانت الحكومة السورية لتصمد ما لم يدافع الجيش عن دولته -وينقذ النظام الحاكم- عقب مقتل عشرات الآلاف؟ وسواءً أرجعنا ذلك دوافع سلطوية أبوية أو دوافع قبلية أو إلى مخاوف الأقليات في هذه الدول، أو في حالة مصر إلى غياب النضج، أو إلى حب الوطن كدافع مباشر؛. فإنّ الديكتاتوريين لا يمكنهم الصمود دون مستوى معين من الولاء الحقيقي من شعبهم.
وهذا هو مصدر نشوة السلطة بالنسبة لهم؛ الإثارة في فرض السلطة أو الحماس في فرض الهيمنة -أو على حد تعبيرهم "المسؤولية". فالأمر برمته يتعلق بإشباع رغبات شخصية. فلا يكتفَى الشعب بأن يكون وفياً للحاكم فحسب؛ بل يجعل الديكتاتور أباً له".
كيف يشبه ترامب ديكتاتوري الشرق الأوسط؟
يقول الصحافي البريطاني: "لا يرغب ترامب، على غرار حلفائه الخطرين في الشرق الأوسط، بالعيش في النعيم. إذ يتوق إلى الاستمتاع بمتعة القيادة، وخوض المخاطر. إلى جانب أنَّه لا يؤمن بعِبَر التاريخ ولا بمبادئ أخلاقية، بل يؤمن بنفسه فقط. ولهذه الأسباب، يفضل كثيرٌ من الطغاة العرب ترامب؛ لما بينهم من النقاط المشتركة الكثيرة".
ويضيف: "لكن يُستثنى من هذه النقاط المشتركة نقطة "الفهم". وهنا تكمن المشكلة: فالديكتاتوريون العرب، برغم كونهم محكومين بالضلالات، يفهموننا جيداً. ويستطيعون كشف الحقيقة الكامنة وراء أكاذيبنا ومبيعات أسلحتنا وشغفنا بالنفط ورغبتنا الزائفة في أن تتقبل ديمقراطية جيفرسون -أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة- العالم الإسلامي. أما نحن فلا نفهم الشرق الأوسط. بل نعجز حتى عن رصد أبرز مفاتيح تصرفات هؤلاء العرب المحنكين سياسياً. وترتفع ضحكاتنا على رقصاتهم بالسيوف وانتخاباتهم الزائفة وأحاديثهم الكاذبة عن المساواة والليبرالية، في حين أننا يجب أن يملؤنا الخوف".
يستوعب العرب عالمنا جيداً، وربما أكثر من اللازم؛ فهم ليسوا أغبياء. ومن المفارقة أنهم يشاهدون شبكتي Fox وCNN بنفس القدر من الاستخفاف الذي يشاهدها به ليبرالي أو يساري من الغرب، إلى جانب أنهم يعرفون أنَّ الشعب الأميركي ينجذب لأبسط المواضيع السينمائية: الخوف من "الإرهاب" الإسلامي، الاستقرار السياسي، وانخفاض أسعار النفط، وثروات نقدية يمكن أن تنهال على دول غربية مقابل الحصول على دعم سياسي أو قوة عسكرية.
ويشير فيسك: نحن من نعجز عن فهم العرب، ونختار صبغ سياساتهم لتظهر بشكل معين. فنتحجج أنهم ربما يحتجزون الأبرياء ويعذبونهم، لكنهم "معتدلون" يحاربون "التطرف الإسلامي" -حتى أننا نقول ذلك عن السعوديين الذي خرجت من تحت عباءتهم 15 شخصاً من بين القتلة الـ19 المتورطين في أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
"ساندنا المعسكر الخطأ في العالم العربي"
يقول فيسك: لحسن الحظ أننا ربحنا هؤلاء الرجال الشرسين في صفوفنا. وأنا في غنى عن القول إنَّه إذا ساندنا المعسكر الخطأ في العالم العربي وطالبنا بالإطاحة "بالرجال الأقوياء"، فيمكن حينها أن يتدخل الروس لدعم الديكتاتور الخبيث، ويصفون ذلك بأنه قتال "معتدل" يواجه التطرف الإسلامي يهدف لحماية العالم من الإرهاب. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لديه من الوحشية والمكر ما يكفي ليعرف كيف يؤدي هذا الدور.
ويضيف: منذ 3 أعوام ونصف العام تحديداً، شنت السعودية حملة قصف وأطلقت مغامرتها العسكرية ضد الحوثيين -"المدعومين من إيران" مثلما نفضل أن نقول- في اليمن. كان هذا من فعل محمد بن سلمان، الذي كان وقتها وزيراً للدفاع السعودي. وأُطلِق على الحملة في اليمن اسمان رمزيان: عملية عاصفة الحزم، وعملية إعادة الأمل. غير أنها لم تبرهن أنها حازمة ولا أعادت الأمل لأي شخص. إذ لم تسفر إلا عن قتل عشرات الآلاف -دعنا لا نتعمق في سجلات الأرقام المُحزِنة مجدداً- لكن القوى الغربية التي وفرت الدعم العسكري واللوجستي للسعودية في هذا الصراع المروع أدارت ظهرها لكل ما حدث؛ واختارت أن تكون إيران هي المُلامة.
وحتى حين احتجز محمد بن سلمان العديد من رفاقِه الأمراء ورجال الأعمال في فندق فاخر في العاصمة الرياض، واختطف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ابتسمنا. يا له من رجل جيد، عزيزنا محمد بن سلمان. إلى جانب ذلك، فتح ولي العهد سوق النفط السعودي أمام مستثمرين أجانب، وسمح للنساء في المملكة بالقيادة. هو رجلنا المنشود إذن.
وفي الوقت الحالي لن نأتي على ذكر مقالات توم فريدمان المُذِّلة في صحيفة The New York Times الأميركية. ثم جاء مصرع جمال خاشقجي -الذي كُتِبَ عنه أكثر مما كُتِبَ عن جميع من قضوا في اليمن- لكن حتى بالرغم ممّا حدث ما زلنا نساند السعودية في حربها السنية. ولأننا لم يكن باستطاعتنا إلقاء اللوم في هذه الجريمة على إيران؛ فلنلم إذاً العالم بأكمله. أليس هذا ما قاله ترامب؟ قال إنَّ العالم قد يكون "مسؤولاً" عن تقطيع جثمان خاشقجي أشلاءً، لأنه مكانٌ "خطير للغاية".
"لا يوجد سبب يجعل دونالد ترامب محصناً ضد مصير من سبقوه"
يقول فيسك: "كم يبلغ الغرور بزعمائنا حداً يمنعهم أن يتذكروا تداخل مصائرهم مع تاريخ الشرق الأوسط. إذ دمَّر تأميم قناة السويس في مصر رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن، ودمرت أزمة اقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز رهائن الرئيس جيمي كارتر. وكادت فضيحة "إيران جيت" أن تفعل الشيء نفسه بالرئيس الأميركي رونالد ريغان. وقد يكون "النظام الجديد" الذي وضعه جورج بوش الأب للشرق الأوسط هو ما حكم بالفشل على جولته الانتخابية اللاحقة. أما جورج بوش الابن فقد لوث غزوه للعراق سمعته السياسية للأبد.
ويختتم الصحافي البريطاني مقالته بالقول: "ما يعجز اللسان عن وصفه هو السعي الغربي للمشاركة بفعالية في حربٍ مذهبية لدولٍ أخرى ليس لأي سبب سوى الاستمرار في بيع أسلحة لأنظمة استبدادية غنية وغير مستقرة، وربط سياسة دولتك الخارجية بأقوى دول الشرق الأوسط عسكرياً.
تُعَد التنبؤات حول المستقبل أمراً خطيراً في الشرق الأوسط؛ فقد ثبت فشل تكهناتي عدة مرات. بيد أنه لا يوجد سبب يجعل دونالد ترامب محصناً ضد مصير الكثير ممَّن سبقوه. فلم تعد جملة "احترس" كافية، إذ بتنا جميعاً نقول هذا تلقائياً.
غير أنَّ المسلمين والعرب الذين يعيشون على الأرض التي يطلق عليها كثيرٌ من الداعمين الأميركان "الأرض المقدسة" قد يكون بيدهم تقرير مستقبله؛ ففي النهاية هو يعتقد أنَّ بإمكانه تقرير مصيرهم. لقد أصبح العالم بالفعل مكاناً خطراً للعيش فيه، لكن الشرق الأوسط هي المنطقة الأخطر في عالمنا".