في ليبيا وتحت إشراف حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، عُقد مؤتمر دولي بحضور ما يزيد على عشرين دولة، وعلى رأسهم إيطاليا، لمناقشة أزمة الهجرة غير الشرعية، وكيفية مواجهتها في ظل تزايد تدفق الأشخاص الراغبين في الهجرة من ليبيا إلى أوروبا في الشهور الماضية.
حتى إن ليبيا شهدت تدفق ما يزيد على 170 ألف شخص شهريًا في شكل مهاجرين غير شرعيين من دول أفريقية كثيرة من أجل الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وهي الإحصائية التي ذكرها وزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي في تصريحات على هامش المؤتمر في العاصمة طرابلس.
إيطاليا وعلى لسان رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، قالت في المؤتمر إن معالجة تدفقات الهجرة تحتاج إلى "نهج شامل"، قادر على معالجة القضية بطريقة شاملة، وأنه يجب وضع حد نهائي لذلك.
في هذا التقرير، نرصد تفاصيل المؤتمر الدولي، وبيانه الختامي وما إذا كانت حكومة عبد الحميد الدبيبة، قد نسقت مع حكومة الشرق حول المؤتمر، وهل تم طرح سيناريو "توطين المهاجرين" داخل ليبيا، بمقابل الحصول على دعم مالي أوروبي على شاكلة الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع مصر لوقف تدفق المهاجرين وكذلك الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تونس لنفس القضية.
مؤتمر دولي والهجرة غير الشرعية في ليبيا
تضمن منتدى الهجرة عبر البحر المتوسط، التأكيد على ضرورة محاربة الهجرة غير الشرعية، والحديث عن تعاون أوروبي أفريقي في مسار منع الهجرة من جنوب المتوسط إلى شماله، وتحدث في المؤتمر العديد من الشخصيات منهم
رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة وآخرين.
ميلوني في المنتدى أكدت على ضرورة تطوير حلول مبتكرة في إدارة الظواهر الهجرية، على غرار بروتوكول الاتفاق الذي وقعته إيطاليا مع ألبانيا وبما يتوافق تمامًا مع القانون الدولي والأوروبي.
وذكرت مصادر إيطالية أن ميلوني أكد بشكل خاص على ضرورة تطوير حلول مبتكرة في إدارة الظواهر الهجرية، على غرار مذكرة التفاهم التي وقعتها إيطاليا مع ألبانيا، وفي ظل الامتثال الكامل للقانون الدولي والأوروبي.
في حين ذكرت المصادر الإيطالية ذاتها أن ميلوني أكد عزم إيطاليا على العمل على معالجة الأسباب الجذرية لحركات الهجرة، بالشراكة مع دول المنشأ والعبور وفي إطار خطة ماتي لأفريقيا وعملية روما بشأن الهجرة والتنمية.
وذكّرت ميلوني بالتزام إيطاليا الدائم، بالتعاون مع دول شمال أفريقيا، بمكافحة الشبكات الإجرامية للمتاجرين بالبشر وفي التنمية الموازية لمسارات الهجرة القانونية والآمنة.
ومن بين المشاركين الآخرين في المنتدى رئيسا وزراء مالطا وتونس، بالإضافة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي مارغاريتيس شيناس.وتعد ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للاجئين والمهاجرين، ومعظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الذين يخاطرون برحلات بحرية محفوفة بالمخاطر بحثًا عن حياة أفضل. وسجلت الأمم المتحدة أكثر من 20 ألف حالة وفاة واختفاء في وسط البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، مما يجعلها واحدة من أخطر المعابر للمهاجرين في العالم.
تحاور "عربي بوست" مع بعض الضيوف الليبيين والتشاديين ذوي الصلة المباشرة بموضوع المنتدى وكذلك المطلعين على مفاوضات ليبيا وأوروبا وأفريقيا حول الهجرة غير الشرعية.
الباحث الليبي إبراهيم بلقاسم، المقرب من حكومة الدبيبة والذي كان حاضراً المنتدى وكذلك مطلعاً على تفاصيل الاجتماعات الخاصة بين ليبيا والحكومة الليبية بالإضافة إلى اطلاعه على البيان الختامي للمنتدى فضلاً عن الورقة التي أعدتها وزارة الداخلية الليبية حول الهجرة غير الشرعية وآليات مواجهتها، كشف الكثير عن تفاصيل المنتدى وما طُرح فيه من أفكار وما تريده ليبيا من إيطاليا وأوروبا بهذا الخصوص.
إبراهيم بلقاسم قال لـ"عربي بوست"، إن وزارة الداخلية الليبية، هي التي قدمت ورقة للحكومة الليبية من أجل مناقشة آليات حقيقية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، وكان من المرتقب أن يكون الاجتماع، على مستوى وزراء الداخلية في شمال أفريقيا وكذلك في غرب أفريقيا، لبحث حل الأزمة.
لكن مجلس الوزراء قرر أن يكون الاجتماع المزمع على مستوى الرئاسة والحكومات، وقامت حكومة الدبيبة بتبني المنتدى، ووجهت الدعوة لأكثر من 28 دولة لحضور المنتدى، منهم دول أوروبية وعلى رأسها إيطاليا، وكانت الرؤية الخاصة بالمنتدى هي كيف يتم حل أزمة المهاجرين من زواياها الأمنية في المقام الأول وكذلك الزاوية السياسية.
وقال إنه اطلع على بيان المنتدى الختامي واطلع على ورقة وزارة الداخلية بخصوص معالجة أزمة الهجرة غير الشرعية، وقال إن المنتدى كان له عدة مسارات، حيث تم الاتفاق على وضع رؤى على المستوى الرئاسي وعلى مستوى الحكومات لحل أزمة الهجرة غير الشرعية وحماية المهاجرين والتعامل معهم في إطار إنساني وعدم الاعتداء عليهم.
وقد طرحت ليبيا، في المنتدى حلاً رئيسياً وهو مقترح يتعلق بتوفير تنمية عاجلة وكبيرة في دول المصدر للمهاجرين وللأشخاص الراغبين في الهجرة، حتى يستطيعوا الحصول على فرص عمل جيدة تدفعهم لعدم المجازفة بالسفر إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
وقال إن المنتدى ركز على بعض النقاط الهامة التي أراد أن يمررها من أجل البحث في آليات تنفيذها، ومنها ضرورة التنسيق بين كل الدول التي حضرت المنتدى لإيجاد إطار مشترك متفق عليه لمواجهة الهجرة غير الشرعية من جنوب المتوسط إلى شمال البحر المتوسط.
وكذلك ضرورة عدم التعامل مع الهجرة غير الشرعية باعتبارها جريمة بل هو أمر إنساني يجب التعامل معه وفق القانون الدولي وإيجاد حلول واقعية له وعاجلة في نفس الوقت، بالإضافة إلى توفير اعتماد مالي للتنمية في الدول الأفريقية لرفع مستوى المعيشة حتى لا يضطر المواطنون إلى الهجرة عبر البحر المتوسط.
سياسة التوطين في ليبيا
الأمر الآخر الذي رفضه المنتدى حسب تصريحات إبراهيم بلقاسم لـ "عربي بوست"، هو سياسة التوطين التي عرضتها إيطاليا، والدول الأوروبية، وقال إن ليبيا أعلنت بصراحة أنها ضد توطين أي لاجئ على أراضيها وأنها لن تسمح بذلك مهما كانت الإغراءات الأوروبية سواء المالية أو السياسية.
قال كذلك إن ليبيا أبرمت اتفاقين في المنتدى مع كل من تشاد، يتضمن تسوية أوضاع المهاجرين القادمين إلى ليبيا من تشاد، سواء في إيجاد فرص عمل لهم في ليبيا وفق قانون العمل الليبي الرسمي، أو من خلال العودة الطوعية لهم إلى تشاد مرة أخرى.
وبخصوص الاتفاق الثاني وهو مع مالطا، وذلك من أجل إدارة ملف الهجرة واستقبال أي سفن أو قوارب تقوم مالطا بإرجاعها إلى ليبيا مرة أخرى ومن ثم تقوم ليبيا بترحيل هؤلاء الأشخاص إلى بلادهم الأصلية بعد ذلك.
جدير بالذكر أن ليبيا وقعت مع مالطا اتفاقاً لتجديد مذكرة التفاهم الثنائية بينهما في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، واتفق الطرفان على "الإسراع بعقد الدورة الـ28 للجنة المشتركة الليبية المالطية برئاسة وزيري خارجية البلدين، لتفعيل مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون في مختلف المجالات، ووضع الإطار القانوني المناسب لها".
وكان الاتفاق الأول قد تم توقيعه في الأول من يونيو/حزيران 2020، ونص على إنشاء مراكز تنسيق في طرابلس وفاليتا لتعزيز الجهود الرامية إلى معالجة الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط.
كما تضمن القرار بنداً يسمح لمالطا باقتراح زيادة الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي لتعزيز أمن الحدود الليبية، بما في ذلك اعتراض ومراقبة أنشطة الاتجار بالبشر في منطقة البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط.
إبراهيم بلقاسم قال في تصريحاته لـ"عربي بوست"، كذلك إن المنتدى ناقش زوايا هامة لمعالجة أزمة الهجرة، منها المسار الأمني وذلك من خلال القوانين والأطر الأمنية والتنسيق الأمني بين الدول محل الأزمة وليبيا، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل خفر الحدود للتعامل مع الأزمة.
بالإضافة إلى برامج التدريب التي يقدمها الأوروبيون لخفر السواحل لمواجهة عمليات التهريب المستمرة في البحر المتوسط. وكذلك المسار السياسي الذي يتعلق بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد مسار واضح لمعالجة الأزمة، منوهًا إلى أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا سوف يدفع إلى اتخاذ إجراءات لإغلاق الحدود في وجه المهاجرين، وهو ما سيتسبب في أزمة كبيرة في ليبيا إذا لم يتم حل مشكلة المهاجرين وسوف تجد ليبيا نفسها أمام تسونامي لاجئين دون أفق واضح للحل.
مطالب ليبيا من إيطاليا وأوروبا
بخصوص ما تريده بالضبط ليبيا من إيطاليا والجانب الأوروبي حول الأزمة، وما تم مناقشته في المنتدى، قال إبراهيم بلقاسم في تصريحاته لـ"عربي بوست"، إن ليبيا وبوضوح تريد من الجانب الأوروبي أمرين. الأمر الأول يتعلق ببرامج التدريب والتأهيل للضباط ولجنود حرس الحدود لتدريبهم وتأهيلهم على التعامل مع أزمات الهجرة غير الشرعية، وكذلك تزويد الجنود بالإمكانيات والمعدات المتقدمة التي تساعد على ضبط القوارب في البحر والوصول إليها في وقت قياسي ومنعها من الهروب.
أما الأمر الثاني فيتعلق بضخ أمول أوروبية في الدول الإفريقية الفقيرة والدخول في شراكات اقتصادية مع الدول الفقيرة من أجل توفير فرص عمل للمواطنين هناك لكي لا يضطروا للهروب إلى أوروبا.
وقال إن ليبيا طرحت تجربة مصرف اتحاد الساحل والصحراء الذي تشارك فيه بنسبة كبيرة من رأس المال. وقال إن هذا المصرف يتشارك فيه عشرات الدول الإفريقية، ويقوم على تمويل استثمارات في الدول الفقيرة، وأشار إلى أن ليبيا قالت إن هذا المصرف من الممكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تمويل مشروعات كثيرة في الدول الإفريقية، ومن ثم توفير ملايين الفرص من العمل للمواطنين الأفارقة الفقراء.
كما كشف إبراهيم بلقاسم أن المنتدى واجه مشكلة كبيرة وهي عدم مناقشة الجانب الاقتصادي للأزمة، وكان يجب أن يتم مناقشته بشكل واضح، مشيرًا إلى أن ربما يتم تنظيم منتدى اقتصادي في الفترة المقبلة لمناقشة الجانب الاقتصادي للهجرة غير الشرعية على الدول الإفريقية وحجم الإنفاق المالي الذي يريده الجانب الإفريقي من أوروبا لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية.
بخصوص التنسيق بين حكومة الشرق والغرب في ملف الهجرة غير الشرعية، ومن سوف يقوم بإبرام اتفاق مع إيطاليا أو الاتحاد الأوروبي حال الوصول إلى تفاهم حول ملف الهجرة غير الشرعية، قال إبراهيم بلقاسم إن هناك تفاهمًا واتفاقًا واضحين بين شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر وبين غرب ليبيا من خلال حكومة عبدالحميد الدبيبة، في الملفات الخارجية لليبيا، وأن هناك اتفاقًا واضحًا حول كل ما يقوم به الدبيبة في الملفات الخارجية وخاصة في ملف الهجرة غير الشرعية.
اتفاق ليبي مع تشاد بخصوص الهجرة غير الشرعية
كان ملفتًا، على هامش المنتدى، أن قامت الحكومة الليبية بتوقيع اتفاق مع تشاد بخصوص الهجرة غير الشرعية
حيث وقع وزير الداخلية عماد الطرابلسي مع نظيره التشادي اتفاقية بشأن ترحيل التشاديين المتواجدين بطريقة غير شرعية في ليبيا وتسوية أوضاعهم. وتهدف الاتفاقية التي تم توقيعها على هامش منتدى الهجرة عبر المتوسط، إلى تحديد شروط وإجراءات تسوية أوضاع المواطنين التشاديين المتواجدين على الأراضي الليبية، من خلال تحديد الهوية بالتعاون بين البلدين.
وبحسب بنود الاتفاق، فإن المواطنين التشاديين الذين يرغبون في العودة طوعًا إلى تشاد سيستفيدون من المساعدات اللوجستية والمالية من الحكومتين الليبية والتشادية، وسيتم تطوير برامج إعادة الإدماج لتسهيل عودتهم وإعادة إدماجهم في تشاد.
محمد طاهر زين، رئيس تحرير موقع "رفيق انفو"، وهو موقع تشادي، قال في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إنه في الواقع، تشعر الدول الغربية بالقلق إزاء تدفق المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا وتريد حلاً من بلدان المصدر (الإفريقية).
وتعد ليبيا من أكثر الدول المتضررة من هذه الأزمة باعتبارها نقطة عبور رئيسية لدول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وليس لديها عصا موسى للتعامل مع الأزمة، وأصبحت بين الضغوط الأوروبية ولامبالاة الحكومات الإفريقية تجاه رعاياها
وجاء المؤتمر من هذا المنطلق، لمناقشة العلة الحقيقية، فالإشكالية في الأصل تكمن في القوى الغربية الرافضة للهجرة، لأن هناك تعنتًا في الوفاء بالتزاماتها المالية
في حين أن الحكومات الإفريقية غير قادرة على التعامل مع هجرة الأفارقة إلى أوروبا بحثًا عن الأمان والاستقرار، لأن بلدانهم تعاني من البطالة والفقر المدقع بسبب القوى الغربية التي تدعم عدم الاستقرار لنهب ثروات القارة الإفريقية
ولذلك، لا يمكن التعويل على أوروبا، وإذا عملت الحكومات بجدية واتحدت هذه البلدان، فإن الحل سيأتي من الداخل، وليس من أوروبا.
بنود الاتفاق الليبي مع تشاد
أما بالنسبة للاتفاقيات الموقعة بين تشاد وليبيا، فيأخذ الأمر أكثر من بُعد، ولا يرتبط بالضرورة بمسألة تهريب البشر. ومن حيث المبدأ، فإن الاتفاق يتضمن فكرة تشكيل قوة مشتركة لتأمين الحدود وهي مبادرة جيدة، ومن المرجح أن تساهم في تداعيات الهجرة وتعقب شبكات الاتجار بالبشر. ويعتبر حلاً داخلياً، لكنه قد يواجه صعوبات مالية بسبب وجود دول وأمراء حرب مستفيدين من هذه الانحرافات. لذلك، من السابق لأوانه الجزم بأن هذا الحل يضمن أمن واستقرار المنطقة
ومن ناحية أخرى، فإن الهدف من ترحيل التشاديين غير النظاميين ليس بالضرورة أن يكون لغرض مكافحة الهجرة، بقدر ما هي خطة تستهدف فصائل المعارضة، ومن الممكن أن تؤثر على خط إمداد المعارضة. وبالتالي، القضاء على المعارضة.
أما الدكتور إسماعيل طاهر، أستاذ الجغرافيا السياسية بالمعهد العالي لإعداد المعلمين بجامعة هيك تشاد بإنجامينا، فقد قال إن تشاد من الدول الأقل في الهجرة إلى أوروبا مقارنة بدول أخرى، لكن المشكلة الآن هي أن تشاد تشتبك مع ملف الهجرة بسبب حدود تشاد مع دول مثل النيجر، وكذلك تعتبر تشاد إحدى دول المعبر بين أفريقيا وليبيا، ومن ثم إلى أوروبا.
وكذلك هناك تخوف لدى تشاد من تحرك أشخاص محسوبين على تنظيمات إرهابية، من تشاد إلى ليبيا ثم إلى أوروبا، وهو أمر خطير يقلق تشاد، ومن ثم تتعامل تشاد مع ملف الهجرة باعتباره أمناً قومياً.
كما أن حماية الحدود في تشاد تتطلب التعامل مع ليبيا ودول أخرى لضبط الحدود وعدم السماح بهروب الأشخاص عبرها للسفر إلى أوروبا. وهناك قدر كبير من الفوضى التي تحدث بسبب ظاهرة المهاجرين، حيث توجد حالة من السمسرة وشبكة من الاتجار بالراغبين في السفر إلى أوروبا، وبالتالي ترى تشاد في الاتفاق مع ليبيا أمراً جوهرياً لحل أزمة الهجرة غير الشرعية.
من ضمن الأمور التي شدد عليها رئيس تشاد في خطابه إلى ليبيا هي ضرورة أن يكون هناك تنمية اقتصادية في تشاد ودور غرب أفريقيا، وأن السبب في الهجرة إلى أوروبا هو البطالة بين شباب تشاد.
كان "عربي بوست" قد علم من مصادر ليبية أنه تم توجيه الدعوة إلى وزير الداخلية المصري محمود وجدي لحضور المنتدى، لكن الجانب المصري اعتذر معللًا بأن حكومة مصطفى مدبولي لم تحصل بعد على الثقة، ولم يحضر من جانب مصر سوى القائم بأعمال السفير المصري في ليبيا مصطفى تامر.
كذلك قالت مصادر لـ"عربي بوست" إن الجانب الليبي قد استثنى المصريين من الترحيل من ليبيا، في إطار تفاهم مصري ليبي حول هذا الملف، وأن الجانب الليبي قد سمح للمصريين بتسجيل أنفسهم في مكاتب العمل في ليبيا لتقنين أوضاعهم بشكل كامل وحتى لا يتعرضوا لأي إساءة أو ترحيل من جانب السلطات الليبية في الفترة القليلة المقبلة.
في المقابل، وحسبما ذكرت مصادر ليبية لـ"عربي بوست"، فإن الحكومة الليبية تسعى إلى إبرام اتفاق جديد مع إيطاليا، بعيدًا عن الاتفاق الذي تم إبرامه في عام 2008، وتم إحياؤه في عام 2017، المتعلق بالهجرة غير الشرعية، إذ ترى المصادر أن ليبيا في حاجة ماسة إلى الاستفادة من الخبرات الأمنية الإيطالية في حماية الحدود البحرية الليبية ومنع مغادرة قوارب هجرة غير شرعية في ظل حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ سنوات.
أما فيما يخص الاتفاقيات السابقة بين ليبيا وإيطاليا في ملف الهجرة غير الشرعية، فقد وجدنا أنه كان هناك اتفاقية أبرمتها كلتا من إيطاليا وليبيا في يونيو/حزيران عام 2011 في مدينة نابولي الإيطالية لإدارة تدفق المهاجرين.
وتضمن الاتفاق التزام الجانبين "بتقاسم إدارة ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر تطبيق الاتفاق الإيطالي الليبي للتعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والهجرة السرية".
وقضى الاتفاق بتبادل المعلومات بين البلدين بشأن تدفق المهاجرين بطريقة غير مشروعة ومنظمات تهريب المهاجرين وطرق عملها وتزوير وثائق الهوية.
ووعد الطرفان بالتعاون "لإعادة المهاجرين المقيمين بطريقة غير مشروعة". وقال فراتيني إن هذا الاتفاق يشكل "اعترافًا بجدية المجلس الوطني الانتقالي الذي يؤكد الالتزام الليبي بينما يستخدم النظام الليبي يأس اللاجئين والمهاجرين سلاحا رهيبا للانتقام من الغرب". وتضمن الاتفاق أن تقدم إيطاليا مساعدة لليبيا تشمل "معدات ومنشآت"، كما فعلت في تونس بإرسال "وسائل وقائية للدوريات".
اتفاق جديد بين ليبيا وإيطاليا
اتفاق آخر تم في فبراير/ شباط 2017 حيث وقعه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني السيد "فائز السراج" مع رئيس الوزراء الإيطالي في ذلك الوقت "باولو جينتيلوني"، مذكرة تفاهم لدعم مراقبة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الاتجار بالبشر، والتهريب، والسيطرة على الحدود الجنوبية.
وتعتبر مذكرة التفاهم تفعيلاً لاتفاقيات سابقة، "معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون بنغازي" 2008، وإعلان طرابلس 2012. وبموجب المذكرة الجديدة، ستدعم إيطاليا جهود حكومة الوفاق الوطني للسيطرة والرقابة على الحدود الجنوبية لليبيا، وستكون روما على استعداد لتقديم نظام لمراقبة الحدود للحكومة الليبية، والذي تم الاتفاق عليه في عام 2012.
وتنص المذكرة على التعاون لضبط الحدود الليبية البرية والبحرية، بما يكفل الحد من تدفق الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الاتجار بالبشر، إضافة إلى تهريب الوقود.
تضمن الاتفاق تقديم الجانب الإيطالي الدعم والتمويل لبرامج تنموية في المناطق الليبية المتضررة من الهجرة. كما نصت المذكرة على تقديم الدعم التقني والفني للأجهزة الليبية المكلفة بمكافحة الهجرة غير الشرعية وتأمين الحدود.
كذلك في شهر يناير/ كانون الثاني 2017 أعلن وزير الداخلية الإيطالي في ذلك الوقت ماركو مينيتي، أن بلاده ستفعل الاتفاقية الموقعة مع ليبيا قبل ثمانية أعوام، حول مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وتنص المعاهدة (تم توقيعها في 30 أغسطس/ آب 2008) على التزام إيطاليا بتقديم دعم مالي يناهز 5 مليارات دولار خلال خمسة وعشرين عاماً، على شكل استثمارات في البنية التحتية، وذلك مقابل قيام الليبيين بالعمل على وقف الهجرة.
وبخصوص بنود اتفاق عام 2008، فهو الاتفاق الذي وقعه معمر القذافي ورئيس الوزراء الإيطالي في هذه الفترة سيلفيو برلسكوني، تقدم إيطاليا بموجبه تعويضات قيمتها خمسة مليارات دولار عن الأضرار التي ألحقها الاستعمار الإيطالي الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود بالدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
ويشمل الاتفاق أيضاً مشروعًا لإزالة ألغام ترجع إلى عهد الاستعمار الإيطالي لليبيا. وتتوقع إيطاليا في المقابل أن تفوز بعقود في مجال الطاقة وأن تشدد حكومة طرابلس من الإجراءات الأمنية لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين بما في ذلك تنظيم دوريات بحرية مشتركة.
برلمان شرق ليبيا لا يعلم شيئًا!
حاولنا معرفة ما إذا كان برلمان طبرق قد اطلع على تفاصيل التحركات الليبية بخصوص الاتفاق مع إيطاليا، حول الهجرة غير الشرعية، فتحدثنا إلى اللواء سالم قنيدي، رئيس الأركان الليبي السابق ووكيل وزارة الدفاع وعضو مجلس النواب الليبي في طبرق عن لجنة الأمن القومي والذي قال إن الاتحاد الأوروبي عليه أن يقوم بتوفير فرص عمل للمهاجرين في الأراضي الأوروبية، وليس في ليبيا، وأن الطرف الليبي يرفض بشكل كامل توطين أي مهاجر في الأراضي الليبية.
أما بخصوص لقاء ميلوني بحفتر في الشرق وكذلك الدبيبة في الغرب، في مايو/ أيار 2024، لمناقشة ملف الهجرة، قال إنه لم يتم مناقشة أي أمر يتعلق بملف الهجرة في البرلمان، ولم يتم تناول ملف لقاء حفتر برئيسة وزراء إيطاليا في البرلمان.
مشيرًا إلى أن ملف الهجرة لا علاقة له بالبرلمان على حد قوله، ولكن بسؤاله حول علاقة ملف الهجرة بالبرلمان خاصة لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي، قال إنَّ ملف الهجرة تتضمن مساعي سلبية من دول كثيرة لتوريط ليبيا في هذه الأزمة، خاصة الدول المحيطة بليبيا.
وتطرق البرلماني الليبي إلى أزمة توطين المهاجرين في ليبيا، وقال إن الأوروبيين يريدون توطين المهاجرين في ليبيا، وقد عرضت أوروبا على ليبيا عدة مرات، أمر توطين المهاجرين داخل ليبيا لكن الجانب الليبي رفض توطين المهاجرين.
وبسؤاله حول رفض ليبيا سيناريو التوطين، قال البرلماني الليبي إن التوطين للمهاجرين الأجانب في ليبيا سوف يتسبب في مشاكل ضخمة لليبيا وسوف يغير التركيبة الديموغرافية الليبية وبالتالي فحل أزمة المهاجرين يتلخص في توفير فرص عمل وتنمية في دول المصدر للمهاجرين، لتستوعب اللاجئين، ولكن استقبال ليبيا للمهاجرين أمر مرفوض بالمطلق من جانب ليبيا.
وقال إن سيناريو الهجرة غير الشرعية أمر معقد جدًا، وفي حاجة إلى أموال ضخمة من أجل إيجاد حلول عاجلة له، خاصة في ليبيا، وبخصوص اتفاق مصر وتونس مع الاتحاد الأوروبي لإنهاء أزمة الهجرة غير الشرعية، قال إن الوضع في ليبيا مختلف لأن ليبيا مازالت تعاني من عدم استقرار سياسي وفي حال إبرام اتفاق مع أوروبا لن ينجح بسبب المشاكل الليبية الداخلية.
قال كذلك إن تهريب المهاجرين أصبح تجارة دولية، وأن مصر وتونس ليستا الدولتين الوحيدتين اللتين توردان مهاجرين إلى ليبيا، بل إن الأمر بات أشبه بتجارة المخدرات حول العالم وبالتالي هو يحتاج إلى إمكانيات دولية ضخمة.
معدلات الهجرة في ليبيا
كانت وكالة الأنباء الإيطالية "نوفا"، قد قالت في وقت سابق إن ليبيا احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين المتجهين إلى إيطاليا منذ بداية عام 2024 حتى 5 يوليو/تموز بحوالي 14,755 مهاجرًا، ما يمثل انخفاضًا بنحو 60% مقارنة بعام 2023.
وبخصوص مسار المهاجرين من أفريقيا إلى داخل ليبيا ومن ثم الوصول إلى أوروبا، فقد تحدث "عربي بوست" مع أحد الأشخاص الذين يعملون في التهريب داخل ليبيا في منطقة الزاوية، وقال إن الشخص يصل من أفريقيا إلى حدود ليبيا ثم يعبرها سيرًا على الأقدام أو في بعض الأحيان باستخدام السيارة، وبعد ذلك يدخل الأراضي الليبية ليتجه بعد ذلك إلى مدينة صبراتة الساحلية الليبية التي تقع على بعد ساعة بالسيارة من العاصمة طرابلس، لتبدأ رحلة التجهيز للسفر إلى أوروبا من جديد.
وقال إن التجهيز للسفر إلى أوروبا عبر البحر ربما يأخذ سنة أو أقل أو أكثر، حتى تتُح الفرصة للهجرة عبر البحر، وتتكلف الرحلة ما بين 5 آلاف دولار إلى 7 آلاف دولار يتم دفعها للمهربين لكي يقوموا بتهريب الشخص عبر البحر في سفينة متهالكة.
يواجه الراغبون في السفر عبر البحر المتوسط بعد دخولهم مدينة صبراتة معوقات كثيرة، منها يقظة الأمن الليبي الذي يُحبط الكثير من المحاولات، ويقوم باعتقال الأشخاص الذين ينوون السفر إلى أوروبا وبعدها يتعرض بعضهم للترحيل إلى بلاده مرة أخرى.
كما قال إن بعض الأشخاص الذين تم اعتقالهم على يد الأمن الليبي ونتيجة لتعرضهم للاعتداءات داخل مقار الاحتجاز، يلجأون إلى دفع "رشاوى" للأمن الليبي، لا تقل عن 700 دولار لكي يخرجوا من مراكز الاحتجاز الليبية ليبدأوا من جديد محاولتهم للهرب عبر البحر إلى أوروبا.
التنسيق بين حفتر والدبيبة
لكن بقى الحديث حول ما إذا كانت حكومة الدبيبة تقوم بالتنسيق مع خليفة حفتر فيما يتعلق بملف الهجرة وما إذا كان هناك تعاون حول ذلك، وفي حال موافقة إيطاليا على إبرام اتفاق مع ليبيا حول ملف الهجرة غير الشرعية فمن سيكون عليه التوقيع على الاتفاق وما إذا كان الطرف الآخر سوف يلتزم بالاتفاق، قال اللواء سالم قنيدي، رئيس الأركان الليبي السابق ووكيل وزارة الدفاع وعضو مجلس النواب الليبي في طبرق عن لجنة الأمن القومي إن ملف الهجرة معروف في ليبيا، حيث إنه لا يوجد أحد في ليبيا يتبنى وجهة نظر مخالفة عن الطرف الآخر حول الملف، أي إن حكومة الشرق وحكومة الغرب يتفقان حول ملف الهجرة بشكل كامل.
في حين قال إبراهيم بلقاسم الباحث الليبي والمقرب من حكومة الدبيبة، إنه يوجد تفاهم واتفاق واضحين بين شرق ليبيا بزعامة خليفة حفتر وبين غرب ليبيا من خلال حكومة عبدالحميد الدبيبة، في الملفات الخارجية لليبيا، وأنه هناك اتفاق واضح حول كل ما يقوم به الدبيبة في الملفات الخارجية وخاصة في ملف الهجرة غير الشرعية.