دخل أحد كبار مستشاري الأمن القومي السابقين لديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، تحت مجهر المحقق الخاص روبرت مولر، وذلك مع توسُّع التحقيقات التي يجريها الأخير لتتجاوز إطار الحدود الضيقة للتدخل الروسي في السياسة الأميركية، حسبما صرَّح شخصان على اطلاع بالتحقيقات لموقع The Daily Beast الأميركي.
وقال الموقع الأميركي إن مولر يحقق في الاتصالات والتعاملات السياسية لجون هانا، مستشار تشيني السابق الذي عمل لاحقاً ضمن فريق الرئيس دونالد ترامب الانتقالي الخاص بوزارة الخارجية. ويشمل ذلك تعاملاته مع رجل الأعمال اللبناني الأميركي جورج نادر الذي توسَّط في عقد اجتماعات بين كبار الشخصيات السياسية الأجنبية وفريق ترامب، وجويل زامل، وهو رجل أعمال إسرائيلي مولود في أستراليا وذو خبرة كبيرة في الشبكات الاجتماعية ويرتبط بعلاقات وثيقة مع الاستخبارات الإسرائيلية. وكان موقع The Daily Beast ذكر في وقتٍ سابق أنَّ الرجال الثلاثة التقوا مع أحد كبار الجنرالات السعوديين في الأيام التي سبقت تنصيب ترمب من أجل مناقشة خطط تقويض الحكومة الإيرانية والإطاحة بها.
لم يرتكب مخالفة من قبل
ويُعَد هانا، الذي لم يُتهم بارتكاب أي مخالفة، من المقربين لكلٍ من نادر وزامل، اللذين استجوبهما المحقق الخاص، ووفقاً لشخصين على علم بتلك العلاقات. واسم هانا مُدرَجٌ في الموقع الإلكتروني لإحدى شركات زامل، وهي شركة Wikistrat الاستخباراتية، كعضو في مجلسها الاستشاري. وعمل نادر مع هانا على الشؤون السياسية للعراق في ظل إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، حسبما كشف أربعة أشخاص سبق لهم العمل مع الثنائي أو كانوا على علم بتعاملاتهما خلال حرب العراق. ويعمل هانا الآن مستشاراً لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهو مركز بحثي مؤيد لإسرائيل ومعروف بانتقاده للنظام الإيراني.
ولم يستجب هانا ومحاميه لطلبات التعليق على هذه الموضوع. ورفض مكتب المحقق الخاص روبرت مولر التعليق. ورفض ممثلٌ عن نادر التعليق. ولم يستجب أحد محامي زامل لطلبات التعليق.
واستجوب مكتب المحقق الخاص كلاً من نادر وزامل، وأُفِيد بأنَّهما يتعاونان مع تحقيقاته في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية عام 2016. واستُجوِب نادر عن علاقاته بمسؤولين رفيعي المستوى في الإمارات والسعودية، وعن علاقته بزامل، وعن تعاملاته مع حملة ترمب. واستجوب مولر زامل عن دوره في الترويج لمسؤولين بارزين بالحملة الانتخابية ضمن عملية تأثير لمساعدة ترمب في الفوز بالانتخابات، وهو الأمر الذي قد ينتهك قوانين الانتخابات الفيدرالية.
لماذا يهتم مولر بهذا الشخص؟
ويشير اهتمام مولر باتصالات هانا وتعاملاته مع الرجلين الآخرين إلى أنَّ تحقيقات المحقق الخاص أوسع مما كان يُعتَقد في السابق.
قال جون ماكلافلين، المدير السابق بالإنابة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA): "ربما يكون مولر بصدد فتح جبهة أخرى (بالتحقيقات) هنا. يتعلَّق تفويضه الأساسي بالتحقيق في التدخل الروسي، لكن هناك بنداً في تفويضه فضفاض للغاية، ليشمل التحقيق في 'أي أمور مرتبطة بذلك'".
وأضاف قائلاً: "قد يكون ذلك خطاً مُنفصِلاً في التحقيق حول الجهود المبذولة من جانب أطراف خارجية للتأثير على الانتخابات".
ومنذ بدء التحقيقات عام 2017، نظر مكتب المحقق الخاص مولر في جوانب مختلفة من حملة ترامب، بما في ذلك الأموال المدفوعة لنجمات أفلام جنسية سابقات، والضغط الأجنبي من جانب مساعدي الحملة، واختراق الجواسيس الروس لشبكات الحاسوب الأميركية. ووجَّه مولر اتهامات لأكثر من اثني عشر شخصاً حتى الآن، ويستعد لإصدار أحكام بحق كلٍ من مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق لترامب، وبول مانافورت مدير حملة ترمب السابق، بحسب الموقع الأميركي.
ولم يُكشف الكثير عن تحقيق مولر بشأن الأفراد الذين شاركوا في اجتماعات يبدو أنَّها تقع خارج الإطار الرئيسي للتحقيقات. على سبيل المثال، حقَّق المحقق الخاص في اللقاء الذي جمع بين كلٍ من جورج نادر، وإريك برنس مؤسس شركة Blackwater الأمنية، وكيريل ديميترييف رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي بجزيرة سيشل في يناير/كانون الثاني من العام الماضي. واستجوب مولر عدداً من الشهود بشأن العرض الذي قدَّمه زامل من أجل استخدام التلاعب بالشبكات الاجتماعية لمساعدة ترامب في هزيمة منافسيه في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري إلى جانب هزيمة هيلاري كلينتون، وذلك وفقاً لشخصين عملا مع هذه المجموعة.
وتُسلِّط التحقيقات التي يجريها مولر بشأن تعاملات هانا واتصالاته مع نادر وزامل ومسؤولين آخرين في إدارة ترامب ضوءاً جديداً على ما يبدو أنَّه جانب أقل شهرة ضمن تحقيقات مولر، وهو جانب يهتم بالتأثير الإسرائيلي والإماراتي والسعودي على الانتخابات الرئاسية عام 2016.
ويُعد هانا واحداً من أبرز محاور هذه العلاقة.
قالت كارين غرينبرغ، مديرة مركز الأمن القومي التابع لجامعة فوردهام الأميركية: "هذه بلدان قوية للغاية تعمل خارج إطار ديمقراطي تتلاقى عند أقدس مؤسسات الديمقراطية الأميركية: انتخاباتها"، بحسب الموقع الأميركي.
وأضافت: "في كثير من الأحيان، كانت مجموعة تشيني تفعل أموراً.. خارج الحدود المعتادة للسياسة الأميركية الداخلية والخارجية. وإذا توصَّل مولر إلى أدلة على ارتكاب مخالفات، فإنَّ ذلك سيجعلنا نتساءل لماذا نحن كمجتمع -بغض النظر عما نحن عليه- لم نكن نُولي اهتماماً بتدخُّل أتباع تشيني المستمر في السياسة الأميركية الداخلية".
ماذا كان يعمل هانا وقت الانتخابات الأميركية؟
وخلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، كان هانا يعمل واحداً من كبار القادة في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وغالباً ما تحدَّث الرجل علانيةً عن حاجة الولايات المتحدة إلى التعامل مع التهديد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً في ما يتعلق بإسرائيل، بحسب الموقع الأميركي.
وقدَّم هانا نادر إلى زامل في وقتٍ ما خلال عام 2016، وفقاً لشخصين شاركا في هذه التعاملات.
وكانت إحدى شركات زامل، Wikistrat، ذات علاقات جيدة في العاصمة الأميركية واشنطن، وقد أنشأت قاعدة من المسؤولين العسكريين ومسؤولي الاستخبارات الأميركيين الكبار للعمل -أو على الأقل التظاهر بالعمل- مستشارين للشركة. وفي الوقت نفسه، كانت شركة زامل الأخرى، Psy Group، في خضم محاولة بيع استراتيجية تأثير عبر الإنترنت لحملة ترامب الانتخابية، وكانت تتصل مع العديد من مسؤولي ترامب، بمن فيهم ريك غيتس، النائب السابق لمدير حملة ترامب، الذي اعترف بالتآمر والكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI). وكانت صحيفة The New York Times الأميركية هي أول من كشف عن العلاقة بين شركة Psy Group وغيتس.
وفي النهاية، قُدِمت خطة شركة Psy Group إلى دونالد ترامب الابن ومسؤولين آخرين بالحملة في أغسطس/آب 2016 خلال اجتماع شمل كل من برنس ونادر وزامل. ووفقاً لأشخاص على علم بخطط شركة Psy Group، لم تمضِ الحملة قدماً بالخطة قط. في حين قال آخرون على دراية بزامل وتعاملاته في صيف 2016 لموقع The Daily Beast إنَّه لم يتضح ما إذا كان جرى التخلي عن خطة التأثير عبر الشبكات الاجتماعية أم لا.
وحسبما أفادت صحيفة The New York Times، دفع نادر مبلغاً كبيراً من المال لزامل بعد انتخاب ترامب، لكن لم يتضح ما سبب قيامه بذلك أو ما إذا كانت هذه الأموال متعلقة بالعمل الذي قامت به شركة Psy Group.
جورج نادر وعلاقته بمحمد بن زايد ومحمد بن سلمان
من جانبه، كان نادر أيضاً يطوّر علاقته بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بالإضافة إلى مسؤولين سعوديين بارزين، بمن فيهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يُعَد القائد الفعلي للمملكة. وخلال عامي 2016 و2017، التقى نادر مع الزعيمين الخليجيين وطوَّر استراتيجية بشأن كيفية العمل مع حملة ترامب الانتخابية. وفي إحدى المناسبات في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، قبل أقل من أسبوع من اجتماع سيشل، التقى نادر مع زامل، ومسؤولين في حملة ترامب، واللواء أحمد العسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية في مدينة نيويورك لمناقشة خطة إطاحة النظام في طهران.
ووفقاً لرسائل البريد الإلكتروني التي نشرها موقع The Intercept الأميركي عام 2017، كان هانا أيضاً على اتصال مع مسؤولين خليجيين، بمن فيهم سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة.
وفي الوقت ذاته، كان هانا يعمل ضمن فريق الفترة الانتقالية الخاص بوزارة الخارجية الأميركية. وساعد هانا في تقديم المشورة لوزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بشأن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط. ووفقاً للشخصين اللذين عملا معه، شملت القضايا التي ساعد فيها هانا خطوة النقل الذي كان آنذاك مُحتمَلاً للسفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وجاء بقية المستشارين من زوايا مختلفة في واشنطن، بما يتضمَّن مراكز بحثية ومكاتب سياسية أخرى، بحسب الموقع الأميركي.
وقال أولئك الذين عملوا ضمن فريق الفترة الانتقالية إنَّ هانا كان شخصية غير عادية إلى حدٍ ما. ففي فريقٍ جرى ملؤه بمجموعة من الهُواة نسبياً والدخلاء على عالم السياسة، كان هانا واحداً من القلائل الذين كانوا "يدركون بالفعل كيف تعمل الحكومة".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، كتب هانا مقال رأي بمجلة Foreign Policy الأميركية، أشاد فيها بوزارة خارجية ترامب.
وكتب هانا، مُعرِباً عن امتنانه للوقت الذي قضاه ضمن فريق الفترة الانتقالية بالوزارة: "بمرور الوقت والتعلم، هناك ما يبعث على الاعتقاد بأنَّ الإدارة على نطاقٍ أوسع يمكنها التغلب على عثراتها الأولية. لكنَّ إمكانية قول الشيء ذاته عن (وزير خارجية ترامب الذي واجه عثرات كثيرة ريكس) تيلرسون هو أمرٌ أقل وضوحاً بكثير".
وأضاف: "إذا كان هدفك هو زيادة فعالية السياسة الخارجية الأميركية إلى أقصاها، فمن الضروري أن يرى العالم أنَّ وزير الخارجية يلقى الدعم الكامل من القائد العام للبلاد".
ولا يزال هانا يعمل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. ولم يتضح ما إذا كان على تواصل مع إدارة ترمب حتى الآن أم لا.