نقلت وكالة رويترز عن ثمانية مصادر مطلعة أن كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قدم طلبًا مفاجئًا بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة من إسرائيل وحركة حماس تتعلق بحرب غزة في 20 مايو/ أيار 2024 في نفس اليوم الذي ألغى فيه مهمة حساسة لجمع أدلة من المنطقة، في إشارة إلى محاولته التهرب من الضغوط الأمريكية والبريطانية.
إذ قالت أربعة من المصادر إن التخطيط للزيارة كان جاريًا على مدى أشهر مع مسؤولين أمريكيين.
وقلب قرار خان طلب إصدار مذكرات الاعتقال الخطط التي دعمتها واشنطن ولندن لزيارة المدعي العام وفريقه لغزة وإسرائيل رأسًا على عقب.
وذكرت خمسة مصادر على دراية مباشرة بما جرى من تواصل وقتها لرويترز أن المحكمة كانت تعتزم جمع أدلة من موقع الأحداث على جرائم حرب على أن تتيح لقادة إسرائيل الفرصة الأولى لعرض موقفهم وأي إجراء اتخذوه للرد على اتهامات جرائم الحرب.
المصادر أوضحت أن قرار خان طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي أول محاولة من المحكمة لاعتقال زعيم دولة مدعوم من الغرب وهو في منصبه، أطاحت أيضًا بجهود قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا لمنع المحكمة من الملاحقة القضائية لقادة إسرائيليين.
وقالت الدولتان إن المحكمة ليس لها ولاية قضائية على إسرائيل وإن السعي لإصدار مذكرات اعتقال لن يساعد في حل الصراع.
وقال مكتب خان لرويترز إن قرار طلب إصدار مذكرات اعتقال، وهو متسق مع النهج المتبع في كل القضايا، جاء بناء على تقييم من المدعي العام بوجود أدلة كافية تسمح بذلك ووجهة نظر مفادها أن السعي لإصدار مذكرات اعتقال فورًا يمكن أن يمنع جرائم ترتكب بالفعل.
ورويترز هي أول من ينشر تقريرًا مفصلًا عن البعثة وتداعيات إلغائها.
وعمل خان على مدى ثلاث سنوات لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وهي ليست عضوًا في المحكمة. وقالت أربعة مصادر إن خان طلب من واشنطن المساعدة في الضغط على حليفتها إسرائيل، وهي أيضًا ليست عضوًا في المحكمة، للسماح لفريقه بالدخول.
وأضافت المصادر أن الخطوة التي اتخذها أضرت بالتعاون العملياتي مع الولايات المتحدة وأغضبت بريطانيا وهي من الأعضاء المؤسسين للمحكمة.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن واصلت العمل مع المحكمة في تحقيقاتها في أوكرانيا والسودان لكن ثلاثة مصادر على دراية مباشرة بتعاملات الإدارة الأمريكية مع المحكمة أبلغت رويترز أن التعاون تأثر سلبًا بقرار خان المفاجئ.
وقالوا إن مشكلات بدأت في الظهور في تجهيزات بشأن لوائح اتهام جديدة لمشتبه بهم في دارفور بالسودان والقبض على هاربين.
وذكر اثنان من المصادر أن عملية لاعتقال مشتبه به، أحجما عن الإفصاح عن تفاصيلها، لم تُنفذ كما هو مخطط لها بسبب خسارة دعم أساسي من الولايات المتحدة فيها. وعبرت كل المصادر عن قلقها من أن قرار خان يعرض التعاون في تحقيقات أخرى جارية للخطر.
لكن خطوة خان المفاجئة حظيت بدعم من دول أخرى مما سلط الضوء على خلافات سياسية بين قوى دولية والمحكمة. وأصدرت فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وسويسرا بيانات تؤيد قرار خان بينما أقرت كندا وألمانيا ببساطة باحترامهما لاستقلال المحكمة.
والمحكمة الجنائية الدولية هي المسؤولة عن الملاحقة القضائية للأفراد لضلوعهم في جرائم حرب، لكن ليس لدى المحكمة قوة شرطة لاعتقال مشتبه بهم وتعتمد في ذلك على 124 دولة صدقت على معاهدة روما التي تأسست بموجبها في عام 1998.
وتتعاون دول غير أعضاء مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل أحيانًا مع المحكمة على أساس ظروف أو أغراض بعينها.
إخطار قبل ساعات قليلة
إلى ذلك، قال اثنان من المصادر إن خان قرر شخصيًا إلغاء الزيارة إلى قطاع غزة والقدس ومدينة رام الله بالضفة الغربية والتي كان من المقرر أن تبدأ في 27 مايو/أيار.
وكان من المزمع أن يجتمع مسؤولون من المحكمة مع مسؤولين إسرائيليين في 20 مايو/ أيار في القدس لوضع التفاصيل النهائية للمهمة.
لكن خان طلب بدلا من ذلك إصدار أوامر في ذاك اليوم باعتقال نتنياهو ووزير جيش الاحتلال يوآف جالانت وثلاثة من قادة حماس هم يحيى السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية.
وأكد مسؤول في الأمم المتحدة، طلب عدم الكشف عن هويته، أن مناقشات أولية جرت بشأن زيارة خان لغزة تناولت مسائل الأمن والانتقالات.
وقالت سبعة مصادر تتفاوت درجات إطلاعهم على القرار إن تذاكر الطيران والاجتماعات بين كبار المسؤولين في المحكمة والمسؤولين الإسرائيليين ألغيت بعد ساعات قليلة من الإخطار، مما صدم بعض موظفي خان.
وذكر المسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية أن إلغاء زيارة مايو/أيار ينتهك الممارسة الشائعة للادعاء المتمثلة في السعي للتواصل مع الدول قيد التحقيق.
وقالت ثلاثة مصادر أمريكية، دون تقديم تفاصيل، إنه لم يُطرح تفسير واضح لدافع خان لتغيير المسار، وأن هذا التحول أضر بمصداقية المحكمة في واشنطن.
ولم يرد مكتب خان على هذه النقاط بشكل مباشر لكنه قال إنه أمضى السنوات الثلاث الماضية في محاولة تحسين الحوار مع إسرائيل ولم يتلق أي معلومات تظهر "إجراء حقيقيًا" من جانب إسرائيل للتصدي للجرائم المزعومة.
وقال مكتب خان في رسالة بالبريد الإلكتروني إن خان "يواصل الترحيب بفرصة زيارة غزة… ويظل مفتوحًا على التعامل مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة".
وقال باسم نعيم القيادي في حماس لرويترز إن حماس لم يكن لديها علم مسبق باعتزام خان إرسال فريق من المحققين إلى غزة.
واشنطن مصدومة
في السياق، قالت أربعة مصادر قريبة من الإدارتين الأمريكية والبريطانية لرويترز إن واشنطن ولندن تتحدثان مع إسرائيل لمساعدة خان على ترتيب الزيارة رغم تصريحاتهما بأن المحكمة ليس لديها اختصاص في هذا الوضع.
وأضافت المصادر أنها كانت تعلم باحتمال أن يسعى خان لاستصدار مذكرات اعتقال لنتنياهو ومسؤولين إسرائيليين كبار آخرين وأن المدعي العام أو أعضاء فريقه أبلغوا حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين منذ مارس آذار على الأقل باحتمال توجيه اتهامات ضد قادة إسرائيل وحماس.
وقال مصدر دبلوماسي في دولة غربية دون الخوض في تفاصيل إن جهودًا دبلوماسية كانت تبذل في محاولة لإقناع المحكمة بعدم اتخاذ هذا المسار.
وأوضح مصدر أمريكي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية القضية "عملنا جاهدين على بناء علاقة خالية من المفاجآت".
ووصف بلينكن في 21 مايو/ أيار قرار خان بأنه "خاطئ تمامًا"، وقال إنه لا يتماشى مع العملية التي كان يتوقعها وسيعقد احتمالات التوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى أو وقف إطلاق النار. وقال أمام لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ إنه سيعمل مع الجمهوريين على فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة.
وقال وزير الخارجية البريطاني "ديفيد كاميرون" للبرلمان في نفس اليوم إن قرار خان كان خاطئا.
وجاء رد فعله غاضبا في أحاديث خاصة على تغيير الخطة، ووصف ذلك بأنه "جنون" لأن فريق خان لم يزر بعد إسرائيل وغزة، وهدد خان في اتصال هاتفي بانسحاب بريطانيا من المحكمة وقطع الدعم المالي عنها، وفقًا لثلاثة مصادر على دراية مباشرة بما دار في المناقشة.
ورفض مسؤول بوزارة الخارجية البريطانية التعقيب على الاتصال الهاتفي أو على علاقة بريطانيا بالمحكمة.
وسمحت المحكمة في يونيو/ حزيران بأن تقدم بريطانيا مذكرة مكتوبة توضح فيها حججها القانونية بأن المحكمة لا تتمتع بالاختصاص القضائي لنظر هذه القضية. وهناك انقسام بين الدول الأعضاء في المحكمة والدول غير الأعضاء على مسألة الاختصاص.