اعتبرت صحيفة "هآرتس" العبرية، الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من أكثر الحروب دموية منذ بداية القرن، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال قتل الكثير من الفلسطينيين في المناطق التي سبق وأعلن أنها "آمنة".
وقالت الصحيفة في تحقيق نشرته مساء الأربعاء، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، "دأب على اتهام المجتمع الدولي بالنفاق في موقفه من الحرب على قطاع غزة، مدعياً بأنه يتجاهل الصراعات الأخرى وغيرها من الكوارث الإنسانية".
وأضافت: "على سبيل المثال، قال نتنياهو في يناير/كانون الثاني: "أين كانت جنوب إفريقيا (رفعت دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب إبادة جماعية في غزة) عندما قُتل الملايين أو أُجبروا على النزوح من ديارهم في سوريا واليمن".
واستدركت "لكن فحص عدد القتلى في قطاع غزة يكشف أن هذه الحرب من أكثر الحروب دموية منذ بداية القرن، خاصة إذا نظرت إلى معدل الوفاة ونسبة القتلى من عامة الناس".
حيث "قتل نحو 40 ألف شخص في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر"، وفق الصحيفة، و"بالنسب المئوية: 2٪ من أصل عدد السكان البالغ نحو مليوني نسمة".
استهداف مناطق "آمنة"
وبشأن استهداف الجيش الإسرائيلي للنازحين، قالت الصحيفة: "على الرغم من أن معظم سكان قطاع غزة أصبحوا نازحين، إلا أن فرارهم إلى المناطق التي وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها آمنة لم يجد نفعاً دائماً، حيث قُتل الكثيرون في هذه المناطق أيضاً".
وسبق أن استهدف الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة النازحين الفلسطينيين الذين فروا من العمليات العسكرية إلى مناطق زعمت تل أبيب أنها "آمنة"، لكنها لم تسلم من الاستهداف الإسرائيلي الذي أوقع مئات القتلى والجرحى، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
ولفتت "هآرتس" إلى أنه "منذ بداية الحرب قامت العديد من المنظمات الدولية، وكذلك الحكومات ووسائل الإعلام، بدراسة مدى مصداقية أرقام القتلى التي تنشرها وزارة الصحة في غزة، وهناك إجماع واسع على أنها موثوقة".
وفي أحدث إحصائية نشرتها وزارة الصحة بغزة الأربعاء، فقد قتل 39 ألفاً و965 فلسطينياً، وأصيب 92 ألفا و294 جراء حرب إسرائيل على القطاع، كما تجاوز عدد المفقودين 10 آلاف تحت الأنقاض.
الصحيفة أوضحت أن "الحرب في غزة تسببت في وفيات أكثر من بعض الأحداث التي أثارت المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة".
ودللت على ذلك بأنه "خلال الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قُتل نحو 25 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة".
وبمقاربة أخرى، قالت هآرتس: "على سبيل المثال في يوغوسلافيا. ومن أبرز الساحات هناك كانت البوسنة، وفي أسوأ أعوامها (1991) بلغ متوسط عدد الوفيات شهريا 2097، وبلغ إجمالي عدد الوفيات في أربع سنوات هناك 63 ألفاً".
وخلصت إلى أنه "من حيث معدل الوفيات، فإن الحرب في غزة تقع في أحد المراكز الأولى في الصراعات العنيفة منذ بداية القرن، إذ يصل معدل القتلى في غزة إلى حوالي 4000 حالة وفاة شهرياً في المتوسط".
وقارنت الصحيفة حرب تل أبيب على غزة بالحرب في أوكرانيا، حيث "بلغ معدل الوفيات 7736 شهريا".
وفيما يتعلق بالفوارق بين غزة وبقية المناطق، قالت: "الفارق الأكثر وضوحاً بين حروب القرن الحادي والعشرين الأخرى وما يحدث في غزة، هو حجم منطقة القتال البالغ 360 كيلو متر مربع، وعدم قدرة السكان الذين لا يشاركون في القتال على الهروب من القتال، وقبل كل شيء معدل الضحايا من مجموع السكان".
وفي المناطق التي يعرّفها الجيش الإسرائيلي بأنها "إنسانية"، فإن "الأوضاع المعيشية صعبة للغاية، ويعاني النازحون من الاكتظاظ والعدوى وعدم توفر مأوى آمن ونقص الدواء وغير ذلك"، وفق الصحيفة العبرية.
كما أن "الإحصائية التي ربما توضح بشكل أفضل مدى شدة الكارثة الإنسانية في غزة، هي معدل الوفيات نسبة إلى حجم السكان، حيث قتل 2 بالمئة من سكان غزة في أقل من عام، وهو أمر غير معتاد في عصر الحروب بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وخاصة خارج إفريقيا".
ووفقاً لتقديرات صارمة لم تنسبها الصحيفة لمصادرها، "قُتل حوالي 2 بالمئة من السكان في سوريا، كما هو الحال في غزة، ولكن مع فارق مهم، هو أن الحرب مستمرة هناك منذ 13 عاما"، وفق "هآرتس".
ونقلت الصحيفة عن البروفيسور في جامعة لندن البريطانية مايكل سباغات، قوله: "فيما يتعلق بنسبة السكان الذين قتلوا، أفترض أنها (الحرب في غزة) دخلت بالفعل المراكز الـ5 الأولى في الصراعات الـ10 الأكثر عنفاً في القرن الحادي والعشرين".
وأكد سباغات، المتخصص في مراقبة ضحايا الصراعات العنيفة، أنه "إذا أخذنا في الاعتبار المدة التي يستغرقها قتل نسبة كبيرة كهذه من السكان (2 بالمئة من سكان غزة خلال 10 أشهر)، فقد تأتي حرب غزة في المركز الأول".
وأدت الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، حيث كشفت وزارة الصحة في القطاع الأربعاء، أن الجيش الإسرائيلي قتل 115 طفلاً رضيعاً منذ 7 أكتوبر، وذلك بعد ارتقاء الرضيعين إيسل وأيسر اللذين ولدا في 10 أغسطس/ آب الجاري.
كما ارتفع عدد ضحايا الجوع وسوء التغذية جراء حرب إسرائيل على قطاع غزة الأربعاء، إلى 37 فلسطينياً بينهم أطفال، وذلك بعد وفاة الطفلة لينا الشيخ خليل (4 سنوات) في مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، جراء الحرب والحصار.
وسبق أن أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، الأربعاء، مقتل عنصرين من طواقمه برصاص الجيش الإسرائيلي بمدينة رفح جنوبي القطاع، ما يرفع الحصيلة إلى 82 منذ 7 أكتوبر.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.