حذر خبراء سياسيون أمريكيون من أن القيمة الاستراتيجية للتحالف الأميركي-السعودي غير الرسمي بالنسبة للولايات المتحدة أخذت تتهاوى بسرعة كبيرة في العقود الأخيرة، مشككين في فائدة العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن الآن، بعد أن خدمت العلاقات الوثيقة مع السعوديين المصالح الجيوسياسية الأميركية خلال الحرب الباردة، لكن هذا الصراع انتهى قبل ثلاثين عاماً تقريباً.
وقالت د.روزماري كيلانيتش، أستاذة العلوم السياسية المساعدة بجامعة نوتردام الأميركية بمقالة كتبتها بمجلة The National Interest، إن خبراء السياسة الخارجية المتعاطفين مع الرياض، مثل وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر، حذَّروا من أن الولايات المتحدة لابد أن تعترف بضرورة الموازنة بين الدفاع عن المبادئ الديمقراطية و "القيمة الجوهرية والمستمرة لتحالفنا الاستراتيجي مع السعوديين".
وتساءلت: لكن ما لا يعترف به بيكر هو: هل العلاقة مفيدة استراتيجياً الآن؟ من منظور الأمن النفطي -وهو أهم الأسباب المنطقية وراء الشراكة السعودية الأميركية- الإجابة تصبح لا على نحوٍ متزايد.
تحالف "النفط مقابل الأمن"
وتضيف كيلانيتش: بطبيعة الحال كان النفط دوماً هو المُحرِّك الرئيسي للعلاقة الأميركية السعودية. ومع أنَّ الخبراء يحبون استدعاء حادثة لقاء الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت مع الملك عبدالعزيز آل سعود على متن السفينة الحربية "USS Quincy" في فبراير/شباط عام 1945 باعتبارها بداية تحالف "النفط مقابل الأمن" بين السعودية والولايات المتحدة، فإنَّ العلاقات الأمنية القوية بين الدولتين في واقع الأمر لم تظهر إلا في مطلع السبعينات، استجابةً لمجموعة من الظروف الخاصة التي لم تعد موجودة حالياً.
آنذاك، هدَّد انسحاب القوات البريطانية من منطقة الخليج في عام 1971 بخلق فراغ في النفوذ بالمنطقة خَشيت الولايات المتحدة من تدخُّل الاتحاد السوفييتي لملئه، سواء بشكلٍ مباشر أو عن طريق الدول الوكيلة للاتحاد السوفييتي مثل العراق وسوريا. وكان القادة الأميركيون يدركون أنَّه إذا أحكم الاتحاد السوفييتي قبضته على نفط المنطقة بالكامل، سيمكنه ابتزاز العالم الحر عبر التهديد بقطع النفط عنهم.
لذا، كان ضرورياً أن تبقى كبرى الدول المنتجة للنفط الواقعة ضمن مجال النفوذ الغربي -تحديداً السعودية وإيران ومشيخات الخليج- خارج الفلك السوفييتي.
ودفع التهديد السوفيتي الرئيسَ الأميركي السابق ريتشارد نيكسون إلى تبنّي استراتيجية "حجري الأساس"، التي تقضي بتعزيز قوة إيران والسعودية عبر مبيعات الأسلحة وغيرها من المساعدات العسكرية الأخرى حتى تتمكَّن الدولتان معاً من احتواء النفوذ السوفييتي الإقليمي. كانت السعودية بفارقٍ كبير هي الشريك الأصغر في هذا التحالف، إذ حصلت على صفقات أسلحة بقيمة 612 مليون دولار خلال فترة حكم نيكسون، مقارنة بـ7.6 مليار دولار هي قيمة صفقات الأسلحة لإيران.
وتشير الخبيرة السياسية الأميركية، إلى أنه وبعكس ما يحدث حالياً، لم يكن دور السعودية الأساسي حينها عسكرياً، بل ضُمَّت إلى الاستراتيجية كواجهةٍ فقط؛ لتجنُّب إغضاب الدول العربية في الخليج في حال الاعتماد حصراً على إيران، وهي دولةٌ غير عربية.
ولم تبدأ مبيعات الأسلحة الأميركية للسعوديين في الارتفاع إلا بعد سقوط شاه إيران الموالي للولايات المتحدة في عام 1979. ولم تصبح الولايات المتحدة هي الضامن الرئيسي لأمن السعودية ونفطها إلا بعد غزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت في عام 1990 وتهديده لحدود السعودية بشكلٍ مباشر، وذلك عبر عملية "درع الصحراء".
التهديدات التي أدت للتحالف لم يعد لها وجود
تضيف كيلانيتش: كل هذا لا يهدف لقول إنَّ الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية ليست قديمة أو مهمة بالقدر الذي يزعمه كثيرون. بل يهدف للقول بأنَّ هذه الشراكة ظهرت بسبب تهديدات مُعتديين اثنين محددين: الاتحاد السوفيتي وصدام حسين، وكلاهما لم يعد موجوداً.
وبرغم تضخيم الإدارة الأميركية الحالية للتهديد المنتشر في المنطقة، فإنَّ إيران تفتقر إلى القدرات الحربية التي تمكّنها من السيطرة على الموارد النفطية في الخليج على النحو الذي كان عليه الاتحاد السوفييتي أو العراق في تسعينيات القرن الماضي.
وتشير الخبيرة السياسية إلى أن إيران تستطيع التسبب في مشكلات للسعودية -أحد الشواهد على ذلك الحرب التي تديرها طهران عبر وكلائها في اليمن- لكنَّها لا تستطيع تهديد وحدة الأراضي السعودية. ويستطيع السعوديون، الذين يمتلكون أموال النفط الوفيرة، ردع التوسع الإيراني بأنفسهم. وليس ضرورياً أن تتولّى الولايات المتحدة دور حائط الصد لأمنهم.
العلاقة مع "آل سعود" تكلّف واشنطن الكثير
وتؤكد كيلانيتش: الأكثر من هذا أنَّ العلاقات الأميركية الوثيقة مع آل سعود لها تكلفة استراتيجية بالإضافة إلى التكلفة الأخلاقية لمحاولة تبييض وجه جرائم نظامٍ قاتل. دعونا لا ننسى أنَّ دعم الولايات المتحدة للنظام السعودي كان أحد المظالم الرئيسية التي أشار إليها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن لتبرير هجومه الإرهابي على الأراضي الأميركية.
لافتة إلى أن السعوديين "مصممون" على استدراج الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية حمقاء وغير ضرورية مع إيران، لجعل الولايات المتحدة تتولّى مسؤولية تسوية نزاعهم الإقليمي مع إيران نيابةً عنهم. ولم تسهم الحرب المذكورة سلفاً في اليمن، التي يستخدم فيها السعوديون الأسلحة الأميركية لارتكاب أعمالٍ وحشية بحق المدنيين، إلا في تقويض الأمن الأميركي عبر إذكاء مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة، كتلك المشاعر التي دفعت 19 مُختَطِفاً -بينهم 15 سعودياً- إلى تنفيذ الهجمات الشنيعة في 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وختمت الكاتبة الأميركية مقالتها بالقول: "بصفتي شخصاً واقعياً، أتفق تماماً مع نداء بيكر المُتعلِّق بأن توازن الولايات المتحدة بين مصالحها الاستراتيجية ومبادئها الأخلاقية في التعامل مع السعوديين. وتشير الآن بوصلتا المصالح والمبادئ، ربما أكثر من أي وقتٍ سابق، إلى الخروج من هذا التحالف".