قال الكاتب الأميركي، غريغ سارجنت، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استخفَّ بجريمة القتل البشعة التي تعرض لها جمال خاشقجي زاعماً بأريحية أنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "أنكر بشدة" أي دور له في عملية القتل. ليناقض ترامب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) التي أفادت تقارير بأنَّها خلُصت إلى أنَّ محمد بن سلمان مَن أمر بعملية الاغتيال التي نفَّذها عملاء سعوديون.
لكن فيما كرَّرت تصريحات ترامب الأخيرة، التي أدلى بها الخميس الماضي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، بطريقةٍ ما، تفاصيل ما جاء في بيانه المثير للاستهجان، فإن ترامب تمادى هذه المرة في اتخاذ موقفٍ غير عابئ تجاه جريمة القتل والتشكيك في نتيجة تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية. حيث ادَّعى ترامب أنَّ ولي العهد السعودي "يكره" الجريمة، وعملية التستُّر عليها "أكثر من كرهي لها" -وهو ما يبدو أشبه بتبرئةٍ لساحة محمد بن سلمان- ووَصَفَ استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية بأنَّها مجرد "مشاعر". وفق ما قال الكاتب الأميركي غريغ سارجنت، في مقالة له نشرتها صحيفة The Washington Post الأميركية.
ترامب والتستر على ولي العهد السعودي
تساءل غريغ سارجنت: ما الذي استنتجته الاستخبارات، وهل يتعمَّد ترامب التقليل من شأن هذه الاستنتاجات، وهو ما من شأنه أن يمثل تورطاً فعلياً في التستُّر على الحقيقة لصالح ولي العهد.
وأضاف الكاتب الأميركي رداً على سؤاله: "يتضح أنَّنا غير عاجزين عن الإجابة عن هذه الأسئلة. بإمكانهم الإجابة، وهذا سيكون موضع تدقيق عندما يسيطر الديمقراطيون على أغلبية مقاعد مجلس النواب العام المقبل".
ونقل الكاتب غريغ سارجنت في مقاله في صحيفة The Washington Post الأميركية، بعضاً مما دار بينه وبين النائب آدم شيف، الرئيس المقبل للجنة الاستخبارات في مجلس النواب، وقال: في حوارٍ معي، أكَّد النائب آدم شيف، الرئيس المقبل للجنة الاستخبارات في مجلس النواب، أنَّ اللجنة ستبحث هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المتعلقة بردٍّ فعل ترامب تجاه عملية قتل خاشقجي وتداعياتها الأوسع.
قال شيف لي: "بالتأكيد سنتعمَّق أكثر في ملف قتل خاشقجي، وأريد ضمان إطلاع اللجنة على تفاصيل الحادث بشكلٍ كامل. وسنريد بالتأكيد فحص ما تعرفه أجهزة الاستخبارات عن عملية القتل".
ترك ترامب في تعليقاته الأخيرة، وبيانه الأخير، السؤال بشأن ما إذا كان ولي العهد أَمَرَ بعملية القتل بلا إجابة، فقال: "ربما عَلِم وربما لم يعلم".
الكاتب غريغ سارجنت أضاف في مقالته: "آدم شيف أشار لي إلى أنَّ عملية تدقيق الكونغرس في هذا الموضوع ستحاول الإلمام بقدرٍ أكبر من التفاصيل، خاصةً تلك المتعلقة بما توصَّلت له أجهزة الاستخبارات، ومدى قوة الأسس التي بَنَت عليها استنتاجاتها. وسيكون بعد ذلك لدى أعضاء الكونغرس فهم أفضل بشأن ما إذا كان ترامب يتعمَّد تحريف هذه النتائج لحماية ولي العهد أم لا، وكيف يتصرّف بهذه الجرأة إن كان هذا صحيحاً.
قال شيف: "سننظر في تقييمات أجهزة الاستخبارات في أي وقتٍ معين"، مؤكداً أنَّه لا يحاول إطلاق أوصاف على نتائج تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية بطريقةٍ أو بأخرى. وتابع: "بعد ذلك سيكون واضحاً للغاية ما إذا كان الرئيس يعتمد على أجهزة الاستخبارات وأفضل مصدر للمعلومات لدينا، أم أنَّه يُمثِّل شيئاً آخر مختلفاً للغاية".
الديمقراطيون سيبحثون العديد من الأسئلة بشأن السعوديين
أكد شيف أنَّ اللجنة ستبحث أسئلة أكثر بكثير، تتعلق بعلاقة الولايات المتحدة مع السعودية، وأداء هذه الأخيرة في ملفاتٍ أخرى. وتعهَّد شيف "بالغوص عميقاً بخصوص السعودية"، وبأنَّ الكونغرس سيبحث أيضاً "الحرب في اليمن"، و"مدى استقرار عائلة آل سعود"، و"كيف تتعامل المملكة مع منتقديها والصحافيين بشكلٍ عام".
وقال الكاتب غريغ سارجنت، إن ترامب برَّر مراراً منهج التعامل من بعيد مع قضية قتل خاشقجي عبر "أكاذيب عن مدى استفادتنا من علاقتنا مع السعودية، خاصةً عندما يتعلق الأمر باستمرار مبيعات الأسلحة".
وأشار شيف إلى أنَّ الدور الصحيح للجنة الاستخبارات سيتمثَّل في تقييم ما تقوله بالضبط أجهزة الاستخبارات عن السعوديين في كل هذه الملفات، وهو ما قد يزود أعضاء الكونغرس بمزيدٍ من المعلومات لمساعدتهم في محاولة محاسبة السعوديين -عبر فرض عقوبات على سبيل المثال- رغماً عن ترامب إذا لزم الأمر.
شيف قال حسبما نقل الكاتب الأميركي غريغ سارجنت: "إذا تمكَّن أعضاء الكونغرس من الحصول على معلومات كاملة عن السعودية" أو عن مسائل أخرى، وكانت هذه الحقائق مناقضة لما يعرضه الرئيس، فسيكون الكونغرس "مسلحاً بمعلومات كافية تمكنه من اتخاذ إجراءات لضمان حماية مصالحنا القومية، وضمان أنَّنا نبني سياساتنا على الحقائق".
وأشار شيف إلى أنَّ هذا سيُمكِّن الكونغرس من تحديد ما إذا كان ترامب "يقدم معلومات للجمهور تتناقض مع ما نعرفه". وقال أيضاً إنَّ الهدف في هذه المسألة والعديد من المسائل الأخرى مثل نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، هو "محاسبة الرئيس في حال كان يُقدِّم أدلةً نعلم أنَّها غير صحيحة، ويُعرِّض البلاد للخطر".
التدقيق في مصالح ترامب المالية
أحد التساؤلات الأخرى الكبيرة التي أثارها الكاتب الأميركي غريغ سارجنت في مقاله، هو ما إذا كانت علاقات ترامب المالية مع السعوديين هي التي بلورت ردة فعله تجاه أزمة قتل خاشقجي بطريقة أو بأخرى. ووفقاً لآدم شيف فإنَّ الديمقراطيين سيتعمَّقون أيضاً في التشابكات المالية الدولية لترامب -في الشأن السعودي وغيره- ولو أنَّه قال إنَّ توزيع الموضوعات التي ستُنظَر على اللجان لم يتم بعد.
وتابع شيف: "هناك مجموعة كاملة محتملة من تضاربات المصالح المالية والمشكلات المتعلقة بالدخل، وسيحتاج الكونغرس إلى التبيّن من حقيقتها. بالتأكيد إذا كانت الاستثمارات الأجنبية في أنشطة ترامب التجارية تُوجِّه السياسية الأميركية بطريقةٍ تتناقض مع مصالح البلاد، فإنَّ علينا معرفة هذا".
أخلاقيات ترامب على المحك
في تصريحاته يوم الخميس، سُئِل ترامب عمن يُفتَرَض محاسبته بشأن قتل خاشقجي، فأجاب الرئيس: "ربما ينبغي محاسبة العالم لأنَّه مكانٌ وحشي للغاية".
في جوهر رفض ترامب لمحاسبة السعوديين يكمن ادعاؤه المتواصل الأوسع نطاقاً بأنَّ أشياء سيئة تحدث في هذا العالم الشيطاني الوحشي، وأنَّه يجب أن يحمي مصالح الولايات المتحدة (أميركا أولاً) حتى إذا كان هذا يعني التغاضي عن سلوكياتٍ كهذه أحياناً، أو فعل أشياء أخرى يراها الناس بغيضة.
غريغ سارجنت قال: لقد فنَّدتُ ادعاء ترامب بأنَّه يتصرف لتحقيق المصالح الأميركية في المقام الأول بأنه كذبة، سواء في هذا الملف أو العديد من الملفات الأخرى.
لكن ما يُشكِّل أيضاً عنصراً حيوياً في موقف ترامب هذا، هو الاعتقاد بأنَّ السؤال بشأن ما حدث لخاشقجي ليست له إجابة من الأساس.
وإذا ما أمكن استمرار هذا الوهم فسيصبح ترامب قادراً على مواصلة إلقاء اللوم على "وحشية العالم" بشكلٍ عام، وهو ما سيجعل حماية ولي العهد مهمة أسهل سياسياً بالنسبة له، ويجعل مهمة الوصول إلى المحاسبة على هذه "الوحشية" أكثر صعوبةً، على نحوٍ متعمَّد.
وينهي غريغ سارجنت مقالته بالقول إن هذه هي الأخلاقيات المُستهجنة في القلب من موقف ترمب، ولهذا لا بد من دحض الوهم الذي بُنيت على أساسه. مع أمل أن تنجح الرقابة الفاعلة من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، في فعل هذا الأمر.