قال إلدار ماميدوف، رئيس البعثة المسؤولة عن العلاقات البرلمانية مع إيران في البرلمان الأوروبي، إن الضغوط الدولية من أجل مساءلة الرياض عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بدأت تؤتي ثمارها.
إذ أصدر وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي بياناً بإشراف فيديريكا موغيريني، مفوّضة السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، يشير إلى تقبُّلهم النظر في إمكانية فرض عقوبات محددة موجهة ضد المملكة العربية السعودية.
في الوقت نفسه، ذهبت بعض الدول الأعضاء إلى أبعد من ذلك من خلال البدء في تنفيذ إجراءات خاصة بهم. إذ انضمت الدنمارك وفنلندا إلى ألمانيا في تعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية (وكذلك إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في حالة فنلندا) بسبب حرب اليمن وقضية خاشقجي.
كما فرضت ألمانيا وفرنسا أيضاً عقوبات على 18 مواطناً سعودياً متورطين في جريمة قتل خاشقجي، رغم أنَّ باريس لم تُعلن بعد عن أي نية لتعليق مبيعات الأسلحة إلى الرياض.
خطوات صحيحة، ولكن غير كافية
وحول ذلك، يعلق ماميدوف بالقول إن هذه خطواتٌ تسير في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، لن يكون لها تأثير دائم إلا إذا كانت بمثابة نقطة بداية لعملية إعادة تفكير أوسع في العلاقات بين السعودية والاتحاد الأوروبي، وليست مجرد استجابة لحظية لحالة غضب قبل أن تعود العلاقات والأعمال التجارية بشكل هادئ إلى طبيعتها المعتادة.
وأشار إلى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للبرلمان الأوروبي قدمت بعض المؤشرات الهامة على إعادة التفكير بالعلاقة مع السعودية، تُركِّز في الغالب على انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.
ووضعت مضاوي الرشيد، الأكاديمية السعودية في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد وأحد المتحدثين داخل اللجنة، النقاش في إطار عمل استراتيجي أوسع بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وتعد الرشيد، التي تعيش في المنفى بلندن، ناقدة قوية لنظام محمد بن سلمان. وقد طالبت بجرأة في أغسطس/آب 2018 بتغيير النظام في السعودية، وهي باحثة رائدة في الشؤون السعودية.
سجل غربي "هزيل" في تشجيع تغييرات الحكم
يقول البرلماني الأوروبي ماميدوف إن الغرب يمتلك سجلاً هزيلاً سيئاً في تشجيع تغييرات الحكم، ومهمة تحديد شكل معين للحكم في المملكة العربية السعودية (أو أي بلد آخر) هي بالتأكيد ليست ضمن مهام الاتحاد الأوروبي. مشيراً إلى أن تحليل الرشيد ونصائحها لصانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي تستحق أن تؤخذ على "محمل الجد".
إذ تعتقد مضاوي الرشيد أن بعض إصلاحات محمد بن سلمان في السعودية "سطحية وتجميلية" إلى حدٍّ كبير، مثل السماح بافتتاح دور عرض سينمائية ورفع حظر القيادة على النساء، وهي ليست سوى قناع يُخفي حملات قمع متزايدة لأي معارضة، سواء ليبرالية أو إسلامية أو شيعية، أو غير ذلك.
وأشارت إلى أن التسريبات الصادمة عن تعذيب ناشطات في مجال حقوق المرأة حطَّمت ما تبقى من الصورة "التقدّمية" لمحمد بن سلمان. وعلى الرغم من أنَّ بعض الخطوات الظاهرية نحو "علمنة" أولية للمملكة السعودية قد تبدو جذَّابة لأعين الغرب، لا ينبغي أن يختلط الأمر بأنَّ تلك الخطوات تُمثِّل أي إصلاح حقيقي، حتى وفق شروطهم الخاصة ضيقة الحدود.
سياسات استراتيجية "فاشلة"
وأما في ما يتعلق بالأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، تقول الرشيد، كان من المُتوقَّع أن يُساعد محمد بن سلمان في تحقيق هدفين رئيسيين. إذ كان يُفترض أن يتوسط في التوصّل لسلام إسرائيلي-فلسطيني عن طريق، شراء الرضوخ الفلسطيني لأي اتفاق تطرحه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. وكان ينبغي عليه العمل لتقليل نفوذ إيران في المنطقة. ولم يكن السعي من أجل متابعة تحقيق هذين الهدفين من جانب إدارة دونالد ترامب فحسب، بل تشاركه بعض دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما في مؤسسات السياسة الخارجية البريطانية والفرنسية (الذين اختلفوا مع الولايات المتحدة بشأن حكمة التخلي عن الصفقة النووية مع إيران).
وأكدت أن هذه الاستراتيجية أثبتت فشلاً مُكلِّفاً. إذ أفادت تقارير بأنَّ الملك سلمان عرقل أي خطوات سعودية جوهرية على مسار تحقيق السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. وفي ما يتعلق بمواجهة النفوذ الإيراني، لم يؤدِّ التدخُّل السعودي في سوريا ولبنان واليمن إلا إلى إذكاء نار الصراع، الذي أفاد إيران في نهاية المطاف. ومع التسبُّب في حالة عدم استقرار في الشرق الأوسط، تصبح أوروبا مُعرّضة لخطر تدفق اللاجئين.
وتشكك الرشيد في فكرة أنَّ السعودية شريك موثوق به في التعاون لمكافحة الإرهاب من خلال الإشارة إلى الوهابية، المذهب الفكري الإسلامي الرسمي للمملكة، باعتبارها مصدر إلهام لمعظم "العنف الجهادي" في جميع أنحاء العالم. مدعّمة حُجّتها بأحدث تقرير للمنظمة الحكومية الدولية the Financial Action Task Force، الذي اتَّهم المملكة السعودية بالفشل في التصدي لتمويل الإرهاب الدولي على نحوٍ كافٍ.
وتؤكد الرشيد أن حكم وليّ العهد محمد بن سلمان يُشكّل نوعاً جديداً من التهديد الأمني للاتحاد الأوروبي. إذ إنَّ القمع المتزايد في الداخل يدفع المزيد من المعارضين السعوديين للرحيل والعيش في المنفى. ربما لم تحدث جريمة قتل خاشقجي على أراضي إحدى دول الاتحاد الأوروبي، لكن إذا مرَّت الجريمة دون عقاب المتورطين فما الذي يُمكن أن يمنع النظام من تنفيذ أعمال مماثلة في لندن أو باريس أو مدريد، مثل ما يفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإرسال عملاء لتصفية خصومه في الغرب؟
هل تكون استراتيجية جديدة للاتحاد الأوروبي تجاه السعودية؟
يقول البرلماني الأوروبي ماميدوف إنَّ مضاوي الرشيد بعيدة كل البعد عن الدعوة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وغيرها من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية. بدلاً من ذلك، فهي توصي بالعمل على تهميش محمد بن سلمان والدفع باتجاه ملكية دستورية في السعودية.
لذلك، ترفض الرشيد مخاوف بشأن أنَّ المملكة السعودية سوف تتفكك إذا جرى تجاهل وتهميش ولي العهد. في الواقع، لن يكون إجراء خفض مكانة محمد بن سلمان حدثاً غير مسبوق في التاريخ السعودي. فقد أزاح العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبدالعزيز بالفعل اثنين من أولياء العهد: الأمير مقرن بن عبدالعزيز والأمير محمد بن نايف. وفي عام 1964، أجبرت العائلة المالكة وعلماء الدين في السعودية الملك سعود بن عبدالعزيز آنذاك على التنازل عن العرش والذهاب إلى المنفى.
ومع ذلك، لم تؤثر تلك الاضطرابات إلى حدٍّ كبير في سلامة استقرار المملكة، حتى لو كانت البيئة الجيوسياسية حينها أكثر تحدياً من الآن. وقد تحرَّكت مصر الثورية القومية العربية تحت حكم جمال عبدالناصر، المدعوم من قبل القوة العظمى السوفييتية، لإثارة الرأي العام باستمرار ضد النظام الملكي السعودي "الرجعي".
وأشار إلى أن المملكة السعودية اليوم لديها علاقة شبيهة بعلاقة العمل مع خليفة تلك القوة العظمى -روسيا- وأصبح النظام "الثوري" حالياً هو إيران، غير العربية، التي يجرى إضعافها عن طريق العقوبات، وتفتقر إلى داعم قوي، وتعاني من عددٍ كبيرٍ من المشاكل الداخلية.
الأوروبيون حذرون، ومضطرون للتعامل مع وليّ العهد السعودي
يقول البرلماني ماميدوف: "مع غياب تغييرات سعودية في ترتيب الخلافة، من المرجح أن تخطو حكومات دول الاتحاد الأوروبي بحذر في علاقاتها مع المملكة. هم ينظرون إلى محمد بن سلمان باعتباره شخصاً يضطرون إلى إقامة علاقة تجارية معه، سواء أعجبهم ذلك أم لا، وربما لفترة طويلة قادمة".
لكن حتى في إطار هذا الاضطرار، تُظهر نماذج مثل ألمانيا والسويد والدنمارك وفنلندا أنَّ اتباع نهج أكثر واقعية في العلاقات مع السعودية أمر قابل للتنفيذ.
خاتماً بالقول: "قد لا يدفع الاتحاد الأوروبي صراحةً من أجل ملكية دستورية، كما تقترح الرشيد، لكنَّه يستطيع الإعلان بشكلٍ واضح أنَّه، من الآن فصاعداً، ستخضع أسوأ تجاوزات أعضاء العائلة المالكة السعودية، مثل الحرب في اليمن، وقتل المعارضين، والقمع المحلي، للمساءلة والعقاب. ويُعد اتحاد جميع الدول الأعضاء أمراً حاسماً، بالطبع، لجعل تلك التدابير فعّالة".