قال موقع The Daily Beast الأميركي إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اختزل كل العلاقات الدولية، في المصالح المالية وشخصيات القادة الذين يعتقد أنَّ بإمكانه الثقة بهم. وفي الشرق الأوسط، لم تتبع إدارة ترامب إلا سياسة واحدة فقط، اسمها "ولي العهد محمد بن سلمان".
يقول الموقع الأميركي إن ترامب قرَّر تأييد قيادة قاتلٍ سعودي مزعوم، الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني، فعند حديثه عن الاتهامات التي صدرت عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) وجهاتٍ أخرى بأنَّ ولي العهد السعودي أعطى الأمر باغتيال الصحافي جمال خاشقجي، عاد رئيس الولايات المتحدة إلى خطته الاحتياطية المعتادة: "لا سبيل لمعرفة الحقيقة".
ترامب قال في بيانه المرتجل الذي رفض فيه السماح بإدخال تصحيحاتٍ عليه: "من الممكن للغاية أنَّ ولي العهد كان على علم بهذا الحادث المأساوي، ربما عَلِم وربما لم يعلم!". وأضاف: "قد لا نعرف كل الحقائق المحيطة بقتل جمال خاشقجي أبداً. وعلى أي حال، علاقتنا هي مع المملكة العربية السعودية".
ولي العهد السعودي وضع العالم في يد ترامب وكوشنر
ويضيف الموقع أن محمد بن سلمان وعد الأطراف الفاعلة في نظام ترامب – كوشنر بكل ما كان يمكن أن يحلموا به في أي وقت: "مبالغ ضخمة من المال، النصر كمحاربين، والشرف كصُنَّاع سلام". لقد وضع العالم كله في أيديهم، تماماً كتلك الكرة الأرضية المريعة المتوهجة التي ربتوا عليها بأيديهما في أولى رحلاتهم الخارجية إلى السعودية عام 2017.
لكن أصبح كل هذا الآن في مهب الريح. فالرجل الذي وعد ترمب بكل شيء يبدو أنَّه سيكون عبئاً، على الأقل طوال فترة بقاء ترامب في السلطة، بل وبعدها: إنَّه شاب ينتمي لجيل الألفية، نازعٌ للقتل، وفي طريقه للتربُّع على عرش والده الهَرِم وهو لا يزال في سن الثالثة والثلاثين ضمن أسرة يعيش الكثير من رجالها حتى الثمانينيات من العمر، سواءٌ كان ذلك يعني أمراً جيداً أو سيئاً.
"ماذا سيحدث لو أصبح الأمير محمد بن سلمان ملكاً؟"
حين انتهت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "بثقةٍ عالية" إلى أنَّ محمد بن سلمان أعطى الأمر بقتل الصحافي جمال خاشجقي –الذي يُزعَم أنَّ جثته قُطِّعت إلى أجزاء صغيرة يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول- خلُصت أيضاً إلى استنتاجٍ آخر. فوفقاً لتقرير حول استنتاجات الوكالة نُشِر في صحيفة The Washington Post الأميركية، يعتقد محللو الوكالة أنَّ محمد بن سلمان، برغم الغضب العالمي حيال عملية القتل، "سيجتاز على الأرجح" هذا الموقف، و "من المُسلَّم به" أنَّه سيكون ملكاً.
وإذا كان الوضع كذلك، فإنَّ السؤال المطروح، ليس ماذا سيحدث إن رحل محمد بن سلمان؟ مثلما يتساءل بعض الخبراء في واشنطن، بل ماذا سيحدث عندما يبقى؟
دعونا للحظة نعود إلى الوراء إلى أحد أيام مارس/آذار 2017 المُثلِجة، حين تعيَّن على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تأجيل مأدبة غداء لها في البيت الأبيض، وتقدَّم محمد بن سلمان ليلتقي ترامب بعد اجتماعاتٍ صباحية، مُحكِماً بذلك وثاق علاقته مع ترامب والعديد من رجال الدولة المُحدَثين الآخرين في الإدارة الأميركية التي كانت جديدة آنذاك.
وفقاً لكتاب "Fear" للكاتب بوب وودورد، كان ديريك هارفي، أحد نواب مستشار الأمن القومي الأميركي، يُروِّج لفكرة أنَّ إيران هي العدو الأكبر وأنَّ الحل يكمن في السعودية. وكرَّر ترامب وجهة النظر تلك في بيان الثلاثاء. لكنَّ كبار المسؤولين الخبراء آنذاك –وهم مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون (الذي تعامل مع السعوديين مراتٍ كثيرة جداً في صفقات نفطية حين كان رئيساً تنفيذياً لشركة Exxon Mobil)- كانوا يظنون أنَّ هذه على الأرجح ستكون ممارسةً مُخيِّبة.
فوفقاً لوودورد، قال تيلرسون: "السعوديون دوماً يقولون كلاماً كبيراً. وتسير المفاوضات معهم بسرعة وسهولة. لكن عندما يحين وقت موافقتهم، لا يمكنك الحصول على تلك الموافقة".
لكن هذا لا يهم. ففي ربيع عام 2017، كان ترامب بحاجة ماسّة لتحقيق "فوز". إذ لم تتحقق وعوده الكبيرة أثناء الحملة الانتخابية بشأن الرعاية الصحية، والبنية التحتية، والإصلاح الضريبي الحقيقي. وفي الوقت نفسه، كان محمد بن سلمان يغازل صهر ترامب ومستشاره البارز غاريد كوشنر، وفي هذا اليوم المُثلِج التقى بن سلمان ترمب نفسه.
"الخبرة القليلة لترامب ومحمد بن سلمان جعلتهما مرتاحين لبعضهما البعض على نحوٍ غريب"
وكتب مايكل وولف في كتابه "Fire and Fury"، الذي يرسم باقتدارٍ صورة لنهج "تلفزيون الواقع" الذي يتبعه نظام ترمب تجاه الشرق الأوسط: "تَصَادَقَ بقوة كلا الرجلين الكبيرين، ترامب الأكبر سناً ومحمد بن سلمان الأصغر منه بكثير، وكلاهما شخصٌ له سحرٌ خاص، ومُتملِّق، ومُهرِّج ثري، كلٌ على طريقته". وكانت الفكرة الموجودة في البيت الأبيض المتمثلة في أنَّ أي شيءٍ فعلته الإدارات السابقة غبي، مُتأسِّسة في الحقيقة على جهلٍ مُركَّب".
وأضاف وولف: "كان هناك شيءٌ غريب مشترك بين عائلة ترمب ومحمد بن سلمان. فكما هو حال القيادة السعودية برمتها، لم يكن لدى محمد بن سلمان خبرة، وأتحدث هنا من الناحية العملية". للأسف وبالصدفة المحضة، وضع هذا ترامب ومحمد بن سلمان على قدم المساواة تقريباً. وأضاف وولف، نقلاً عن صديقٍ مجهول لكوشنر: "الخبرة القليلة جعلتهما مرتاحين لبعضهما البعض على نحوٍ غريب. وحين عرض محمد بن سلمان نفسه على كوشنر باعتباره رَجُلَه في المملكة العربية السعودية، كان ذلك 'أشبه بالتقاء شخصٍ لطيف في أول أيامك بالمدرسة الداخلية'".
تعهَّد محمد بن سلمان في واقع الأمر بأن يكون هو المركز الواحد الجامع لحل مشكلات الشرق الأوسط، ولابد أنَّه بدا مُقنِعاً جداً بالنسبة لأشخاصٍ حقيقةً لم يكن لديهم أي فكرة عن المنطقة. فكان سيدفع الفلسطينيين لعملية السلام والاعتراف بإسرائيل، ساحباً معه في ذلك الإمارات العربية المتحدة وأطرافاً أخرى. وكان سيُعزِّز حائط الصد ضد العدوان الإيراني، وينقل الحرب إلى طهران. وكان سيتحكَّم في أسعار النفط على نحوٍ يفيد الولايات المتحدة، وبالأخص نظام ترامب. لكن ماذا عن ذاك الأمر المتعلق باليمن؟ تلك الحرب التي يُساء فهمها على نطاقٍ واسع؟ لا مشكلة. كان سيُنهي هذا الأمر في غضون أشهر، إن لم يكن أسابيع.
في غضون ذلك، لِمَ لا تكون أولى رحلات آل ترامب الرئاسية الخارجية إلى الرياض، حيث يمكن لآل ترامب والسعوديين أن يُروِّجوا لكل تلك الأفكار العظيمة؟ بالإضافة إلى ذلك، سيُجدد السعوديون، على الأقل شفهياً، التزامهم بكل صفقات السلاح التي وقَّعها أوباما معهم. ويبرم ترامب صفقات بيع أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار، ويمكن له أن يتحدث عن "الكثير والكثير من الوظائف". وكذلك ستُخصخص السعودية شركة أرامكو. إنَّه مال بلا مقابل. لم يتحقق أيٌ من تلك الوعود. وكان تيلرسون على حق.
ثُمَّ جاءت قضية خاشقجي وتحول كل شيء إلى الأسوأ. فالرجل الذي تعهد بتحقيق أهداف ترامب كلها في الشرق الأوسط نيابةً عنه تبيَّن أنَّه "مريضٌ نفسي".
السيناريو الأرجح على المدى القريب هو أن يبقى محمد بن سلمان في الحكم
وهنا يتساءل "ديلي بيست": إن كنتم مكان ترامب، ماذا كنتم ستفعلون؟ رأينا جواب هذا يوم الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني. فمن الواضح أنَّ ترامب يعتقد أنَّه إذا أمكنه فقط تبييض صورة محمد بن سلمان بما فيه الكفاية، وشدَّد في الوقت نفسه على صورة إيران باعتبارها مصدر كل الشرور، فربما يطوي الناس هذه الصفحة ويمضون. ويمكننا هنا إعادة صياغة كلمة الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت عن ديكتاتورٍ ما في إحدى جمهوريات الموز، على هذا النحو: "إنَّه مريضٌ نفسي، لكنَّه مريضنا النفسي".
لكن لسوء حظ ترامب، لا يبدو أنَّ ذلك ينجح، والرجل الذي وعده بانتصارات كبيرة في الشرق الأوسط يجعله يبدو فاشلاً، أو أحمق، أو كليهما.
ويقول آرون ديفيد ميلر، الباحث بمركز ويلسون: "طريقة تفكير ترامب بخصوص السعوديين غريبة. فقد احتضن حتى الآن رجلاً كان مصدراً لعدم الاستقرار وليس الاستقرار".
ويتفق المحلل السابق بوكالة الاستخبارات المركزية بروس ريدل مع ذلك. فيقول: "السيناريو الأرجح على المدى القريب هو أن يبقى محمد بن سلمان، لكن سيبقى وهو عاجز وغير قادر على تحقيق ما وعد به. وسيكون منبوذاً في الغرب".
وبحسب الموقع الأميركي، فإن ترامب أصبح شخصاً خانعاً للقتلة المستبدين: منهم فلاديمير بوتين، وكيم جونغ أون، ورودريغو دوتيرتي على سبيل المثال لا الحصر. لكن يبدو أنَّ محمد بن سلمان يقع الآن في تصنيفٍ منفرد، ليس بسبب عدد قتلاه (مع تنحية حرب اليمن الحمقاء جانباً)، لكن بسبب نوعية حماقته.
فقد سارع ترمب للتستُّر على ولي العهد في قضية خاشقجي، متمنياً أن يمضي كل شيء ببساطة، لكنَّ التصدي لجهوده تلك مستمرٌ نتيجة الإدراك المتزايد بأنَّ هذا السعوديّ "ليس قاتلاً فحسب، وإنمَّا أحمق أيضاً".