كشفت وكالة رويترز أن شبكة تتألف مما لا يقل عن 53 موقعاً، تدَّعي أنها منافذ إخبارية، شاركت في نشر معلومات زائفة عن الحكومة السعودية و جريمة قتل جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول.
وأوضحت الوكالة أن تفاصيل المواقع بيَّنت أن شخصاً يدعى محمد ترابي، له عنوان مسجل في مصر، هو صاحب أغلبية المواقع الـ53 ومُشغِّلها.
في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018، نشر موقع صحيفة "الأوطان" الإلكترونية تقريراً عن إعفاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من ولاية العهد.
نسب الموقع الخبر إلى وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، وقال إن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وقَّع مرسوماً بعزل الأمير على خلفية الضغوط المتنامية التي اقترنت باختفاء الصحافي جمال خاشقجي.
حسابات آلية لتأييد الحكومة السعودية وأخرى لـ"تلطيخ سمعتها"
كان التقرير مزيفاً. فلم يحدث أن نشرت "واس" مثل هذا التقرير، وتمت الاستعانة في صياغة الخبر والصورة المصاحبة له بمرسوم ملكي صدر من قبلُ عن عزل ولي العهد السابق.
ويعد التقرير والموقع الذي نشره، جزءاً من حملة إعلامية شرسة أعقبت جريمة قتل جمال خاشقجي صاحب أحد الأصوات البارزة الناقدة للحكومة السعودية والذي شوهد آخر مرة وهو يدخل القنصلية السعودية بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
أغرقت الحسابات الآلية شبكات التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة، حيث يروج الكثير منها لتأييد السعودية وبث الشكوك في الادعاءات التي تقول إن المملكة متورطة في قتل خاشقجي.
غير أنه كان هناك جهد آخر في المقابل يسعى لتلطيخ الصورة بشكل عام، باستخدام مواقع الأخبار الكاذبة وحسابات الرسائل الآلية ،لإثارة حالة من الارتباك عن التطورات داخل حكومة المملكة.
ويبين تحليل أجرته "رويترز"، أن موقع صحيفة "الأوطان" الإلكترونية واحد من شبكة تتألف مما لا يقل عن 53 موقعاً، تدَّعي أنها منافذ إخبارية حقيقية باللغة العربية، شاركت في نشر معلومات زائفة عن الحكومة السعودية ومقتل خاشقجي.
وقال محققون في شركة كليرسكاي الإسرائيلية لأمن الإنترنت إن استعراضاً لعناوين الخوادم المضيفة وتفاصيل التسجيل أوضح أن هذه المواقع تعمل في إطار شبكة واحدة.
كما أن الكثير منها تتشابه تصميمات صفحاته وعناوينه الإلكترونية، أو ينشر تقارير واحدة أو متشابهة من الأخبار الكاذبة.
إعفاء محمد بن سلمان يغزو "تويتر" بعد جريمة قتل جمال خاشقجي
كان التقرير الذي نشرته صحيفة "الأوطان" الإلكترونية عن إعفاء الأمير محمد وتعيين شقيقه، خالد بن سلمان، ولياً للعهد، بسبب جريمة قتل جمال خاشقجي ، نموذجاً مثالياً لهذه التقارير.
وذكر تقرير آخر نشره موقع اسمه awwtarnews.com، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنه تم تغيير أحد مساعدي الأمير محمد للسبب نفسه. ولم يكن ذلك التقرير حقيقياً.
وبعد نشر تقارير الأخبار الكاذبة على الإنترنت، عمدت الحسابات الآلية إلى نشرها على تويتر، واستخدم كثير منها روابط لمواقع متعددة من مواقع الشبكة.
وأوقف موقع تويتر هذه الحسابات بعد أن تلقى استفسارات من "رويترز" عنها. ولم يردَّ الموقعان والحكومة السعودية ووكالة الأنباء السعودية على طلبات من "رويترز" للتعليق.
وتبين تفاصيل المواقع أن شخصاً يدعى محمد ترابي، له عنوان مسجل في مصر، هو صاحب أغلبية المواقع الـ53 ومُشغِّلها. وعند الاتصال به هاتفياً ردَّ شخص قال إنه محمد ترابي، وأكد أنه صاحب المواقع، لكنه أغلق الهاتف عندما طُلب منه تقديم المزيد من المعلومات.
وفي تعليقات لاحقة بالبريد الإلكتروني، نفى صلته بالشبكة، وقال إنه لم يفهم الأسئلة التي طُرحت عليه هاتفياً. وقال: "آسف؛ لا أستطيع أن أفيدكم. ليست لي أي صلة بالمواقع التي تتحدثون عنها".
وقد أسهم تناقض السعودية في نشر معلومات زائفة
قالت الحكومة السعودية في البداية، إنها لا تعلم شيئاً عما حدث لخاشقجي المقيم بالولايات المتحدة والكاتب بصحيفة "واشنطن بوست"، وذلك عندما اختفى عقب دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول.
وتحت الضغوط لكشف المزيد من المعلومات عن جريمقة قتل جمال خاشقجي وفي أعقاب تأكيد تركيا أنه قُتل، غيَّرت الرياض روايتها لأحداث، وقالت إنه مات في شجار نشب بالقنصلية.
وعندما ثارت الشكوك في هذه الرواية أيضاً، طرحت الرياض تفسيراً جديداً، وعَزَتْ موته إلى عملية دبرها أفراد سعوديون تجاوزوا الصلاحيات الممنوحة لهم.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إن السلطات السعودية دبرت "أسوأ عملية تستُّر على الإطلاق"، لكنه أدلى أيضاً بتصريحات استرضائية، سلط فيها الضوء على دور الرياض كحليف للولايات المتحدة في مواجهة إيران والمتشددين، بالإضافة إلى مشترياتها من الأسلحة الأميركية.
وأوضح كيف تستطيع الحكومات التلاعب بالمعلومات
وقالت ليزا ماريا نيوديرت، الباحثة بمعهد أوكسفورد للإنترنت التابع لجامعة أوكسفورد، إن موت خاشقجي أسهم في إبراز السبل التي تستطيع الحكومات من خلالها التلاعب على نحو متزايد، بالمعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي للترويج لأغراضها السياسية.
وقالت: "إنشاء صفحات للتضليل الإعلامي تدَّعي أنها تنشر أخباراً حقيقية للتأثير في قضايا جارية، خلافية ومثيرة للجدل، منها جريمة قتل جمال خاشقجي ، باستخدام حسابات وهمية وأفراد غير حقيقيين لإخفاء أصحاب الهجمات الحقيقيين، يمثل إلى حد ما ألف باء بالدعاية الإلكترونية".
وفي قلب الجهد الإلكتروني السعودي، يأتي سعود القحطاني أحد المساعدين المقربين من ولي العهد، الذي تم تعيينه في أوائل سنوات الألفية الثالثة لإدارة جيش للإعلام الإلكتروني مكلف حماية صورة المملكة، وذلك وفق ما ذكره مصدر على صلة بالديوان الملكي.
وعندما قادت الرياض مقاطعة اقتصادية لقطر في يونيو/حزيران 2017، كان القحطاني في صدارة الهجمات الإلكترونية عليها. وحث السعوديين عبر تويتر على نشر أسماء من يبدون التعاطف مع قطر في تغريدات، عبر وسم "القائمة السوداء".
عُزل القحطاني في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بسبب ما تردد عن دوره في جريمة مقتل خاشقجي. وقال مسؤول سعودي كبير إن القحطاني فوض أحد مرؤوسيه في إجراء مفاوضات لإعادة خاشقجي إلى السعودية. ولم يردَّ القحطاني على استفسارات من "رويترز" في ذلك الوقت.
ولم تكشف السلطات السعودية عما إذا كان معتقلاً أو لا، كما أنَّ وضع جيشه الإلكتروني، الذي يطلق عليه اسم "الذباب الإلكتروني"، غير واضح. ولم تردَّ السلطات السعودية على طلب للتعليق.
وينشط خصوم السلطات السعودية أيضاً على الإنترنت. فقد تعرفت فيسبوك وشركات أخرى على عملية يشتبه في أنها إيرانية، استخدمت في أغسطس/آب 2018، شبكة من المواقع الإخبارية الوهمية وحسابات التواصل الاجتماعي الوهمية لنشر معلومات مضللة استهدفت السعودية.
ونفى مسؤولون إيرانيون هذه الاتهامات ووصفوها بأنها "منافية للعقل".
والرياض تتهم وسائل إعلام عالمية بمحاولة النيل من المملكة
قالت تويتر إنها ألغت عدداً كبيراً من الحسابات، لمخالفتها شروط الاستخدام، على مدار الأسبوعين الماضيين، وكان منشأ الكثير منها منطقة الخليج.
وقال متحدث باسم تويتر: "الاستغلال المتعمد للمنصة والرسائل المزيفة الموجهة للمستخدمين من خلال عمليات منسقة يمثلان انتهاكاً لقواعد تويتر، وسنواصل تطبيق سياساتنا بصرامة".
وقد توصلت "رويترز" إلى أن مثل هذه الحسابات الوهمية ومستخدمين سعوديين من ذوي النفوذ نشروا مراراً وسوماً على تويتر؛ منها "مخابرات قطر تقتل خاشقجي" و"السعودية الأعظم"، وذلك رغم أنها لم تتوصل إلى دليل على أن القحطاني أو الحكومة السعودية يتحكم أي منهما في تلك الحسابات أو يوجهها.
واتهمت صحيفة "سبق"، كبرى الصحف الإلكترونية السعودية، وسائل الإعلام العالمية، وضمنها "رويترز"، باستخدام جريمة قتل جمال خاشقجي لمحاولة النيل من الحكومة، وأصدرت بياناً في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قالت فيه إن تقريراً إخبارياً زائفاً انتشر مستخدماً اسمها.
وقال أوهاد زايدنبرغ، المحلل بشركة كليرسكاي الإسرائيلية، إن الموقع الذي اكتشفت "رويترز" أنه ينشر أخباراً زائفة عن الحكومة السعودية يعمل في إطار الشبكة ذاتها منذ 2017.
وأضاف زايدنبرغ، الذي سبق أن تتبَّع حملات الدعاية الإلكترونية لحساب وحدة استخبارات النخبة الإسرائيلية 8200، أنه تم إغلاق جميع هذه المواقع باستثناء 3 مواقع، رغم أنه لم يتضح بعدُ الطرف المسؤول عن إغلاق الشبكة.
إلا أن "الجاني" يبقى مجهولاً
غير أن المواقع التي لا تزال تعمل على الإنترنت وكذلك النسخ المحفوظة من المواقع التي تم تعطيلها، تسلط الضوء على عمليات الشبكة، وأهدافها المتمثلة في تقويض الرواية الرسمية السعودية للأحداث، وإثارة حالة من الارتباك حول حكومتها.
وقال زايدنبرغ: "السعودية تُعتبر واحدة من القوى الرئيسية في الشرق الأوسط. ومن ثم، فإن كثيرين من مديري مواقع الأخبار الكاذبة يستهدفون الجمهور السعودي بوتيرة متزايدة". وأضاف أنه لا يمكن التعرف على الجاني في المرحلة الحالية.
وامتنعت شركات "هتزنر" و"جودادي" و"كلاودفلير" لاستضافة المواقع ودعمها عن الكشف عن أي معلومات عمن يدير المواقع التي تعتند نشر معلومات زائفة ، مستندةً إلى سرية بيانات العملاء.