نقل موقع Axios الأميركي، عما قال إنها مصادر مطلعة، إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عرض مرتين على رئيس الوزراء العراقي فكرة سداد ديون الحرب الأميركية بالنفط العراقي وهو طلب مثار جدلٍ كبير، يتعارض مع المعايير والمنطق الدوليَّين.
وبينما يبدو أنَّ ترامب قد تخلى أخيراً عن هذه الفكرة، لم يُكشف عن طرحه الفكرة بصفته رئيساً مرتين على رئيس الوزراء العراقي، وأنَّه أثارها بشكلٍ منفصل في غرفة العمليات مع فريق الأمن القومي خاصته. إذ طرح ترامب، في مارس/آذار من العام الماضي (2017)، في ختام اجتماعٍ بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، موضوع حصول أميركا على النفط العراقي كتعويضٍ عن تكاليف حربها في العراق، حسب تقرير نشره موقع Axios الأميركي.
ما الذي يريد ترامب أن يفعله بشأن النفط؟
قال مصدر كان في غرفة الاجتماعات، لموقع Axios الأميركي: "لقد كان اجتماعاً رتيباً عادياً للغاية بشكلٍ عام. ثم عندما أوشك الاجتماع أن ينفض، قال ترامب شيئاً، ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية خبيثة وهو يقول: ما الذي سنفعله بشأن النفط؟".
في حملته الانتخابية، عبَّر ترامب عن تذمره من أنَّ الولايات المتحدة قد أنفقت تريليونات الدولارات في العراق، وخسرت آلاف الأرواح، ولم تحصل على "شيءٍ" في المقابل. وأعرب عن أسفه، لأنَّ "الغنائم تؤول إلى المنتصر" عادةً في الحروب. وقال مراراً إنَّه كان يجب على الولايات المتحدة الاستيلاء على حقول النفط العراقية كتعويضٍ عن تكاليف الحرب الباهظة.
وأدانت شخصيات بارزة في الأمن القومي من كلا الحزبين فكرة ترامب، واصفين إياها بأنَّها مشينة وفاشلة، وتعدّ انتهاكاً للقانون الدولي، من شأنه أن يغذي الحملات الدعائية التي يشنها أعداء أميركا.
وفي اجتماع مارس/آذار 2018، وفقاً للمصدر الذي كان في الغرفة، أجاب رئيس الوزراء العراقي: "ماذا تقصد؟!". وقال ترامب ما يشبه: "حسناً، لقد فعلنا الكثير، فعلنا الكثير هناك، وأنفقنا تريليونات الدولارات هناك، والكثير من الناس يتحدثون عن النفط".
وأضاف المصدر لموقع Axios الأميركي: "بدا من الواضح أنَّ العبادي كان مستعداً لهذا الأمر، وقال: (حسناً، أنت تعرف -سيدي الرئيس- أنَّنا نعمل من كثب مع الكثير من الشركات الأميركية، ولدى شركات الطاقة الأميركية مصالح في بلادنا). كان مبتسماً. واكتفى الرئيس بأن مسح على الطاولة بيده، كأنَّه يقول: (كان عليَّ أن أسأل)".
وقال المصدر: "أتذكر أنَّني قلتُ في نفسي: ياللهول! لقد قالها. لم يستطع أن يتمالك نفسه".
وأكَّد مصدرٌ ثانٍ كان في الغرفة، هذه الرواية لموقع Axios الأميركي. وقال هذا المصدر: "كانت لحظةً محرجة".
وقال مصدر ثالث اطلع في ذلك الوقت على المحادثة التي دارت بين ترامب والعبادي، إنَّ أعضاء مجلس الأمن القومي كانوا "يتناوبون" المشي جيئةً وذهاباً في توتر. وأضاف: "كان لا يزال جديداً في الإدارة، وكنا جميعاً نحاول استيعاب كيف ستسير الأمور، ولذلك كان ذلك أحد السيناريوهات المرعبة… أنَّه سيفعل ذلك فعلاً".
لدى ترامب رغبة في الاستيلاء على نفط العراق
تعدّ رغبة ترامب في الاستيلاء على نفط العراق غير قانونية وغير قابلة للتحقيق، لكنَّها تكشف الكثير عن نهجه بالشرق الأوسط. لا يزال ترامب عازماً على تحصيل المدفوعات من دول الشرق الأوسط في شكل موارد طبيعية، مقابل تريليونات الدولارات التي أنفقتها أميركا منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
تحدث بوب وودورد وآخرون عن الخطوات الرسمية التي اتخذها ترامب لدفع فريقه لاستخراج معادن نادرة من أفغانستان لتسديد ثمن الحرب. (أعاقت المخاوف الأمنية هذه الجهود؛ مع أنَّ القيادة الأفغانية كانت أكثر تقبلاً من القادة العراقيين لأفكار ترامب).
ورفض فريق ترامب للأمن القومي في الغالب -أو تجاهل- هذه الرغبات للاستيلاء على الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط. وقد أثار الرئيس مسألة النفط مرة أخرى مع العبادي في مكالمةٍ هاتفيةٍ صيف عام 2017. كانت المحادثة غامضة ولم تنتهِ بشيء، لكنَّ هربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي السابق، وبَّخ ترامب بعد ذلك، وفقاً لمصدر مطلع على المسألة.
لكن الإدارة الأميركية رفضت ذلك
وفقاً لما يتذكره المصدر، بحسب روايته لموقع Axios الأميركي، قال مستشار الأمن القومي السابق لترامب: "لا يمكننا فعل هذا، ويجب ألا تتحدث عن ذلك، لأنَّ الحديث عن هذا الأمر شيء سيئ ببساطة. إنَّه أمر سيئ لسمعة أميركا، سيثير ذعر الحلفاء، وسيخيف الجميع، وسيجعلنا نبدو كأننا مجرمين ولصوص. لن تتمكن من القيام بذلك على أي حال، وسوف تضر بسمعتنا وسمعتك بمجرد الحديث عن ذلك"، مضيفاً أنَّه لا يتذكر إن كان قد استخدم كلماتٍ قاسية هكذا، لكنَّه أكد أنَّ هذه هي الفكرة التي كان يحاول الوصول إليها.
وقال المصدر إنَّ ترامب لم يتجاوب بلطف. وقال: "كان من المحبط أن يحاول دفع مستشاريه لفعل أشياء أراد أن يفعلوها ثم يقاوموه بهذا الشكل".
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي حاول فيها ترامب ذلك، إذ تحدث مصدران عن وجودهما بغرفة العمليات في عام 2017 مع ترامب ووزير الدفاع ماتيس ومسؤولين في الأمن القومي يناقشون موضوع العراق. وقال كلاهما إنَّ ترامب طرح فكرة الاستيلاء على نفط العراق، وقابله ماتيس بالرفض.
ويستذكر أحد المصادر ممن كانوا موجودين بغرفة العمليات في أثناء المحادثة: "كان لسان حال ترمب يقول: (يالنا من حمقى! ماذا نفعل هناك؟ ماذا جنينا من ذلك؟ لِم لا نأخذ النفط؟)… ثم أدلى ماتيس بدلوه. وأوضح الفكرة نفسها التي تحدث عنها ماكماستر سابقاً، أنَّه لا توجد طريقة مادية مناسبة لفعل ذلك. سيكون انتهاكاً للقانون الدولي، وسيُضعف معنويات الحلفاء في المنطقة، وسيعطي أعداءنا فرصة لشن حملات دعائية ضدنا، سيكونون قادرين على اتهامنا بالسرقة".
ورداً على سؤالٍ وجهه موقع Axios حول المسألة، قالت دانا وايت، المتحدثة الرسمية باسم البنتاغون: "لا نناقش المداولات الداخلية، ونصيحة الوزير ومشورته للرئيس أمر خاص". وقال أحد المتحدثين باسم مجلس الأمن القومي: "لا نعلق على تفاصيل محادثات الرئيس مع الزعماء الأجانب".
وتابع المتحدث: "لقد سعينا طويلاً لمساعدة العراق على تحقيق الاستقلال بمجال الطاقة، ونحن مستمرون في ذلك. والتطورات الأخيرة تشجعنا، ونعتقد أنَّ العراق يمكن أن يفي باحتياجه من الطاقة، وأن يوقف استيراد الكهرباء، ويزيد من إنتاجه من النفط لتوفير العائدات الأساسية اللازمة لإعادة البناء بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ووضع الأساس لمستقبل العراق، وتتطلع الولايات المتحدة إلى العمل مع حكومة وشعب العراق لجعل هذا الأمر ممكناً".