بات جيمس ديمون، المدير التنفيذي لبنك JPMorgan Chase & Co الأميركي، أحدث مسؤول تنفيذي بارز يعلن انسحابه من المؤتمر الاستثماري الأساسي الذي ستعقده السعودية في الشهر الجاري (أكتوبر/تشرين الأول 2018)، في ظل التساؤلات الدائرة عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
كان ديمون، الذي يرتبط بنكه بعلاقات طويلة الأمد مع السعودية ويقدم لها استشارات حول الصفقات التجارية، مدعوّاً ليكون متحدثاً أساسياً في المؤتمر، وفق تقرير نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأميركية.
وبذلك، انضم ديمون إلى قائمةٍ من مستشارين ومسؤولين تنفيذيين غربيين انسحبوا من مؤتمر الرياض الاستثماري؛ على خلفية تردُّد مزاعم بأنَّ الحكومة السعودية أمرت بقتل خاشقجي.
بالإضافة إلى جيمس ديمون، لن يحضر المؤتمر كذلك بيل فورد رئيس مجلس إدارة شركة Ford Motor، ودارا خسروشاهی المدير التنفيذي لشركة Uber Technologies، التي تمتلك السعودية أسهماً فيها.
السعودية اعتبرت قرار المنسحبين من مؤتمرها الاقتصادي مخيِّباً للآمال
وصف متحدث باسم المؤتمر، يوم الجمعة 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إلغاء البعض مشاركتهم بأنه قرار مخيب للآمال، مستطرداً أنَّ السعوديين ما زالوا يتطلعون إلى عقد المؤتمر.
وشهدت السوق المالية السعودية، الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، هبوطاً حاداً نتيجة زعزعة ثقة المستثمرين بقدرة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان (33 عاماً)، على الوفاء بتعهداته بجذب استثمارات أجنبية إلى السوق السعودية، في ظل ظهور مؤشرات على أنَّ قضية خاشقجي قد تُرهِب الأعمال التجارية وتهدد بإحداث ضرر بالغ في العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
وفي حين تنفي الحكومة السعودية أية صلة لها باختفاء خاشقجي، وتعمل مع الحكومة التركية للتحقيق فيما حدث له، فإن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، توعد السعودية بـ"عقوبات صارمة" إذا ثبتت صحة مزاعم قتل خاشقجي.
وأثَّر مقتل خاشقجي على السوق المالية السعودية بشكل كبير
وتراجَع المؤشر الرئيسي للسوق المالية السعودية (تداول)، التي يقع مقرها في الرياض، بنسبة 3.5% في ختام تعاملات الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد أن انخفض بنحو 7% في أثناء جلسة التداول.
وبالأسبوع الماضي، في ظل تحوُّل تبعات القضية إلى بؤرة اهتمام، أظهرت بيانات السوق المالية السعودية وصول صافي مبيعات المستثمرين الأجانب من الأسهم إلى 160 مليون دولار، وذلك مقابل صافي شراء للمستثمرين الأجانب بالقيمة نفسها خلال تعاملات الأسبوع الماضي.
وقبل اختفاء خاشقجي، أُوقِفَت خطة الأمير محمد بن سلمان، الأعلى طموحاً، المتمثلة في طرح جزء من شركة النفط السعودية "أرامكو" للاكتتاب العام الأولي. وإلى جانب ذلك، لم تنجح مناقشات السعودية مع شركات كبرى، من بينها Alphabet Inc.'s Google وWarner Bros ومجموعة شركات رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون لصناعات الفضاء، في التوصل إلى اتفاقيات.
وعلى نطاق أوسع، يقول مسؤولون في وزارة المالية السعودية إنَّ الحكومة خلقت مناخاً يسمح بفرص متكافئة عادلة للأعمال التجارية كافة، لتحل محل بيئة عمل كانت تعتمد فيها الصفقات على العلاقات السياسية والصلات مع العائلة الملكية.
ومع حصول السوق المالية السعودية على موافقة مؤشرات عدة للانضمام إليها بصفتها سوقاً ناشئة، تتوقع المملكة تدفقات نقدية أجنبية تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات من مستثمرين سلبيين.
وقال متحدثٌ باسم صندوق الثروة السيادية السعودي: "وفقاً لجميع المؤشرات، أحرزنا تقدماً إيجابياً على مرِّ العام الماضي (2017)؛ إذ أُقِرَّت استثمارات جديدة محلياً وخارجياً في عدد من القطاعات، من بينها الترفيه والتكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة المتجددة والسياحة".
وبالتأكيد، يتمهل بعض المسؤولين التنفيذيين من الدول الغربية قبل قطع العلاقات مع السعودية؛ إذ صرَّح مسؤولون أميركيون بأنَّ بعض هؤلاء المسؤولين التنفيذيين ينتظر إشارة من وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، الذي أبقى إلى الآن على تعهده بحضور المؤتمر في الرياض، وواصل علاقته مع السعودية.
وكشفت مصادر مطلعة أنَّ تيجان ثيام، المدير التنفيذي لمجموعة Credit Suisse AG السويسرية للخدمات المصرفية، كان يعتزم حتى الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، حضور مؤتمر الرياض الاستثماري الذي ينطلق في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018. في حين ذكرت مصادر أخرى مطلعة أنَّ مؤسسة Goldman Sachs الأميركية تعتزم إرسال مسؤولين تنفيذيين بارزين؛ هما: دينا باول وشايلا باتيل.
وقال مسؤولٌ تنفيذي مصرفي من إحدى الدول الغربية، إنَّ بعض المصرفيين يخشون خسارة فرص الاستثمار بالسعودية إذا لم يحضروا المؤتمر.
كان الأمير محمد بن سلمان أطلق منذ عامين رؤية 2030 لتطوير المملكة
يُذكَر أنَّ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أعلن خطةً لاستحداث تطور اجتماعي واقتصادي بالمملكة، في أبريل/نيسان 2016، تحت اسم "رؤية 2030". وفي إطار هذه الخطة، سمح الحاكم للنساء بالقيادة للمرة الأولى، وافتتح أول دار عرض أفلام منذ 30 عاماً، وشرع في تشييد مدينة مستقبلية جديدة تُسمى "نيوم"، وتعهد كذلك بأن تتبنى المملكة صورة أكثر اعتدالاً للإسلام.
وإلى جانب ذلك، تعهد الأمير بتبني سياسات صارمة لتعزيز الاستثمار وتحسين القوى العاملة وخلق مناخ قانوني تنظيمي يفسح المجال لتنويع اقتصاد المملكة وتطويره بعد أن كان يعتمد في الأساس على النفط.
لكن تصرفات ولي العهد تسببت في خلق صعوبات أمام جلب استثمارات كبيرة للسعودية
بيد أنَّ السعودية وجدت صعوبة في إبرام صفقات أعمال من النوع الذي كان يطمح إليه محمد بن سلمان.
إذ أثارت بعض تصرفاته قلق مجتمع الأعمال، ومنها أنه فرض حصاراً تجارياً على قطر، واحتجز رجال أعمال سعوديين في فندق ريتز كارلتون، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع كندا بسبب تغريدة!
من جانبه، أعلن ريتشارد برانسون، رائد الأعمال البريطاني، الأسبوع الماضي، انسحابه من إدارة مشروعين بقطاع السياحة السعودي؛ على خلفية اختفاء خاشقجي، وتعليق محادثات مع صندوق الثروة السيادي السعودي حول مقترح من الصندوق لاستثمار مليار دولار في شركتيه Virgin Orbit وVirgin Galactic لصناعات الفضاء.
وإضافة إلى ذلك، لَم تسفر مشاورات الحكومة السعودية مع شركتي Google التابعة لشركة Alphabet، وشركة Amazon لبناء مراكز لبيانات الإنترنت، عن التوصل إلى اتفاق. ولو نُفِّذَت تلك المشروعات، لكانت ستسهم في تعزيز قطاع التكنولوجيا بالسعودية، وهو الهدف الذي يدعمه ولي العهد. ولم تجب Amazon ولا Google عن طلبٍ للتعليق.
في حين تعيد مجموعة Softbank Group اليابانية والمملكة العربية السعودية التفكير في خطة إنشاء محطة للطاقة الشمسية ويفكران في خفض حجمها، وذلك بعد أن أعلنتا في مارس/آذار 2018، أنها ستكون أكبر مشروع طاقة متجددة في العالم بقيمة 200 مليار دولار. ويقول الجانبان إنهما سيستأنفان الخطة في النهاية.
وبعد افتتاح أول دار عرض أفلام للجمهور في الصيف الجاري، لَم تُفتتَح سوى دار عرض واحدة أخرى، وكشفت مصادر مطلعة أنَّه لم تُنجَز أية اتفاقية تتفاوض بشأنها السعودية وشركة AMC Entertainment Holding الأميركية. ففي أبريل/نيسان 2018، اتفقت السعودية وAMC على تأسيس 40 دار عرض في غضون السنوات الخمس المقبلة، لكنَّ واحدة فقط هي التي تقدم خدماتها في مركز الملك عبد الله المالي بالرياض، الذي يُعد شبه خالٍ. وقال مصدرٌ مُقرَّب من المفاوضات حول إقامة دور العرض، إنَّ خطط الإنشاء ما زالت تسير على الطريق الصحيح وفقاً للتصورات الأولية.
وحققت السعودية نجاحاً أكبر بتوظيف أموالها في أنحاء العالم، مع أنَّ سجلَّ إنجازاتها بالخارج متفاوت.
ولَم يحظَ تعهُّد السعودية بمنح شركة Blackstone الأميركية للمحاصصة الخاصة 20 مليار دولار بهدف تأسيس صندوق استثمار في مشروعات البنية التحتية الأميركية -وهو المشروع الذي أشاد به الرئيس الأميركي- ببداية موفقة. وجمعت Blackstone دفعة أولية بقيمة 5 مليارات دولار، من المقرر أن تحصل على نصفها من صندوق الاستثمارات العامة السعودي. ولم يعلن صندوق مشروعات البنية التحتية أولى صفقاته بعد.
ولم تردَّ شركة Blackstone، فوراً، على طلب للتعليق.
وإجمالاً، بلغ حجم استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي والتعهدات 100 مليار دولار، ما بين استثمارات نُفِّذت بالفعل أو تعهدات بالمشاركة في مشروعاتٍ بالخارج بالتعاون مع شركات مثل Tesla وUber. وباعتبار المملكة أكبر مساهم في صندوق "رؤية" الاستثماري التابع لشركة SoftBank -الذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار- تعد السعودية واحدة من كبار المستثمرين بالعالم في قطاع صناعة التكنولوجيا. وأعرب السعوديون عن أملهم في أن تشجع هذه الاستثمارات الشركات على دخول السوق السعودية.
وقال مصدرٌ مُقرَّب من صندوق "رؤية" إنَّ المستشارين الاقتصاديين يراقبون الوضع من كثب، ليس فقط للخروج بأدلة تتعلق بقضية خاشقجي؛ بل لرصد أية ردود فعل من شركات إدارة مَحافظ الاستثمار. وأضاف المصدر أنَّ صندوق "رؤية" لا بد من أن يحدد ما إذا كانت عرقلة صفقات الأعمال ترجع إلى العلاقات الوثيقة بين السعودية والصندوق أم لا.