أفاد فلسطينيون من غزة أُفرج عنهم من سجون الاحتلال بعد اعتقالهم أثناء عمليات التوغل في القطاع، بشهادات مروعة لما تعرضوا له خلال فترة اعتقالهم من تعذيب وتنكيل وتجويع.
وروى الأسرى المفرج عنهم أثناء تواجدهم داخل "مستشفى شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، الأربعاء 17 يوليو/ تموز 2024، تفاصيل حول ظروف اعتقالهم القاسية، وأساليب التعذيب التي يتبعها الجيش الإسرائيلي بحقهم.
وصباح الأربعاء، أفرجت إسرائيل عن 16 فلسطينيًا بينهم فتى ومسنة، كانت قد اعتقلتهم من قطاع غزة أثناء التوغلات البرية ضمن حربها المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، باستثناء المسنة التي اعتُقلت على طريق القدس المحتلة.
اعتقال صعب
يقول الفلسطيني الكفيف، نادر خالد عسلية (27 عامًا)، من شمال قطاع غزة: "اعتُقلت من مركز الإيواء في شمال قطاع غزة برفقة 10 أشخاص، بينهم كبار في السن".
ويضيف عسلية: "وضعوا عصبة على أعيننا أثناء الاعتقال، حيث كنتُ أرتدي نظارة خاصة لحالتي، صادروها وكَسَروها على مسمعي".
ويتابع: "الاعتقال كان صعبًا للغاية، وكنا نواجه يوميًا معاناة شديدة من الجوع والعطش والتعذيب، وفي الفترة الأخيرة بدأوا يقطعون عنا المياه".
ويشير إلى أن "درجة الحرارة داخل السجن كانت شديدة للغاية، وكان العرق يتصبب بشكل كثيف، وكانت العصبة على عيني تسبب ألمًا شديدًا وحَرَقانًا في العينين، وكنت أطلب منهم غسل وجهي بالماء، لكنهم كانوا يرفضون".
وبالنسبة لأساليب التعذيب، يوضح: "كانت متنوعة، منها ضرب مبرح أثناء النقل، حيث كانوا يضربوننا بظهر السلاح على الظهر والعمود الفقري، وكانوا يستخدمون الشَّبْح لبعض الأشخاص، وتوفي بعض الأشخاص بسبب شدة الضرب، وكانوا يطلقون الكلاب علينا ويستخدمون العصي الكهربائية".
فيما يقول المفرج عنه محمد حبيب (35 عامًا): "تعرضنا للضرب المبرح والتفتيش العاري وسوء المعاملة".
ويضيف: "عشنا أوضاعًا مأساوية لا يمكن للبشر أن يتحملها، ولا يوجد أي مراعاة لحقوق الإنسان".
ويلفت إلى أن "الأسرى في سجون الاحتلال يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والإهانة وسوء المعاملة في ظل صمت دولي وحقوقي حول تلك الجرائم".
أما المسنة، نجاح صافي (64 عامًا)، من شمال قطاع غزة، فتقول: "اعتُقلت من أحد المركبات على طريق القدس المحتلة، بدعوى انتهاء الفترة المسموح بها لتواجدي في الضفة الغربية".
وتردف: "كنت أرافق أختي المريضة أثناء فترة علاجها في الضفة الغربية، وبعد وفاتها لم أتمكن من العودة إلى قطاع غزة بسبب الحرب الإسرائيلية، فاضطررت للبقاء هناك".
التفتيش العاري
وتتابع: "اقتادني الجيش بعد تكبيلي بالأصفاد إلى مركز للتحقيق، ومن ثم بقيت هناك طوال الليل، ونُقلت في الصباح الباكر إلى سجن الرملة، حيث قامت المجندات بتعرية المعتقلات وتفتيشهن عاريات بحضور الجنود الإسرائيليين".
وخلال اعتقالها، حاول الجنود الإسرائيليون إجبار المسنة صافي على خلع حجابها لتصويرها، لكنها رفضت وتحدت الجنود والمجندات، بحسب قولها.
وتضيف مستنكرةً: "أكالوا عليّ الشتائم والكلمات القذرة بسبب رفضي خلع حجابي".
وتشير إلى أن "إدارة السجون الإسرائيلية رفضت السماح لها بالتواصل مع عائلتها وإخبارها بمكان احتجازها لمدة طويلة جاوزت 27 يومًا".
ولاحقًا، تمكنت من التواصل مع عائلتها التي لم تكن تعلم مكان احتجازها، وكانت العائلة تتواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسات دولية للحصول على معلومات حولها.
وتذكر صافي أن إدارة السجون الإسرائيلية كانت تقوم بوضع الأسيرات في زنازين انفرادية، وتقوم بإطلاق الشتائم والألفاظ النابية.
وعن لحظة الإفراج، تقول: "اقتادني جنود الجيش فجر اليوم مقيدة داخل مركبة تابعة لإدارة السجون إلى موقع كيسوفيم العسكري شرق دير البلح، وأخلوا سبيلي هناك مع آخرين".
وأضافت: "بمجرد إطلاق سراحنا في المنطقة الحدودية، أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي نيران أسلحتهم فوق رؤوسنا، وأمسك الشباب بيدي وأخذوا يهرولون رغم التعب الشديد حتى نخرج من دائرة الاستهداف".
وسجدت المسنة صافي، ابتهاجًا بالحرية من سجون إسرائيل، بمجرد وصولها إلى "مستشفى شهداء الأقصى"، رفقة 12 أسيرًا آخرين، لتلقي العلاج وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يفرج فيها الجيش الإسرائيلي عن فلسطينيين اعتقلهم من غزة منذ بدء اجتياحه البري للقطاع.
وخلال الشهور الماضية، أطلق الجيش سراح عشرات المعتقلين على دفعات متباعدة، معظمهم عانوا تردي أوضاعهم الصحية.
ووفقًا لشهادات المفرج عنهم سابقًا، تعرض المعتقلون لـ"ضرب وتعذيب وإهانات واستجواب من الجيش الإسرائيلي طوال فترة الاعتقال".
ومنذ أن بدأت العملية البرية في القطاع اعتقل الجيش الإسرائيلي آلاف الفلسطينيين بينهم نساء وأطفال وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني، بينما جرى الإفراج لاحقًا عن عدد ضئيل منهم، فيما لا يزال مصير الآخرين مجهولًا.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل بدعم أمريكي حرباً على غزة أسفرت عن نحو 128 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بالقطاع.