أثناء تأدية يوفال شتاينتس للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، كانت مصر عدواً، وعاشت إسرائيل في خوفٍ من خنق إمداداتها النفطية بواسطة منافسيها العرب. لكن شتاينتس وجد نفسه خلال السنوات الأخيرة، بوصفه وزير الطاقة الإسرائيلي، في خِضَم لقاءاتٍ سريةٍ إسرائيلية مع المسؤولين المصريين. وعلى جدول أعماله: لغز الغاز الطبيعي الإسرائيلي .
وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يُوفِّر الغاز الطبيعي الإسرائيلي فرصةً للمضي قدماً في مساعي سياسته الخارجية لتحويل خصومه العرب في السابق إلى شركاء اقتصاديين، مع خلق علاقات طويلة الأمد بين الوزراء والمديرين التنفيذيين، يقول تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
تحسين العلاقات مع الدول العربية من بوابة الغاز الطبيعي الإسرائيلي
إذ يرغب في تحسين علاقته مع الدول العربية التي تُشارك إسرائيل مخاوفها بشأن العدوان الإقليمي الإيراني، ويقول إنه ليس بحاجة إلى انتظار حل سياسي للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
وإثر الكشف عن زيارة سرية إلى عمان الشهر الماضي، قال رئيس الوزراء للمراسلين إن العالم العربي "مُتَعَطِّشٌ" للابتكارات والتجارة الإسرائيلية.
إذ اكتشفت إسرائيل، منذ أواخر التسعينيات، احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي الإسرائيلي قبالة سواحلها. وسمحت أعمال الكشف الأولية للدويلة الصغيرة بتحرير نفسها من بعض واردات البترول.
لكن الاكتشافات الإضافية -التي يُمكنها أن تُغذي إسرائيل بالغاز على مدار 50 عاماً وفقاً لبعض التقديرات- فتحت الباب أمام إمكانية التصدير. وصرَّح شتاينتس لصحيفة Financial Times البريطانية قائلاً: "لم يرد هذا الأمر في بال أحدٍ قبل عقدٍ أو عقدين من الزمن".
والبداية كانت من خلال اجتماعات سرية إسرائيلية مع المسؤولين المصرين
تتمثَّل مشكلته في استخراج الغاز الطبيعي الإسرائيلي من منطقة مُعاديةٍ في مُعظم الأحيان. وتهدف إسرائيل على المدى البعيد إلى تغذية دول أوروبا المتعطشة للطاقة. لكن شتاينتس تَمَكَّن في الوقت الراهن من المساعدة في التوصل إلى اتفاق أولي مُثمر مع مصر، وهي واحدةٌ من الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين تربطهما بإسرائيل اتفاقيات سلام.
وتسمح الصفقة، التي أُعلِنَت هذا العام، لشركة Delek Group الإسرائيلية بتصدير غاز طبيعي قيمته 15 مليار دولار أميركي إلى مصر أوائل عام 2019، مُستخرج من حقلَي تمر وليفياثان اللذين يحويان الغالبية العظمى من احتياطيات إسرائيل المؤكدة. وتابع شتاينتس: "سيكون هناك قدرٌ كبيرٌ من الصادرات".
أضحت الاتفاقية بمثابة محور الخطط الإسرائيلية الطموحة لتحويل نفسها إلى مركزٍ مُتوسطِّيٍ رائدٍ في مجال الطاقة، وجرى تعزيزها مؤخراً بصفقاتٍ تابعة.
وفي الوقت ذاته، يجري إنشاء خط أنابيب منفصل للتصدير إلى الأردن، التي تمتلك اتفاقية سلامٍ مع إسرائيل منذ عام 1994. وهو الأمر الذي يبعث مزيداً من الأمل في أن تُصبح مصر وإسرائيل والأردن، في نهاية المطاف، جزءاً من شبكة غاز طبيعي واحدة.
لكن الأمر ليس بتلك البساطة، والمعارضون بدأوا بالاحتجاج داخلياً وخارجياً
لكن طموحاته في مجال الطاقة تُحَفِّز المعارضة داخل قطاعات أخرى من المجتمع الإسرائيلي وخارجه. إذ يُطالب السكان القاطنون قرب الشواطئ الشمالية المتناثرة داخل المحميات الطبيعية بإنشاء البنية التحتية للغاز في مناطق أبعد داخل البحر.
وطالب صقور الأمن الإسرائيلي أن تحتفظ إسرائيل الغاز الطبيعي الإسرائيلي لاستخدامها الشخصي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد إمداداتها لخمسين عاماً على الأقل، إن لم تكن أكثر.
في سبتمبر/أيلول، تظاهر الآلاف من المدافعين عن البيئة مُحتَجِّين قُرب مبنى البرلمان الإسرائيلي، لكن بحلول يناير/كانون الثاني، ستصل منصةٌ قيمتها 3 مليارات دولار -يجري إنشاؤها الآن في تكساس- على بعد 10 كيلومترات من سواحل إسرائيل، لتدشين المرحلة الأولى من الاستخراج المُخصَّص للتصدير.
وأتى رد الفعل الشعبي على التعامل التجاري مع إسرائيل في الدول العربية على نفس القدر من الحساسية. وعُقدت لقاءات شتاينتس مع المسؤولين المصريين تحت غطاءٍ من الهدوء -الذي يُمكن وصفه بالسرية- في معظم الأوقات، لأن إسرائيل ما زال يُنظر إليها بتشكُّك كبير هناك رغم معاهدة سلام عام 1979.
واندلعت التظاهرات في الأردن داخل موقع بناء خط الأنابيب وخارجه، احتجاجاً على حقيقة تطبيع الصفقة للعلاقات مع إسرائيل. وفي الشهر الماضي أكتوبر/تشرين الأول، رفضت الأردن تجديد جزء صغير من معاهدة السلام الخاصة بها، كتعبير عن رفضها لبعض الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين كما أوردت التقارير.
لكن تظل الأردن أقل إثارةً للقلق من البدائل الإقليمية الأخرى، إذ إن فكرة إنشاء خط أنابيب تحت الماء يمتد إلى تركيا عبر لبنان وسوريا سيكون مُعقَّداً من الناحية السياسية ومحفوفاً بمخاطر التخريب.
كما أن إطار العمل التنظيمي للطاقة في إسرائيل مشكلة أخرى
إذ احتاجت إسرائيل إلى مليارات الدولارات من التمويل الأجنبي لتطوير حقول الغاز الطبيعي الإسرائيلي ، لأن الشركات المحلية لم تمتلك الخبرات الكافية، كما أوضح تشارلز إليناس، الزميل غير المقيم في مركز Global Energy بالمجلس الأطلسي.
لكن القوانين المُتَقَلِّبة تُثير قلق المستثمرين الأجانب. وقال شتاينتس إن إطار عمل الغاز الجديد الذي وُضِع عام 2017 سيكون الأخير، لكن ذلك لم يُخفِّف من قلق المستثمرين. يقول إليناس: "لا يُمكنك التأكُّد أبداً من استقرار قوانين الغاز داخل إسرائيل".
نفى شتاينتس وجود أي داعٍ للقلق. وأكَّد على ضمان الإمكانيات مُستقبلاً بصفقة سبتمبر/أيلول، التي تحالفت بمقتضاها Delek Group وNoble Energy من هيوستن وشركة مصرية من أجل دفع 500 مليون دولار للاستحواذ على حصة مسيطرة في خط أنابيب غير نشط بين مصر وإسرائيل، وهو الخط الذي سيعكسونه لتسيير الغاز شرقاً.
أُعلِنَت الصفقة إثر اجتماعٍ دام لساعتين بين نتنياهو والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في نيويورك (شتاينتس يقول إن الأمرين منفصلان).
رغم أن الإسرائيليين متفائلون من "الصفقة الرابحة"
وبالنسبة ليوسي أبو، المدير التنفيذي لـDelek Drilling، فإن الوعد التجاري الذي تُقدِّمه صفقة خط الأنابيب يُعَدُّ أكثر أهميةً من مكاسبها السياسية المنتظرة. وقال: "تسعى بعض الدول إلى خلق علاقات بتأسيس مشاريع سياسية لا تتمتع بقاعدة اقتصادية، لكن هذه عمليةٌ صورية. أما هنا فينصب التركيز على الاقتصاديات فقط، وهي صفقةٌ رابحةٌ للطرفين".
وبالرغم من تفاؤل شتاينتس بالصفقة المصرية، فهو من أنصار خطة أوروبية أكثر طموحاً: خط أنابيب في أعماق البحار بقيمة 7 مليارات دولار يمتد من إسرائيل إلى قبرص ثم إيطاليا. وأضاف أن هذا الأمر أكثر طبيعيةً وأنسب على المدى البعيد بالنسبة لإسرائيل، وهو أقل عرضةً أن يقع فريسةً للسياسة الإقليمية.
وتابع، مُعتبراً أن خط الأنابيب سيساعد في تقليل اعتماد أوروبا على حقول الغاز البريطانية والهولندية: "إسرائيل وقبرص نحن دولتان ديمقراطيتان على الطراز الغربي، وأعضاءٌ في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، علاوةً على أن إحدانا عضوةٌ في الاتحاد الأوروبي. بوسعنا أن نُوفِّر بديلاً يُعتمد عليه لخط التَدَفُّق الشمالي، في حال تَمَكَّنا من بناء خط الأنابيب ذاك".