أثار القرار "الدراماتيكي التاريخي"، بحسب ما وصفته القناة 12 الإسرائيلية، للمحكمة العليا الإسرائيلية بالإجماع، فرض التجنيد على المتدينين اليهود، غضباً واسعاً في المؤسسة الدينية والأحزاب اليمينية المؤيدة لها، حيث دعا حاخام كبير الحريديم للتمرد، فيما تدرس أحزاب مشاركة في الحكومة الانسحاب منها، وهو ما قد يؤدي لحلها.
وأعادت المحكمة العليا الإسرائيلية قضية "تجنيد الحريديم" إلى وسط المسرح السياسي حينما أقرت الثلاثاء 25 يونيو/حزيران 2024، بالإجماع، وجوب تجنيد المتدينين اليهود في الجيش، ومنع المدارس الدينية من الحصول على تمويل حكومي إذا لم يلتحق طلابها بالخدمة العسكرية.
هذا القرار تبعه إعلان المستشارة القضائية للحكومة بإلزام كافة الوزارات المعنيّة وعلى رأسها وزارتا المالية والحرب، بتجنيد قرابة 4 آلاف من الحريديم كخطوة أولى، ومن سيمتنع عن ذلك سيُعاقب عبر طرق عديدة من بينها سحب المخصّصات التي يحصل عليها كفرد أو كمؤسسة تعليمية.
وبهذا القرار تخسر المدارس الدينية بطواقمها وطلابها كل الامتيازات التي تمتعوا بها طوال عقود من الزمن من تمويلات ضخمة من ميزانية الدولة، وإعفاء من التجنيد الإجباري في الجيش، وأصبحوا مجبرين على الالتحاق بالجيش أو تصنيفهم كهاربين من الخدمة، وهو ما يعرّضهم للاعتقال.
ويشكل "الحريديم" نحو 13% من عدد سكان إسرائيل، وهم لا يخدمون في الجيش، ويقولون إنهم يكرّسون حياتهم لدراسة التوراة في المعاهد اللاهوتية، فيما يلزم القانون كل إسرائيلي وإسرائيلية فوق 18 عاماً بالخدمة العسكرية، فيما يثير استثناء "الحريديم" من الخدمة جدلاً منذ عقود.
مطالب بتجنيد فوري
من جانبه، اعتبر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد عدم تطبيق قرار المحكمة العليا بتجنيد المتدينين اليهود (الحريديم) "خيانة للجيش"، باعتباره أصبح قانوناً.
وقال لابيد في منشور على منصة إكس: "لقد تحدثت المحكمة العليا هذا الصباح، وكانت واضحة وحادة، بما في ذلك القضاة الأكثر تحفظاً: لم يعد هناك استثناء للحريديم".
وأضاف: "ابتداءً من هذا الصباح (الثلاثاء)، أصبح تجنيد اليهود المتشددين هو القانون، وعدم تطبيقه خيانة لجنود الجيش الإسرائيلي".
وتابع: "ولت الأيام التي يوجد فيها من يصرخ: سنموت ولن نجند، وانتهى التمييز بين الدم والدم".
وأشار لابيد إلى أن تل أبيب "في حرب على سبع جبهات (لم يسمها)، والجيش الإسرائيلي ليس لديه ما يكفي من الجنود، وإذا لم نقاتل معاً فسوف نموت معاً".
حاخام يدعو للتمرد
على الطرف الآخر، وصف الحاخام موشيه مايا، وهو عضو منذ فترة طويلة في مجلس حكماء التوراة، حكم المحكمة العليا بالمخالف للشريعة اليهودية".
وقال الحاخام في مقابلة إذاعية محلية: "الشريعة تنص على أنه لا يُسمح لعضو المدرسة الدينية بالتجنيد في الجيش"، بحسب ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت".
ودعا الحاخام مايا جميع المتدينين لرفض التجنيد والتمرد على قرار المحكمة.
وأضاف: "إنهم يرتكبون خطأً كبيراً، لولا وجود أهل التوراة لكان هناك المزيد من القتلى، نصلي بالدموع من أجل ثلث الجنود، ومن أجل عودة المختطفين".
ويعتقد رجال الدين اليهود والأحزاب الدينية المتشددة أن دولة الاحتلال ما زالت قائمة بسبب دورهم الديني وأدائهم الصلوات والدعوات المستمرة، وأن محاربتهم ستؤدي إلى هدم دولة إسرائيل.
فيما قال وزير شؤون القدس مئير باروش وهو من حزب "يهودوت هتوراه": "قرار العليا سيقود لدولتين!".
الانسحاب من الحكومة
وتشير تقديرات مراقبين، إلى أن قرار المحكمة العليا سيكون له تأثير على حكومة بنيامين نتنياهو التي تضمّ أكبر حزبين دينيين وتسعى لتمرير قانون في الكنيست لمنح إعفاءات للمتدينين.
حيث أشارت صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أن حزبي "شاس" و"يهودوت هتوراه" يعتزمان الانسحاب من الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو.
وأشارت إلى أن الحزبين يدرسان دعم الحكومة من الخارج بحسب الحاجة.
من جانبه، أكد حزب "الليكود" الإسرائيلي، أن حل أزمة التجنيد في الجيش الإسرائيلي ليس في قرار أو فرض المحكمة العليا الإسرائيلية.
ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن حزب الليكود الحاكم الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، أن حل أزمة التجنيد في الجيش الإسرائيلي يكمن في استكمال مناقشة قانون التجنيد داخل الكنيست الإسرائيلي، وليس من خلال قرار للمحكمة العليا الإسرائيلية.
ومنذ 2017، فشلت الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد "الحريديم"، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانوناً شُرّع عام 2015 وقضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمسّ بـ"مبدأ المساواة".
ومنذ ذلك الحين، دأب الكنيست على تمديد إعفائهم من الخدمة العسكرية، ومع نهاية مارس/آذار الماضي، انتهى سريان أمر أصدرته حكومة نتنياهو بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي لـ"الحريديم".
وأصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في فبراير/شباط الماضي، أمراً يطالب الحكومة بتوضيح سبب عدم تجنيد "الحريديم".
ونهاية مارس/آذار، أصدرت المحكمة أمراً مؤقتاً بوقف الدعم المالي لطلاب مؤسسات التوراة المطلوب منهم التجنيد.
وفيما تعارض الأحزاب الدينية قانون تجنيد "الحريديم"، فإن الأحزاب العلمانية والقومية تؤيّده، ما تسبب لنتنياهو بإشكالية تهدد ائتلافه الحاكم.
ويشكل المتدينون اليهود نحو 13% من عدد سكان إسرائيل البالغ قرابة 9.7 مليون نسمة، وهم لا يخدمون في الجيش، ويقولون إنهم يكرّسون حياتهم لدراسة التوراة.
ويُلزم القانون كل إسرائيلي وإسرائيلية فوق 18 عاماً بالخدمة العسكرية، ولطالما أثار استثناء "الحريديم" من الخدمة جدلاً طوال العقود الماضية، لكن تخلّفهم عن الخدمة العسكرية بالتزامن مع الحرب المتواصلة على غزة وخسائر الجيش الإسرائيلي، زاد من حدة الجدل، إذ تطالب أحزاب علمانية المتدينين بالمشاركة في "تحمّل أعباء الحرب".
وخلفت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قرابة 124 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.